عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-2012, 09:40 AM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأستاذة المها اليامي

في ردك الكريم على سؤال " هل نفهم بحق سيكولوجية ولادة المنتج الابداعي؟
تقولين " نعم / إن وردت الفكرة أولاً وكان الاسترسال بخطواتثابتة نحو صياغتها، ولا / إن كان العمل ارتجاليا ومن دونقواعد محددة ك ( المحاورات الشعرية ) ومجاراة الشعراء بالأبيات".

- في الواقع أن العملية الإبداعية برمتها وخصوصا سيكولوجية ولادة النص الإبداعي أمور ما تزال غامضة ويكتنفها الكثير من الأسرار.
- وربما أن السبب الرئيس هو عدم الفهم الصحيح لطبيعة العملية الإبداعية والدافع الإبداعي. فما يزال قطاع كبير من الناس يعتقدون أن مصدر العمل الإبداعي هو الموهبة. وآخرون يعتقدون انه تعويض عن نقص ما. والبعض يرى بأن الإبداع والجنون ينبعان من مصدر واحد.
- بينما يرى البعض ومنهم المرحوم الشاعر د. عبد اللطيف عقل بأن لحظة ولادة النص هي أشبه ما تكون بلحظة الوجد وتمثل انفتاح على عوالم أخرى وان الزمان والمكان يلتقيان في لحظة ولادة النص في نقطة واحدة ولحظة واحدة، ولذلك يخرج النص أحيانا مهولا فذا عبقريا مذهلا وقد يشتمل على نبوءات واستشراف لا يتم فهم مقاصدها ولا معانيها أو ما ترمز إليه إلا في زمن لاحق قد يطول.
- والمهم يكاد يكون هناك إجماع بأن العملية الإبداعية تترافق مع حالة من القلق النفسي يمكن أن يصل أحيانا إلى درجة الجنون الحقيقي... ويقال أن البير كامو كان واحد من الذين شعروا بذلك الخواء والقلق النفسي الرهيب وانه صرح لأحد أصدقاؤه المقربين أكثر من مرة بأنه "يشعر بالخواء الداخلي يكتسحه كليا وانه مليء باليأس القاتل ولا يستبعد أن يلجأ إلى الانتحار كحل وحيد لمشاكله".
- وعليه يرى البعض بأن العبقرية والإبداع يأتي كتعويض عن نقص ما أو خلل ما كما تقول بعض مدارس التحليل النفسي.
- كما أن كثير من المبدعين يتصفون بالسوداوية والحزن العميق أحيانا ولكن في لحظة ولادة النص الإبداعي يتحول إلى شخص آخر وكأنه ليس هو ويصبح وكأنه شاردا و سارحا.
- وتكون اللحظات التي تسبق لحظة ولادة النص لحظات أزمة وإحباط وغالبا ما يشعر المبدع بالفرح لولادة النص لكنه يشعر أيضا بالخواء وأحيانا بالإحباط أيضا.
- ويقال أن الرسام الفرنسي الشهير كلود مونيه احد مؤسسي المدرس الانطباعية كان يشهد بوضوح حالة الإحباط التي تسبق وتتلو كل عملية الإبداع.
- وعلى الرغم من تعدد النظريات حول ولادة النص لكن يكاد يكون هناك إجماع بأن العبقري مثل المريض العقلي يعاني من تأزم داخلي وان العبقري تمكن من تحقيق نوع من التوازن العقلي عن طريق توليد نصوص إبداعية. وكأن الإبداع هو الذي يحرر الإنسان المبدع من أزمة الداخلية.
- وبهذا المعنى فأن الإبداع يمثل انفجار خارج من الأعماق، وهو ولادة تأتي بعد مخاض عنيف وخطر، وهكذا يستعيد المبدع توازنه لفترة من الزمن وذلك قبل أن يدخل في دورة أزمة جديدة تنحل أيضا عن طريق الإبداع.
- لكنني لا أميل شخصيا إلى الاتفاق مع الرأي القائل بأن الإبداع والجنون ينبعان من منبع واحد، ولا أتصور أن الأمر له علاقة بالتعويض، وهو حتما ليس مؤشر على وجود تأزم داخلي...وفي تصوري أن الإبداع ينتج عن زيادة حادة في الطاقة الذهنية بغض النظر عن المسببات لتلك الزيادة...هذا الارتفاع في منسوب الطاقة الذهنية قد يتحول إلى مخرجات إبداعية، إذا ما توفرت الفرصة للشخص ليتعلم ويتدرب ويحاكي من سبقه ويقلدهم في الأنماط الإبداعية. وقد تسبب الجنون في حالة استمرار ارتفاع منسوبها وعدم تفريغها بشكل ايجابي.
- وما يهمنا في الموضوع هنا وإذا ما أخذنا بالرأي القائل بأن الإبداع يمثل حالة يكون فيها مستوى الطاقة الذهنية مرتفع، نجد أن العمل الإبداعي قد يتولد في المستوى الواعي من الدماغ وفي هذه الحالة يكون نص غير عميق وغير معقد ولا يشتمل على ابعاد غير مفهومه.
- ولكن كنتيجة لوفرة الطاقة الذهنية( والتي تكون عالية المنسوب عند الايتام والمأزومين في الطفولة كما اظهرت دراساتي المنشوره في منبر الدراسات) قد يتولد النص الابداعي من المستوى الأعمق من الدماغ، ويكون مصدره العقل الباطن وفي مثل هذه الحالة يكون فذا عبقريا وعنددها في الغالب لا يعي المبدع نفسه قيمة المنتج الإبداعي ، والذي قد يشتمل على كودات ولغة رمزية توحي بمعاني مستقبلية واستشراف قد لا تتجلى معانيه إلا بعد زمن بعيد، ذلك لان مصدر العمل الإبداعي هو العقل الباطن غير محدود القدرة.
- من خلال فهمنا لعملية ولادة النص الإبداعي هذه وما يصاحب ذلك من شعور بالخواء المؤقت والذي يشعر به المبدع كنتيجة للتفريغ الذي حصل ونقصان منسوب الطاقة في الدماغ.
- وإذا ما أخذنا بأن مصدر بعض النصوص الإبداعية يكون العقل الباطن وذلك يحدث كلما كان منسوب الطاقة عالي، وعليه فأن الشخص الذي يولد النص الإبداعي لا يكون في حالة تمكنه من الحكم على نصه ولا يكون لديه المقدرة أصلا على ذلك لان مصدر النص الإبداعي بقوته الخارقة واليات عمله خارج عن نطاق الفهم والاستيعاب الواعي.
يتبع،،