عرض مشاركة واحدة
قديم 11-26-2011, 12:01 AM
المشاركة 10
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي



كلّ شيء هنا في زهرين قابل للتفريخ. الحزن والفرح, الشرف والفضيحة, الحلم والألم.. وكل شيء هنا يتبع نفسه, فالرجال – برغم كل شيء- يبكون كثيرا. مرات على صدور نسائهم المترهّلة, ومرة حين يلدن ثمرة شهوتهم المنتصبة دوما. حتى كلاب زهرين رأوها مرة مجتمعة وهي تعوي عواء يشبه البكاء!!.

قيل:

- رفع واحد منها إحدى قائمتيه الخلفيتين وبال, فشمّت البقيّة بوله وتراجعت إلى الوراء وعلا عواؤها..!!

وقد قال - وقتئذ - بعض من رووا الواقعة أن الكلاب فعلت ذلك بتحريض من النوري.

- إنه يتصل بالشياطين ويحرضها على إفناء زهرين.

- سمعه " السيد العربي" مرة يهدد بإفناء القرية, وأظن أن الكلاب قد سكنها سحره, أو أنها تحذرنا من شياطينه. فالحيوانات ترى ما لانستطيع نحن رؤيته.

أهل زهرين يخافون من النوري ويقرؤون له ألف حساب. وفي مرات عديدة يخافونه أكثر من الله. تجدهم حين يمرّ صامتين مثل أصنام أسطورية, ينكمش كل واحد في مكانه, يلتفّ بالخوف وبكثير من الحزن. ويصمت.

يذكرني خوفكم يا رجال زهرين بأمي – تلك البعيدة عني الآن – وخوفها علينا حين يقتحم الشتاء بيتنا الصغير- حينها- ينبت الخوف بين جفونها وتتشعّب فروعه وتمتدّ حتى تصل إليَّ فترتسم دمامل رعب على قلبي. فألتصق بها لمّا يهبط الليل, فتخفض لي جناحيها, وتضمّني إليها بعد أن تغلق الباب وتضع وراءه بعض ما يصادفها من أشياء ثقيلة تزيد بها اطمئنانها.
وكنت أرهف معها السمع لنباح الريح, لوقع المطر.

وفي بعض الأحيان, لما ينطّ قطّ فوق سقف الغرفة تقفز مرعوبة من مكانها, تتثبّت من غلق الباب. وتدعو الله أن يرحمنا. وأكون لفعلها ذلك أعجز حتى عن الوقوف. تتملكني رعدة وتصطكّ أسناني. ولما تكتشف مصدر الصوت أكون قد أحسست بشيء ساخن يسيل بين فخذيّ, فيزيد خوفي ويزيد التصاقي.

فتحكي.