الموضوع: مفردات أدبية
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-04-2020, 07:44 PM
المشاركة 9
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: مفردات أدبية


(6)
الشعر الملحمي وأنموذج عليه :
الملحمة هي قصة بطولية شعراء و تحتوي على حوادث خارقة للعادة ولم تزدهر الملحمة إلا في عهد الشعوب الفطرية حين كان الناس يخلطون بين الخيال والحقيقة و بين الحكاية والتاريخ و الشعر الملحمي قد تتغنى ببطولة أسطورية و قد يتغنى بمعجزات تتصل بعقيدة الشعب ، ولم يعرف الأدب العربي الملاحم بالمستوى الذي عرفه اليونان والرومان لكننا نجد في قصائد عربية النفس الملحمي مثل بعض عمرو بن كلثوم و أبي تمام والمتنبي ، وقد تأخر الشعر الملحمي عند العرب للأسباب منها : إن العرب في الجاهلية لم تجمعهم وحدة قومية ولا نزعة وطنية أما بعد ظهور الإسلام فإنه يمنعهم من الإيمان بالأساطير و الخرافات التي لا تتفق مع عقيدتهم الإسلامية ، كما كانوا يعتزون بما لديهم من شعر غنائي إذ يعتبرونه ديوان العرب وهو بذلك يغنيهم عن أي شعر آخر و المعروف أن الشعر الملحمي يتناول بطولة أمة فيروي أخبارها و يصف معاركها ويعدد خوارقها و معجزاتها و تأتي الملحمة في قلب شعري موزون مصفى يقدم قصة متكاملة الأجزاء متناسقة العناصر تتوافر فيها العناصر الفنية الأساسية للفن القصصي عن أحداث و أشخاص و أزمان و مكان وسرد و وصف و حوار.
فالسرد يشتمل على تقديم أحداث القصة ، و الوصف يحتوي على رسم سمات أشخاص القصة وبيئتهم ، و الحوار هو ما يجري على ألسنة الأشخاص من حديث ويمكن رصد خصائص الشعر الملحمي من خلال نمطين .
1. الملاحم اليونانية و الغربية :و فيما تمتزج الأسطورة بالحقيقة والخبال بالواقع خرافيون ، يتصفون بصفات لا يتوفر عليها البشر ، وبأمزجة بدائية سريعة التحول والتلون و أحسن شاهد على الشعر الملحمي الإلياذة و الأوديسيا للشاعر اليوناني هوميروس الذي يعد أب الملاحم ، وقد عاش في القرن العاشر قبل الميلاد . وسار على خطاه الشاعر الروماني فرجيل صاحب الإلياذة الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد ، ويغلب على الملاحم الغربية الطابع الوثني ، كما يغلب عليها الطابع الموضوعي بحي لا تكاد تحس بشخصية الشاعر فيها ، ثم ظهرت الملحمة الدينية على يد دانتي 1265 و الإيطالي صاحب الكوميديا الإلهية عام 1331 .و في العصر الحديث حالت إلى الواقعية و الرمز ففقدت بذلك كثيرا من عناصرها الأصلية .
2. الملاحم العربية : تناولت صفحات مشرقة في تاريخ الأمة العربية أو جوانب من حوادث شعوبها وتلتزم بالأحداث التاريخية و تقتصر على الشخصيات المؤثرة في الأحداث ، كما يطغى عليها الطابع الغنائي إذ أننا و نحن نقرأ الملحمة نحن الشاعر هو الذي يعبر عن إحساسه و أرائه من الملاحم العربية في العصر الحديث قصيدة مطولة بعنوان كبار الحوادث في وادي النيل، نظمها أحمد شوقي الإلياذة الإسلامية لأحمد محرم ، المعلقة الإسلامية لمحمد توفيق ملحمة عبقر للشفيق معلون على بساط الريح لفوزي معلون ، إلياذة الجزائر لمفدي زكريا تناول فيها تاريخ الجزائر بذكر أمجادها قبل الفتح الإسلامي لإلى اليوم و على الرغم عدم رواج فن الملاحم في العصر الحديث لأن عهد الملاحم بمعابيرها الفنية قد ولى إلا أن تأثير الملاحم مازال في العصر الحديث . فمن المسرحيات والقصص ما تعتبر موضوعاتها من أساطير هوميروس ، وغيره من الأقدمين لكن المؤلفين المحدثين يتصرفون في الأسطورة حتى تصير رمزية بحيث لا يبقى للرمز سوى أن قالب إيحائي عام .و قد لخص أحد النقاد هذا التأثير بقوله : أن الرواية الحديثة هي ملحمة العصر الحديث .

أنموذج من الشعر الملحمي الإسلامي قديمًا



حين جاء الإسلام ذلك الحدث التاريخي الهام الذي هو وحي السماء إلى الأرض، حين جاء ظهَر على صعيده أمة ليس لها مثيل في تاريخ الأمم؛ لأنها الأمة الوسط في كل شيء، وكان لزامًا أن يُغيِّر الإنسان في مسار فِكرها وأدبها فيُخرجه مِن طلاسم الوثنية والجاهلية إلى صحة المبدأ وسلامة المصير إخراجَه لها مِن ظلام الجهل والكفر إلى نور العلم والإيمان، فحلَّ مكان البطولات والمعلقات والمسمطات والمجمهرات والحوليات قصائد إسلامية عصماء في الذبِّ عن العقيدة والمُنافحَة عن عِرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسبُنا في ذلك بقصائد كعب بن مالك وكعب بن زهير وشِعر حسان بن ثابت ذلك الشاعر الذي قصر شِعره على الإسلام ورسول الإسلام، ومِن شِعره قصيدته التي يَعدُّها دارسو الأدب من قبيل الشعر الملحمي الذي صنَّفه النقاد في عداد المُذهَّبات، والقصيدة من شِعره في الجاهلية غير أنها تَحمل في كثير مِن أبياتها قيم أخلاقية طبَعها بطابع الإسلام، مِن هذه القصيدة المطوَّلة قول حسان - رضي الله عنه -:

لساني وسَيفي صارمان كِلاهما
ويَبلُغ ما لا يَبلغ السيفُ مِذوَدي
فلا المال يُنسيني الحيا وحفيظتي
ولا وقَعات الدهر يَفلُلنَ مِبرَدي
أكثِّر أهلي مِن عيالٍ سِواهم
وأطوي على الماء القَراح المُبرَّد
• • •
وإني لمُزجٍ للمَطيِّ على الوجا
وإني لترَّاكٌ لما لم أُعوَّد
وإني لقوَّال لدى البيت مرحبًا
وأهلاً إذا ما ريع مِن كلِّ مرصد
وإني ليَدعوني الندى فأُجيبه
وأَضرب بَيضَ العارِض المتوقِّد


ويفاخِر حسان - رضي الله عنه - بشجاعة قومه وبطولتهم، فيُخاطِب الشاعر قيسًا بنَ الخُطَيم قائلاً:

فلا تعجَلنْ يا قيسُ واربع فإنما
قُصاراك أن تَلقى بكل مُهنَّد
حسامٍ وأرماحٍ بأيدي أعزَّة
متى ترهم يا بن الخطيم تبلَّدِ
أُسودٌ لدى الأشبال تَحمي عرينها
مداعيسُ بالخطِّي في كلِّ مَشهَدِ


إلى قوله:

فغنِّ لدى الأبيات حورًا كواعبًا
وحجر مآقيك الحسان بإثمَدِ


ومن المطوَّلات ذات المعاني الإسلامية قصيدة النابغة الجعدي تلك التي صنَّفها دارسو الأدب في عداد الملاحم المُسماة "بالمشوبات"، ومنها:

خليليَّ عُوجا ساعة وتهجَّرا
ولُوما على ما أحدث الدهر أو ذَرا
ولا تَجزعا إنَّ الحياة قَصيرة
فخِفَّا لرَوعاتِ الحَوادث أو قِرا
وإن جاء أمر لا تُطيقان دفعَه
فلا تَجزعا مما قضى الله واصبِرا
ألم ترَيا أنَّ الملامة نفعُها
قليل إذا ما الشيء ولَّى وأدبَرا
تَهيج لذي البخلِ الندامة بعد أن
تغيَّر شيء بعدما كان قُدِّرا
أتيتُ رسول الله إذ قام بالهدى
ويَتلو كتابًا كالمَجرَّة نيِّرا
خليليَّ قد لاقَيتُ ما لم تُلاقيا
وسيَّرتُ في الأحياء ما لم تُسيِّرا
وما زلتُ أسعى بين بابٍ ودارَة
بنجران حتى خِفتُ أن أتنصَّرا