عرض مشاركة واحدة
قديم 09-29-2011, 09:57 AM
المشاركة 14
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ،،،

قراءة في قصيدة " إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ..." للشاعر الاستاذ عبد اللطيف غسري:

أوِاخْتَرْ وُقوفًا عِندَ ناصِيَة اللظى = هُنالِكَ جِسْرٌ نازحٌ بكَ عَارفُ

وهنا يخير الشاعر ذاته الشاعرة بأن تكون مثل الوتر الذي يعزف عزفا جميلا فلا يَمله الليل ولا الساهرين فيه، وحتى يصبح خبرا على كل لسان لجودة ما يقول من أشعار، أو إن كان لا بد من الوقوف فليكن ذلك الوقوف (عند ناصية اللظى) أي بالقرب من الطريق المشتعل نارا (لظى)، لعل ذلك الوقوف يزيد الشاعر اشتعالا واحتراقا وتألقا، فينتقل الشاعر من حالة ذهنية إلى حالة أكثر سموا وصفاء عبر ذلك الجسر.

وكأن الشاعر في هذا البيت يقول ما قاله نيتشة الفيلسوف الوجودي والذي قال " ليكن شعارك أن تعيش في قلق دائم وان تبني بيتك فوق بركان"، وكأن نيتشه بدوره يقول "أن الألماس يصنع تحت الضغط والنار الحاميةDiamonds are made under pressure"، وكذلك الشعراء والنساك، تصنعهم الآلام والمآسي، وإن لم يصبحوا شعراء فأنهم وبفعل تلك النار المشتعلة في ثنايا قلوبهم يتحولون إلى ما يشبه الملائكة في سموهم وصفاء روحهم، وحينما يقفون عند ناصية اللظى.

أو ربما أن الشاعر هنا يقول لذاته الشاعرة إن لم تُقدمي على فعل الشعر، وإن لم تكوني لحنا جميلا لا يمله الساهرون، فربما عليك احتمال ذلك الاحتراق الداخلي الذي ينتج على اثر امتناع الشاعر من تفريغ تلك الشحنات العاطفية الملتهبة في ثنايا قلبه وذهنه والتي تتشكل على شكل قصائد.

ففي البيت إذا مزيد من الدفع باتجاه كسر حالة الجمود أو العزوف والوقوف عن ممارسة فعل اللحظة الشعرية، من خلال تهديد الشاعر لذاته بأن تفعل ما ينبغي، وان تتحرك وتمارس فعل الشعر وإلا فلتشتعل احتراقا بفعل لهيب تلك القصائد التي تتفلت لتخرج إلى حيز الوجود.

وابرز ما في البيت من عناصر جمالية هو ذلك الحوار الذي نسمعه يدور بين الشاعر وذاته الشاعرة ، و ذلك الصراع الذي نراه يحتد ويتعمق بين الفعل والسكون وبين الشاعر وذاته الشاعره، ثم اللعب على مشاعر المتلقي من خلال استخدام كلمات ملتهبة يكاد المتلقي يصطلي بنارها ( ناصية، اللظى ).

ثم هناك استثمار للتضاد من خلال الحث على الحركة والفعل من ناحية وفي نفس الوقت الدعوة هنا إلى الوقوف عند ناصية اللظى، ومن خلال استخدام كلمة (نازح) وفيها ما يشير إلى الحركة.

وكل ما في البيت يجعله جميلا، حيويا، رائعا ويزيد من حدة التأثير للقصيدة بشكل مهول. ويرسم الشاعر من خلال هذه الكلمات صورة شعرية نادرة في جمالها وتأثيرها... بل قََلَ مثيلها.

يتبع،،