عرض مشاركة واحدة
قديم 11-26-2011, 02:43 PM
المشاركة 15
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
هذا الرجل الذي وضع حياته داخل أسوار من الغموض, وهالة من الأسرار. ورفعه الناس إلى مرتبة الشياطين. وجعلوه أحجية ومضرب أمثالهم, ويهددون به صغارهم حين ينوون الخروج مغربا, أو يرفضون النوم.
قطع فتحي منوّر شريط الذكريات الذي يمرّ في رأسه مشوّشا, مرتجفا. لتبقى صورة النوري تطلّ عليه من بعيد. يتقدّم, يتقدم, يملأ طيفه رأسه الصغير, فيخيّل إليه أنه يتفرّس وجهه, يغرس بصره في بصره, يهدده, يتوعّده, يلومه.
أحسّ بنار تلتهم جسده المنهك فدسّ رأسه تحت الحنفية, رغم الشتاء الذي يغتصب زهرين في الخارج, ثم رفعه وترك الماء يسيل على عينيه, أذنيه, وجنتيه. وكل جزء فيه يمكن أن يصله الماء.
صب لنفسه فنجان قهوة , ثم زفر وتمتم.
- لن أعيش بعذابك كثيرا يا النوري. سأرمي بكل أحزان الدنيا إلى البالوعة.
مسكين أنت يا فتحي. سيجرفك هذا الذي تفكر فيه إلى القاع. لِمَ غصت في الوحل؟ توهّمت أن خيوط الشمس حبالا فتسلّقتها لتسقط وتتحطّم.. يوم قدمت زهرين لم تكن تعرف شيئا عنها, لا تعرف أحدا. لكن الدودة الراقدة فيك استيقظت, فغصت في الوحل حتى رأسك.
والنوري؟ النوري, أيها البائس. شغلت به فكرك كل هذه السنين, يدفعك خوف أهل زهرين منه لعشقه. وهروبهم منه لاكتشافه.
وتورّطت. وها أنت تبحث عن مسكّن ينسيك صورته. معجزة تبعده عن فكرك.
يكفي..هذا يكفي .
صاح فتحي دون صوت يسكت الألم النافر فيه, وضغط بعشره على رأسه.
وصمت.