عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2022, 05:54 PM
المشاركة 7612
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: مَجْمعُ الأمثال
3738

.... أَلْحَنُ مِنْ قَيْنَتَيْ يَزِيدَ ....

يعنون به لحن الغناء، والمثلُ من أمثال أهل الشأم، ويزيد
هذا هو يزيد بن عبد الملك بن مروان، وقَيْنَتاه حَبَابة وسلَّامة
وكانتا ألحنَ من رؤي في الإسلام من قِيَان النساء، واسْتُهْتِرَ يزيدُ
وهو خليفة بحبابة حتى أهْمَلَ أمرَ الأمة وتخلّى بها، ومن
استهتاره بها أن غنته يومًا:

لَعَمْرُكَ إنَّني لأحِبُّ سَلْعًا
لِرُؤْيَتِهاَ وَمَنْ أضْحَى بِسَلْعِ

تَقَرُّ بِقُرْبِهاَ عَيْنِي، وَإنِّي
لأخْشَى أنْ تَكُونَ تُرِيْدُ فَجْعِي

حَلَفْتُ بِرَبِّ مَكَّةَ وَالمُصَلَّى
وَأيْدِي السَّابحاَتِ غَدَاةَ جَمْعِ

لأنْتِ عَلَى التَّنَائي فَاعْلَمِيه
أَحَبُّ إليَّ مِنْ بَصَرِي وَسَمْعِي


ثم تنفَّست، فَقَالَ يزيد‏:‏ إن شئتِ أن أنقُلَ إليك سَلْعًا
حَجَرًا حجرًا أمرتُ، فَقَالَت‏:‏ وما أصنع بسَلْع‏؟‏ ليس إياه
أرَدْتُ، ثم غَنتهُ:

بَيْنَ التَّرَاقي وَاللَّهاةِ حَرَارَةٌ
مَا تَطْمَئِنُّ وَلَا تَسُوغُ فَتَبْرُدَا

فأهوى يزيد ليطير، فَقَالَت‏:‏ كما أنت، على مَنْ تخِّلفُ
الأمة‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ عليك.
قَالَ حمزة‏:‏ وأما لحن الغناء فيجمع على لُحُون وألْحَان،
فيُقَال‏:‏ لَحَنَ في قراءته؛ إذا طَرَّبَ فيها وغَرَّد، وقَالَ:
سمعت أبا بكر بن دريد يقول‏:‏ أصل اللَّحْن في الكلام
الفِطْنَة، وفي الحديث ‏"‏ولعلَّ أحَدَكم أن يكون أَلْحَنَ
بُحجَّته" أي أفْطَنَ لها وأغوَصَ عليها، وذلك أن معنى
اللحن في الكلام أن تُرِيدَ الشيء فتورِّيَ عنه بقولٍ آخر،
وقيل لمعاوية‏:‏ إن عبيد الله بن زياد يلحَنُ، فَقَالَ‏:‏ أوليس
بظريفٍ لابن أخي أن يتكلم بالفارسية إذ كان التكلم بها
معدولا عن جهة العربية، وقَالَ الفَزَاري:

وَحَدِيثٍ ألذُّهُ هُوَ ممَّا
يَنْعَتُ النَّاعِتُونَ يُوزَنُ وَزْنَا

مَنْطِقٌ رَائِعٌ وتَلْحَنُ أحْيَا
نًا وَخَيْرُ الحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنَا


يريد أنها تتكلم بالشيء وهي تريد غيره، وتعرض في حديثها
فتزيله عن جهته من ذكائها وفطنتها، وكما قَالَ الله عز وجل
(‏ولتعرفَنَّهُمْ في لحن القول‏)‏ وكما قَالَ القَتَّال الكلَابي:

وَلَقَدْ وَحَيَتُ لَكُمْ لِكيْمَا تَفْهَمُوا
وَلَحَنْتُ لَحْنًا لَيْسَ بِالمُرْتَابِ


واللحن في العربية راجع إلى هذا؛ لأنه العُدُول عن الصواب؛
لأنك إذا قلت‏:‏ ‏"‏ضرب عبدُ الله يزيدُ‏"‏ لم يدر أيهما الضارب
وأيهما المضروب، فكأنك قد عَدَلْتَ عن جهته، فإذا أعْرَبْتَ
عن معناك فُهِم عنك، فسمي اللحن في الكلام لحنًا؛ لأنه
يخرج على نحوين، وتحته معنيان، ويسمى الأعراب نحوًا
لأن صاحبه يَنْحُو الصوابَ أي يقصده.
قَالَ أبو بكر‏:‏ وقد غلط بعضُ الكبار من العلماء في تفسير بيت
الفَزَاري، وهو عمرو بن بحر الجاحظ، وأودعه كتاب البيان، فَقَالَ:
معنى قوله "‏وخير الحديث ما كان لحنًا‏"‏ هو أنه تعَجَّب من
الجارية أن تكون غيرَ فصيحة، وأن يعتري كلامَهَا لحن، فهذه
عثرةٌ منه لَا تُقَال وقد استَدرَكْتُ عليه عثرةً أخرى وهو أنه قَالَ:
حدثني محمد بن سَلَّام الجمحي قَالَ‏:‏ سمعت يونس النحوي
يقول‏:‏ ما جاءنا من روائع الكلام ما جاءنا عن النبي صلى الله
عليه وسلم، وهذه الحكاية تجمع إلى التصحيف الذي فيها قلَّة
الفائدة، فأما قلة الفائدة فلأن أحدًا ممن أسلم أو عَانَدَ قط لم
يَشُكَّ في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أفصَحَ الخلق، وأما
التصحيف فلأن أبا حاتم حدثني عن الأَصمعي عن يونس قَالَ:
ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عن البُسْتيّ بعد
النبي صلى الله عليه وسلم، يعني عثمان البستيّ.
‏(‏كذا، وأحسب أنه تصحيف عن ‏"‏البتي‏"‏ بفتح الباء وتشديد
التاء بعدها ياء مشددة للنسب، وهو أبو عمرو، عثمان بن
مسلم، البصري، توفي سنة 143 من الهجرة)
فأما قولهم: