عرض مشاركة واحدة
قديم 11-26-2011, 09:15 PM
المشاركة 19
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
- أويمكن لإنسان أن يأتي بهذا؟
- إنه ليس إنسانا عاديا, إنه وليّ صالح.
ثم وبلهجة أقرب إلى التهجّد:
- ولتعلم يا ولدي أن الأولياء أحباب الله, الذين سبل عليهم رحمته وآتاهم بركاته.
وطفق يتحدث عن " صاحب الجمل" بإطناب حتى يخرج الزبد من فمه وينتشر رذاذا يبلّل القريبين منه.
ولما أحسّ بسخريتي منه, وعدم تصديقي له, اضطرب وأجفل واستنجد بالمحيطين به. وحرك يديه عاليا وفي كل اتجاه.
ولأول مرة منذ وصلت تأملت الحسين بكل دقة. كان مائلا إلى السمنة قليلا, اشتعل رأسه شيبا, ونبت فوق فمه شنب أبيض تتخلّله بعض صفرة. أما عينيه فضيقتين وحادتين, تنمّان عن بقية نار تتوقد, إما لذكاء أو لدهاء.
لم يعجبني كلامه. كذّبت ادعاءاته, فامتقع لونه, صار كغريق لوّحت به العاصفة في عرض اليمّ. التفت في جميع الإتجاهات, مسح الماء النازل من أنفه بكمّه, رمقني بنظرة كلها كره ولوم وعتاب.
أنقذني العمدة منه, انتشلني من تيار رميت نفسي فيه.
- ما هذا يا الحسين؟ إنه ضيفنا, لا يجوز أن تدخله في شؤون هو بعيد عنها.
ردّ وقد تقوقع في جبته, واتّكأ على جذع الشجرة:
- سرقنا الوقت يا سيد مصطفى. على كل حال صار الآن منا وأبناؤنا أبناؤه, وهو معلمنا مادام معلّم صغارنا.
وتغيّر الحديث, وشارك الجميع في الكلام, كل يدلو بدلوه ويريد أن يعبر بطريقته على طيبة أهل زهرين وعفويتهم واحتضانهم للضيف بكل ما لديهم من حب ورحابة.