عرض مشاركة واحدة
قديم 02-17-2024, 02:41 AM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: كتاب فِـقْـــه السُـنّة في النجاة من الفتن وأحداث آخر الزمان

فصل تمهيدي
العودة إلى الله.

العودة إلى الله. !!!
وهل نحن نرحل بعيدا عنه حتى نعود يا ترى. ؟!
نعم، كثيرا ما يحدث للأسف.
كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إلا من أبيْ)
فهل هناك من يأبى العودة إلى الله وإلى غفرانه وجنته؟!
الجواب نعم، وفي الحديث الشريف:
(كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى)
كلٌ يدخل الجنة إلا من أبي، وما يأبى إلا الخاسرون

• الرحيل
تأخذنا الحوادث وثِقَال الأمور في الدنيا، فنلهو عن حقيقة أننا أمة أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام، تلك الأمة التي خَصّها الله تعالى، بميزات تمناها كل المرسلين، عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
[كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ] {آل عمران:110}
صدق الله العظيم

خَصّنا الله تعالى بأننا الأمة التي نالت شرف البعث المحمدي، وخَصّنا بأننا الأقرب إلى رحمته، وغفرانه، وجعلنا نِصْف أهل الجنة من سائر الأمم كما ثبت بالحديث الشريف
(عن ابنِ مسعودٍ قال:
كُنَّا مَعَ رسولِ اللَّهِ ï·؛ في قُبَّةٍ نَحوًا مِنْ أَرْبَعِينَ،
فَقَالَ: أَتَرضَونَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَم، قَالَ: أَتَرْضَونَ أَن تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْنَا: نَعَم، قَالَ: وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لأَرجُو أَنْ تَكُونُوا نِصفَ أَهْلِ الجَنَّة، وَذَلِك أَنَّ الجَنَّةَ لا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا أَنتُمْ في أَهْلِ الشِّركِ إِلَّا كَالشَّعرَةِ البَيضَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَسْودِ، أَوْ كَالشَّعَرَةِ السَّودَاءِ في جلدِ الثَّورِ الأَحْمَر)

فقد جعل الله للجنة آلاف الأبواب نصل بها إليها، وأغلق النار أمامنا إلا من باب واحد،
الشرك به والعياذ بالله تعالى.
أفرد لنا من أبواب الجزاء ما لا يحصي عددا ولا يفنى بددا، وجعل لنا من سبل النجاة والقرب منه، عشرات ومئات السبل.
كلها أهون من بعضها البعض في جهد العمل، وكلها أثقل من بعضها البعض في الثواب والأجر.
ويكفي أن نعلم أن الله جعل لعباده الضعفاء طريقا ذهبيا ليكونوا في صفوف المجاهدين والمتفردين، وبأبسط عمل ممكن في المشقة، وأعظمها ثوابا في الأجر ألا وهو ذكر الله" ":
يقول النبي عليه السلام:
( أَلَا أُنَبِّئُكم بِخَيْرِ أعمالِكُم، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم، فتَضْرِبوا أعناقَهُم، ويَضْرِبوا أعْناقكُم؟!،
قالوا: بَلَى، قال: ذِكْرُ اللهِ)

وجعل لنا التوحيد سبيلا للنجاة من النار ونَيْل المغفرة مهما عظمت الذنوب،
ففي الحديث القدسي:
(يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً)
وجعل لنا حُب رسوله عليه الصلاة والسلام أقرب الطاعات وأقرب طريق لعلو الدرجات:
يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(مَن صلَّى على النبيِّ صلاةً واحدةً؛ صلَّى اللهُ عليه عَشْرَ صَلواتٍ، وحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطيئاتٍ، ورَفَعَ له عَشْرَ دَرَجاتٍ)" "
كل هذا الجزاء وهذه الرفعة بصلاة واحدة يصليها المسلم علي النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، فما بالنا من اتخذ له وِرْدَا يوميا بالذكر والصلاة علي النبي عليه الصلاة والسلام؟!
وما بالنا بمن استخدم الذكاء الإيماني فَصَلّي علي النبي عليه السلام وذكر الله بصيغة الإكثار وهي:
(اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل بيته وصحابته بعدد خلقك ومداد كلماتك ورضاء نفسك وزنة عرشك)
فترديد ذكر الله بهذه الصيغة لا يُحْتسب مرة واحدة بل يكون العدد لا نهائي وفق هذه الصيغة النبوية.
وقد جاء في الحديث النبوي:
(عن جويرية أم المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعدما أضحى وهي جالسة،
فقال ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟
قالت: نعم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وُزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضاء نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته)

