الموضوع: جحيمُ رصاصة
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-23-2018, 12:19 PM
المشاركة 4
حسين ليشوري
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
[justify]
جحيمُ رصاصة

يستحضر باسل أقدم مشهد يحتفظ به لأمه، شابة في السادسة والعشرين من عمرها، أم لثلاثة أيتام، تخرج من بيتها على صوت منادٍ، فإذا به أحد فتية القرية وقد أحضر لها صدقة الفطر؛ صغر سنه في ذلك الوقت جعله غير قادر على إدراك الموقف، ولم يكن يعرف السبب في إحضار هذه الأشياء لأمه، لكن مشهدها وهي منزوية في المطبخ تبكي بعد كل مرة تتلقى فيها صدقة من أحد، ما زال طافيًا على سطح ذاكرته، فأيقن أن وراء هذا البكاء ألمًا من نوع خاص، وهو مشهد عصيب هيهات أن يمّحي، وقد نمت ذاكرته ونما معها المشهد.

رغم قسوة العيش بعد استشهاد زوجها الذي كانت تنعم معه بحياة هانئة، ورغم حاجة أي أرملة في سنها إلى زواج [جديد] يقيها عيون الرجال ويعينها على تحمل أعباء الحياة، إلا أنها بقيت متمسكة ببيتها وأولادها، لا تريد شيئا من الحياة غيرهم، وتواسي نفسها دومًا بأن "الصبر مفتاح الفرج"، كل همها تربية أبنائها على ما كان يحلم به أبوهم.

سمعها باسل مرة تقول لخالته حيث كانتا تعملان في التطريز بأجر: "شو أسوّي يا اختي؟ ربنا كاتب لي أربي يتامى، بدي أربيهم لحد ما يوخذوا شهادات الجامعة اللي تحميهم من الشغل عند اليهود زي ما كان يحلم أبوهم".

أمي تعيش على الأمل، وعليّ أن أحققه لها ولا أخذلها، هكذا كانت ردة فعل باسل على كل موقف من هذا النوع، ومع أن القدر كان له بالمرصاد، إلا أنه كان أقوى من أن يستسلم له، وهذا ما أوجد لديه العزيمة والإصرار على النجاح والتميز في كل مراحله التعليمية، في المدرسة والجامعة، حتى غدا أستاذًا في مدرسة القرية يربي الأجيال على حتمية التحرر من الاحتلال الذي قلب نعيم حياة أسرته إلى جحيمٍ عاش قسوته وسطوته بما فيه من مرارة فقر وفقد وحرمان.

هكذا كان باسل ينهل من سيرة حياته القاسية ما يمنح به تلاميذ قريته نوعًا من الصمود وقوة الإرادة والإصرار على الحياة بكل ما فيها من تضحية وفداء، فوالده استشهد مدافعا عن طالبات القرية اللاتي أردن عبور الحاجز المقام بمدخل القرية كي يذهبن للجامعة [إلى الجامعة]، فأصر الجندي الإسرائيلي هناك أن يفتحن جلابيبهن ليتأكد من أنهن لا يحملن أحزمة ناسفة، فما كان من أبي باسل إلا أن اقترب من الجندي موبخًا إياه على طلبه، فاستقبله الجندي برصاصة اخترقت قلبه واستشهد على الفور، فارتقت روحه إلى بارئها وانخسفت الأرض بزوجته التي كانت تحلم بوطن تعيش فيه مع زوجها كباقي النساء.

نهاد الرجوب
[/justify]
نص رائع من حيث لغته الصافية وأسلوبه السلس وطريقة السرد فيه الذكية وقد كنت، وأنا أقرأ، أتساءل كيف استشهد الزوج وجاءتني الإجابة في نهاية القصة؛ لست ناقدا ولكنني قارئ متذوق وقد راقت لي القصة هنا كثيرا.
ثم أما بعد، سمحت لنفسي بإبداء بعض الملاحظات في النص وهي مجرد وجهة نظر شخصية فقط، فكلمة "جديد" أراها زائدة لا تخدم النص كما أن توظيف حرف الجر في "يذهبن للجامعة" في غير محله والأحسن منه "إلى".
تحياتي إلى الكاتبة الشابة نهاد الرجوب وتهنئتي الصادقة لها على فوز قصتها بالمرتبة الأولى.

[fot1]للخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم، فإن كنت كاتبا فلا تقاوم خيالك ولكن قَوِّمه.[/fot1]