عرض مشاركة واحدة
قديم 11-26-2011, 09:20 PM
المشاركة 20
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
نادى مصطفى صاحب الدكان القريبة من ساحة الإجتماعات.
- يا محمد.. هات مشروبا للسيد.
- حاضر.. من عيني.
علّق أحد الحاضرين:
- لا حاجة لنا بعينيك, هاتها من الدكان.
وغرق الجمع في ضحك مشوّش يفضح هشاشة صدورهم وتخوّخها من فعل السجائر الرخيصة.
تنحنح القادري, ذلك العجوز الهرم الذي عاصر الحربين, وفقد رجله اليمنى في حرب – الهند الصينية -. اعتمد على مرفقه وزحف إلى الحلقة دون أن يقف. وخاطب الناجي المعدم دوما, والمختصّ في طبخ الشاي.
- هــه.. ألم ينضج شايك بعد؟
فردّ عليه وهو يضرب يده على فخذه بعد أن أحرقه غطاء الإبريق لمّا رفعه.
- حاضر, حاضر..لحظة..اصبر.
صبّ رشفة في كأس وتذوّق, تلمّظ وهزّ رأسه علامة الإيجاب, وكأنه يقول " نعم استوى".
قدم لي كأسا أخذته شاكرا, وكدت أرجعه لولا خجلي لشدة سواده ومرارته. ولكي أداري تقزّزي وضعته بين قدميّ وسحبت علبة السجائر, أخذت منها واحدة ومكّنت بعض الحاضرين من عدة سجائر, وأعطيت الباقي للحسين فطبعت عليه بسمة طفولية, فاغتنمت الفرصة ودفعت له بالكأس عن طيب خاطر, وبرجاء صادق أن يخلّصني من تبعات شربه. فعلّق مصطفى مازحا وهو يحكّ مؤخّرة رأسه.
- ابن المدينة لا يقدر علينا.
عقّب الناجي:
- لو كان يعرف منافع تلك الكأس لما فرّط فيها.
فاستغلّ القادري الفرصة ليعرّي عن بذاءة لسانه ...
ثم انفجر ضحكا حتى غابت عيناه بين التجاعيد الكثيرة التي تملأ وجهه. وسَرَت عدوى الضحك بين الجميع, فاهتزّت هياكل بقايا بشر في تلك الثياب الرثّة البالية, وتعرّت الأسنان الصفراء المائلة إلى الزرقة.
فجأة صمت الجميع, سكنهم بعض خوف – ربما- أو اشمئزاز, ورفعوا رؤوسهم إلى الذي انبثق فجأة من خلف أشجار الصبّار الكثيرة...