وجعل لنا القرآن شفاء من كل داء، والصلاة دعاء، وجعل الدعاء ذاته عبادة لله ــــ وهو مصلحة للعبد في الأصل ــ جعله الله أيضا من أقرب الطاعات بل أعظمها.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(ما مِنْ مُسلِمٍ يَدْعو بدعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رَحِمٍ إلَّا أعطاهُ اللهُ إِحْدى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يُعَجِّلَ لهُ دعوتَهُ، وإمَّا أنْ يدَّخِرَها لهُ في الآخِرةِ، وإمَّا أنْ يصرِفَ عنهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها.)" "
فتأملوا العظمة!
إنك دعاء العبد لربه هو مصلحة للعبد في الأصل، ورغم هذا جعلها الله له ثوابت فكلما أكثر في الدعاء كلما تتابعت عليه الخيرات، فإما أن يجيبه الله لدعائه فيأخذ به نعمة الدنيا، وإما يدفع به عنه بلاء قادما، وإما أن يدخرها له الله في الآخرة فيجدها العبد في ميزان حسناته وهو لم يحسب لها حسابا!
فأين هو الذي يجزيك من البشر على كثرة طلباتك منه، ولو كان أباك أو أمك؟!
بل العكس،
فإن كثرة الطلب والإلحاح هي مدعاة الضيق والكمد للمطلوب منه، وَذُلٌ للطالب!
وبالمثل.
إن المسلم إذا قضي شهوته بالزواج ارتفع ميزان حسناته رغم أنه في الأساس يقوم بتفريغ شهوته كرغبة ومتعة له، وليس فيها أدني عبادة، لكن الله احتسبها له عبادة ما دام قد وضعها في الحلال!
يقول النبي عليه السلام من حديث طويل:
(وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ!
قالوا: يا رسولَ اللهِ! أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجرٌ؟!
قال: أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه فيها وزرٌ؟
قالوا: بلى،
قال: فكذلك إذا وضعها في الحلالِ كان له [فيها] أجرٌ، وذكر أشياءَ: صدقةً، صدقةً، ثم قال: ويُجْزِئُ من هذا كلِّه ركعتا الضُّحَى)" "

وينال المسلم أجر الصدقة على ذلك ولكن بشرط (النية)، بمعني أنه يحتسب عمله ذلك لله فيوفيه الله الجزاء عليه وتُحتسب له صدقة
ومسألة النية المسبقة على نَيْل الأجر أمر شديد الأهمية يغفله الكثيرون، لأنك إذا فعلت الفعل من الخير أو المباح ــ كالشهوة وتربية الأطفال والإنفاق على بيتك ــ ولم تكن تحتسب هذا الفعل لمرضاة الله يسقط عنك الأجر،
بل إنك لو جلست في بيتك بنية كف أذاك عن الناس وكف أذى الناس عنك جعلها الله في ميزان حسناتك.
لهذا فإنه من الذكاء الإيماني أن يجدد المسلم نيته كل يوم باحتساب مرضاة الله في كل عمل خير يعمله سواء قصده أو فعله بالصدفة.
وهذا الاحتساب المُسَبّق للنية يكفل له ذلك كله
والنية أساس في قبول الأعمال، ومعناها أن ينتوي المرء احتساب العمل لله تعالى، وهو ما أجمع عليه علماء الأصول وفقا لما نص عليه النبي عليه الصلاة والسلام:
(الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)

فالأعمال مهما عظمت، يضيع أجرها إذا غابت النية، والنية وحدها تكفل لك الأجر حتى دون عمل، فلو أن الإنسان أخلص النية لله أنه إذا أتاه الله المال سيتصدق منه وينفقه في الخير نال الأجر ولو لم يأته المال أصلا
وهذا ثابت من خلال حديث (طبقات الناس الأربعة)
يقول النبي عليه السلام:
(مثلُ هذه الأُمَّةِ كمثلِ أربعةِ نفرٍ:
رجلٌ آتاهُ اللهُ مالًا وعلمًا فهو يعملُ بعلمِه في مالِه يُنفقُه في حقِّهِ
ورجلٌ آتاه اللهُ علمًا ولم يُؤْتِه مالًا فهو يقولُ لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ:
فهما في الأجرِ سواءٌ
ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا ولم يُؤْتِه علمًا فهو يخبطُ في مالِه يُنفقُه في غيرِ حقِّهِ،
ورجلٌ لم يُؤْتِه اللهُ علمًا ولا مالًا فهو يقولُ لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فهما في الوِزْرِ سواءٌ)" "

فتأملوا مدى خطورة القاعدة التي أرساها الحديث الشريف حيث جعل الذي ينوي من قلبه أن يُقَلّد صاحب المال في البذل والإنفاق في الخير، جعل الله نيته تلك مساوية لعمل صاحب المال نفسه وتساوي معه في الأجر أيضا
وبالمقابل فإن الله جعل الذي يتمني تقليد أهل البغي في إنفاقهم على الملذات، سببا في حمل أوزار مساوية لهم رغم أنه لم يستمتع بالمال الحرام كما فعلوا!
فما أحوجنا للوقوف إلى النفس، ومحاولة العودة إلي الله وتصحيح المسار
فسبحانه من تفرد في صفاته تفردا مطلقا.
من دعانا لقرب منه، فطوبي لمن أجاب الدعاء