الموضوع: ما هو الأهم ؟
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
3

المشاهدات
4613
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
12-16-2013, 09:52 PM
المشاركة 1
12-16-2013, 09:52 PM
المشاركة 1
افتراضي ما هو الأهم ؟
يسير سير العشواء ، يبتغي شعاعا يكسر أطياف العتمة ، لم يكن لغياب النور من علة مقنعة ، فلربما غابت الومضات احتجاجا على تكاسل الهمم . ربما يكون ذلك الإضراب إنذارا لمعالجة منزلق الفوضوية القاحلة التي تصحرت بها روافد مخازن الطاقة . كانت الظلمة شديدة البأس على البعض فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و الأهم أن لا أحد يستبشر خيرا بهذا الذي يحصل . البرودة تكتسح مياه الشرب ، فتجمد الأمل في الحياة ، قد تكون الشمس أغمضت عينيها شفقة ، كي لا ترى هذا المنظر البشع الذي لا مناص منه لتعيد الحياة صياغة أسسها التي أنهكتها التصورات الخاطئة ، فمنذ القدم كانت الطبيعة تثور بمقدار ، و تعلن بين الفينة والفينة أنها غاضبة على منهاج الإنسان ، لكنه لا يبالي و ربما استلطف أن يكون ذلك المستخلف الذي لا يحاسب ولا يسأل ، منهج تجرعه من فنون التحايل الأنوي و ديكتاتورية الفعل . أما اليوم فجنسه مهدد فعلا بالانقراض ، فوجوده رهين بالطاقة ، أصبحت أكسجين حياته ، منذ غابت الشمس و المعادلة آخذة في التغير ، ما من مصدر آخر قادر على حفظ تلك التوازنات التي بنيت عليها حياته والأهم حياة ما يضمن حياته .
قد يكون الجهل ما سبب تلك الفضيحة ، ترى الإنسان فعلا يريد بعلمه تحسين الحياة بمنظورها العام ، أم مجرد أنانية متعالية هي ما يجعله يسير جاحظ العينين يفتك بلبنات الجمال ، و قد أعماه التمادي في الغرور متبخترا بإنجازاته و اكتشافاته دون أن يعلم أين تقوده أبهته تلك . إن ما يحيره أكثر هو ذلك الصمت الرهيب الذي انتاب الأرض ، فأين هديرها الذي ضجت به السماء ، وأين غازاتها التي خنقت الروائح الزكية و خربت مظلاته الواقية ، و أين جبروت الآلة و إقدامها على الفعل بلا ملل ، كل تلك القوة الهائلة تألمت بغياب شعاع بسيط كان ريما ينظر إليه كوسيلة ناجعة لتغيير لون البشرة عند الاصطياف ، مجرد مادة تجميل تعطيه انطباعا أنه الأفضل يتمازج لونه بين الأبيض والأسمر .
يسير مطأطأ الرأس لا يعرف إلى أين المسير و الأهم أنه ما زال مؤمنا أنه يستحق الخلافة ، الأهم أيضا أنه لم يتفقه أن عقلا عطله و أماته وأقبره ، شمس أخرى قد تجد بين الحلول حلا ملائما .
يتمنى النظر إلى المرآة ، يريد أن يتحقق من بشريته ، و هو عليم أن جملة من المساحيق هي ما كانت تخفي بشاعة صورة يتفادى الظهور بها أمام حاملي الأقنعة ، تجمع منافق بضحكات صفراء ، وجوه تتزين للحفاظ على ماء الوجه و لو أن دماء المروءة غابت عن ملامحها ، في قرارة نفسه يشكر الشمس الغائبة والطاقة المتجمدة كي لا يرى تلك الوجوه التي تلطخت بأخطائها ، فاللعنة فعلت فعلتها ، و الفضيحة كل الفضيحة عند أول نظرة ، متى استقرت تلك الصورة البشعة في النفوس ، وأخذت موطنها في الذاكرة ، كم قرنا يكفي لإلغاء أثرها ، كم خريطة جينية وجب تعديلها لتعطيل هذا المسخ .
يسير تواقا إلى شيء ، فالضعف ساكن في النفوس لا يظهر إلا عند المصائب ، يتوجس خيفة من كل شيء ، من الموت القريب ، من الحياة على وقع الظلام ، من العودة إلى ذات السبيل . يتحسس المصابين أمثاله فلايكاد يسمع همسا ، ترى العواطف رغم زيفها يومئذ غادرت النفوس و قد أثقلها التكلف ، أم الحب وليد النور لا يملك مناعة ضد السواد ، و الأهم أنه حاول التكيف مع القلوب السوداء ذات يوم ، و ربما ما استطاع النجاح .

لا يزال يبحث عن الأهم حين التقى بها ، كائنة تشع نورا هيأت له مجلسا ، لا يعرف حق اليقين هل هو من أتاها أم هي من جاءته ، أم هي صدفة من تلك الصدف التي تهيأت ظروفها كحتميات وصل أجلها ، شبيهة هي ببني جنسه ، فيها بعض من حلاوة ، منذ أن لمست يديه و مسحت على جسده تراءى له وميض أمل في الأفق البعيد ، لكأن عينيه بدأتا تلتقطان صورا من نوع خاص ، قد يحتاج دماغه لعبقرية ما لتوضيحها أكثر ، فهي مضببة و ربما مشفرة ، رغم ذلك أحس في نفسه بعض الانشراح ، حملته بعيدا إنها رحلة إذن ، تقطع المسافات فبدأ ذهنه يغادر ما ألم به ، بل بدأ الشك يساوره ، ربما أنا من يتحول و ربما أن الأرض ما اعتراها مكروه ،وقد يكون بنو جلدتي في دنياهم يمرحون ، قد أكون لوحدي من به ملمة، و ربما أصابتني صدمة ما وأفقدتني بصري و لغتي و رمتني في صحراء باردة فأحسست العالم من حولي يتجمد ، و قد تكون هذه المنيرة هي من أخذت لبي و أيقظت مخاوفي و حفزت ضعفي فتغير كل شيء ، أليس الذهن بقادر على اختلاق عوالم غير التي نعيشها ، لكن الأهم هو التريث ، فربما ما أوقعنا في الكثير من المهالك غير الاندفاع ، فكل تلك الحروب المشؤومة ما كانت لتخرب الديار و تهلك الحرث والنسل لو أن الإنسان سيطر على اندفاع شهوته لاستعباد الإنسان . لا بأس يجب أن أجتاز هذه المحنة بشيء من الكياسة ، يجب أن أستسلم لهذه القوة التي تأسرني ، و لماذا لا يكون ما عايشته حقيقة فتكون هذه الماردة رغم رقتها هي من أسرت الأرض و من يدري ربما أطفأت الشمس ، يا ويلي إن كانت تقرأ أفكاري تلك نهايتي لا محالة . هل أستطيع للحظة كبح هذه الأفكار ، و عدم كشف نواياي ، لكن أليست هذه أيضا من سلبيات بني الإنسان ، أن يضمر ما لا يبدي متحينا فرصة التخلص من غريمه والإيقاع به . قاطعت تأملاته بأن فتحت له بوابة على قصر بهيج ، نخيل و رمال و مياه و زرع و طيور وأغنام ، دفعت به هناك فغابت وغاب عنه كل مكروه ، إنسان أنا غسل وجهه و تبينت له ملامحه فتنفس السلام ، لا أثر لتلك اللعنة المقيتة التي تصورها ، أكل و شرب واستلطف عالمه الجديد.