لم يعرفوكَ فغضُّوا الطَّرفَ وانْصَرَفُوا
ولمْ يروكَ على هاماتِهم تقفُ

يا أيُّها البدرُ ، قلبُ الأرضِ مكتئبٌ
ووجْهُهَا مسْرحٌ تلْهُو به السُدَفُ

ينامُ غيركَ بالظَّلمَاءِ مُلْتَحِفاً
وأنتَ وحدكَ بالأنوارِ تَلْتَحِفُ

صفاءُ نوركَ أَخْفَى كلَّ مُشْرِقَةٍ
فحُقَّ للشَّمْسِ مِنْ رُؤْيَاكَ تَنْكَسِفُ

وَحُقَّ للظِّلِ.. سَهْمُ النُّورِ أَدْرَكَهُ
بأنْ يَظَلَّ بِبَطْنِ الأرْضِ يَرْتجِفُ

نظرتَ ، عادَ إلى الأقلامِ روْنَقُهَا
فأَمْطَرَتْ لُؤْلُؤاً تزهُوا بهِ الصُحُفُ

لقد تَنَزَّلْتَ في الألواحِ معجزةً
لِمَا سِواها منَ الآيَاتِ تَلْتَقِفُ

والآنَ وجْهُكَ مصلوبٌ ومنطفئٌ
يلاعبُ الريحَ في أفْيائِهِ السَّعَفُ

لم يبقَ منكَ سِوى رَجْعِ الصَّدَى , نُتَفٌ
قد صانَها لؤلؤاً في جَوفِهِ الصَدفُ

ألم أقلْ لك لا تشرقْ على أحدٍ
إلا إذا كان بالإخلاصِ يَتَّصِفُ

ألم أقلْ لك لونُ الماسِ أقْنِعَةٌ
على وجوهٍ بِنَاهَا الطِّينُ والخَزَفُ

ألم أقلْ لك أن الناسَ يُطْرِبُهُمْ
غناءُ بومٍ ، على آهات من نزفُوا

قد كنت أعلمُ كمْ في الناسِ من رجلٍ
إلى سِوَى ضَوْءِكَ المائِيِّ يَنْصَرِفُ

وكمْ ذليلٍ رماهُ الدَّهرُ طَوَّحَهُ
ما عادَ في كيسِه خُبْزٌ ولا أَنَفُ

أهديتَه النورَ فانوساً ليُرشِده
فصارَ في ظلماتِ النورِ يعْتَسِفُ

يا أيها البدرُ غُضَّ الطَّرفَ عنْ ملاءٍ
لمْ يعرفوكَ... فغَضُوا الطرفَ وانصَرَفُوا