عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
5352
 
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


رشيد الميموني is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
597

+التقييم
0.12

تاريخ التسجيل
Dec 2010

الاقامة
تطوان / شمال المغرب

رقم العضوية
9563
03-09-2011, 09:25 PM
المشاركة 1
03-09-2011, 09:25 PM
المشاركة 1
افتراضي قلب في المزاد .. في انتظار الميلاد
قلب في المزاد ..
افتتح المزاد وغصت القاعة .. من يشتري هذا القلب ؟ من يزيد درهما أو دينارا أو قرشا أو لا شيء ؟ من يأخذه مجانا ؟ فهو لم يعد لي .. ولم يعد ينفعني . كان دوما متمردا ، عاصيا .. وكان دوما باكيا شاكيا .. وكان دوما ساذجا غرا ، وكانت أحلامه لا تحصى و لا تعد .. وكان ينبض بالحياة .. بالأمل .
واليوم .. آن الأوان لكي يباع في سوق النخاسة ، في قاعات العرض ، في أي مكان .. لم يعد فيه ما يسرني . صار كجلمود صخر .. صار كنذف الثلج ، كحديدة صدئة .. حتى دمه برد وتجمد ، حتى شرايينه جفت و تقلصت . لم يعد لي بعد أن عقني ، ولم يعد يهمني بعد أن استباحته الأيادي وتلاعبت به الأهواء ..
من يشتري ؟ .. بفلس .. بقطعة قماش .. لا ضير .. من يشتري ؟ قد تعجب استكانته أحدا ، وقد تثير ملامحه الكسيرة أحدا ، وقد تغري تفاصيله الخادعة أحدا .. فعادته أن يبدو ساكنا وهو هائج .. ويبدو وديعا وهو ثائر ويبدو مبتسما وهو عابس . قد تعجب تناقضاته الآخرين .. أما أنا .. فلا .. لأني أعرفه جيدا ، وما نويت بيعه إلا بعد أن طفح الكيل و بلغ السيل الزبى ..
أنا طفت به كل الأصقاع ، وكل الأقطار ملتمسا رميه ناويا وأده أو إغراقه . حاولت تمزيقه إربا إربا ، لكنه في كل مرة كان يعود لي باكيا ، شاكيا ضارعا ، خانعا ، متوسلا ، ملتمسا العفو .. عازما على التوبة ، فأرق له و أحنو عليه .. وما هي إلا لفحات عشق جديد وحب وليد ، حتى يتمرد و يعصي ناسيا توبته ..
صار يعشق السراب ، وينغمس في الحلم ويوغل في متاهاته ، لا يبالي بالألم .. فقد عزته و أنفته .. تمرد و تخلى عن كبريائه .. فكان لا بد من أن يلقى جزاءه .. لقد سعى إلى حتفه بظلفه .. وكان لا بد لي أن أتخلى عنه .. فهل من مشتري ؟ .. بل .. هل من متطوع يأخذه مجانا و بدون مقابل ؟

ميلاد قلب ..
اليوم كان الميلاد .. عند السحر كان المخاض .. ومع بزوغ الفجر جاء الطلق .. وأغمض القلب عينيه متقيا نور الصباح المتنفس عبر الربى .. قلب جديد يولد .. مستشرفا الأفق في أمل .. متمليا بالبهاء من حوله .. لم يكن يدري أنه على موعد مع النور وظل سنين متمسكا بالرحم يخشى الخروج لتلفحه نسمات الحياة .. ربما أخبرته غريزته أنه قلب سيولد لكي يعانق الحب والعشق و يتلظى بأتون الشوق و يخوض غمار كل ذلك . أو ربما تناهت إليه أصداء المزاد لقلب انتهى به المطاف إلى ما لم يكن يتوقعه .
القلب الجديد يعيش أزهى فترات عمره .. إنه الصبا في حضن حب لا يعرف النفاق و لا الخداع و لا ما يمكن أن يسببه من آلام و معاناة هو في غنى عنهما .. هكذا حدثته أولى نسائم الحياة وهي تتغلغل عبر خياشيمه و اليد الدافئة تتلقفه في حنان .. يرنو إلى العينين الحانيتين فيستشف منهما كل الحب .. ويستسلم للحضن الدافئ فيشعر بالأمان . وتغفو عيناه في غبطة و سرور ناسيا ما كانت تحدثه الأصداء الأولى في نفسه من فزع .
الآن هو يعلم أن الحب قدره .. لكنه حب مختلف .. حب يحمل من البهاء و الصفاء و النقاء الشيء الكثير .. حب يحضنه وينطلق به بعيدا ليرتع و يلعب ويسعد و يضحك .. ويقطف من الأزهار ما يشاء و من الورود ما يشاء ..
له أن ينطلق دون خوف و يبتسم دون تحفظ و يعانق الأغصان و يسابق الجداول و يجلس عند الغدير .. ويجري هنا وهناك عبر التلال و الوديان .. بين الربى و الآكام .
سيتعلم من الآن ألا يخنع و لا يستسلم .. فقط عليه أن يحب كما يجب أن يحب و أن يعشق كما ينبغي أن يعشق دون تكلف أو مسكنة ، ودون تردد أو مذلة ..
سيتعلم كيف يجعل من الحب رحيقا دائما .. وشهدا سائغا .. ومتعة دائمة .