عرض مشاركة واحدة
قديم 11-25-2011, 01:22 AM
المشاركة 2
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي

ألف مرة يا زهرين أحبك, أبغضك. ألف مرة تمرقين في ذاكرتي, من بين طفولتي, وذكرى أمي التي خلّفتها ورائي. تعبرين على الشريط واضحة, ناصعة وصغيرة, حزينة, بيضاء, شهباء. والجبال من جهاتك الثلاث تحرسك, تلفّك, تمشّط حزنك الأبدي, وفقرك الأبدي.

زهرين...!

هذه القرية الفاجرة, ممتدة, منبطحة دوما وعارية, إلا من ديار مستطيلة, مربعة, ولا شكل لها. بيضاء كالكفن, صفراء كالمرض, رُمِيت هنا وهناك دون نظام أو تخطيط.

زهرين..غاصت في أعماقي المتعبة, وغصت في متناقضاتها بكل اندفاع بدائي. حضنتني لعدة سنين, وشردتني في دواخلي, قذفتني يوما في أحشائها لأكون فرعا منها, غصنا يحتمي بجذعها, شجرة تشدّ حزامها. فما كنت الفرع ولا الغصن ولا الشجرة, بل طائر مهاجر دوما, يموت لو نبت في مكان واحد, مسافر جلس يتلمّظ قطرة أمل, ويرحل.

أغرقتني فيها, فصرت ككلّ غريب يبحث عن جنون يرفعه عن خطاه, يسلّمه إلى المطلق.
زهرين.. بئر عميقة سقطت فيها, فغصت في أوحالها, شربت من قذاراتها, واحترقت بنارها. فمن ينقذني الآن؟! من يمدّني قشّة أتعلّق بها؟ من يطهّرني من نفسي؟