عرض مشاركة واحدة
قديم 11-25-2011, 01:27 AM
المشاركة 3
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي

رمى فتحي منوّر القلم بين الأوراق المنتشرة أمامه فوق الطاولة بعصبية واضحة. تعطّل فكره, اغتالت عصبيته بنات صدره.

فوضى..كل شيء حوله يسير إلى الهاوية, يتحطّم على رهافة ضلوعه وتفاهة وجوده.

هذا المعلم الآتي من وراء أحلامه, من خلف الساعات. القادم من وسط خريف أكل جميع الأوراق والكلمات. خطّته الأقدار على صفحات زهرين.

قضى فيها بضع سنوات, كان فيها لحظة صمت, ثم صرخة في أعماق العاصفة التي تسكنه.

وكفى..!

بضع سنوات مرّت يحاول جمع شتاتها ويجد لها مكانا بين سطور أوراقه. ولكن الإعصار الذي يطوّح بأفكاره, الفوضى التي سكنت دواخله, وتسكن الآن غرفته, لم تسعفه ذلك.

حاول أكثر من مرة أن ينقل وحل زهرين وأثقالها إلى أوراقه, لكن الذكرى تبقى حبيسة صدره, كنبيذ سيّء غير مركّز. تقلقه, تسعد, تفرحه..فالأيام الحلوة الملائكيّة, والأيام العاصفة الحزينة تزعزعه في كيانه وتخنقه ألما, ترتجف في أعماقه, تحرقه, تزيد في ألمه, تؤلمه, تبعثره. نار تلهبه.

فتحي منوّر جرّب كل شيء في زهرين, وعرف كل شيء. نبش في كل ما صافه ومالم يصادفه. خبر ناسها المتناقضين, المتشابهين كرمال الصحراء, كحلمهم, السائرون دوما في صمت جنائزي. الضاحكين, الباكين, الرّاوين حكايات بعضهم لبعض. المتحدثين عن العمل والبطالة والجنس والمال وبنات ما وراء البحر.

وانتفضت الذكريات في نفسه.

وضاع معها.


يتبـــع