عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2011, 10:09 PM
المشاركة 553
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
كاظم بن حسون بن عبد عون الشمري

شلال القوافي العالي، والمتدفق بلا توقف، حينما تمر عليه رياح الإبداع، تتحول الى نسيمٍ عذبٍ رقيقْ، يُنعشُ كل متذوقٍ، بمفرداته التي تنبع من صميم ضمير مخلصٍ مغمورٍ بالإيمانْ، شاعرٌ تميز بأسلوبٍ رضي به كل الأذواق تقريبا، كاظم المنظور، شاعر كربلاء الأول في الشعر الحسيني الذي تردد على ألسنة المحبين والموالين لمذهب آل البيت (عليهم السلام) فقد سجل مجده بأعلى الدرجات، وغمرت روائعه غور أحاسيس المتذوقين، لكنه اختلف من حيث نوعية شعره التي اعتبرت في عصره وبعده ولا تزال هي المدرسة الأولى لشعراء المنبر الحسيني ..
طبع له ديوان(المنظورات الحسينية) في 21 جزءاً، وأخرج عنه مجلدين ضخمين، كما جمعت له نماذج شعرية أخرى منتقاة من قصائده، وطبعت عام 1958 في ديوان (الأغاريد الشعبية) الذي طبعَ بعد وفاته أيضا..وقد انشد شاعرنا الكثير من قصائده ..
وفي حياته وبعد وفاته كثيراً من كتبوا عنه، وعبقريته الفذة في نظم الشعر وفنونه من رجال دين وأدباء وكتاب وخطباء، وشعراء الفصحى والعامية، ونشرت في الصحافة وكذلك في دواوين الشعراء الذين تأثروا بشعر كاظم، ومنهم: الشاعر الكبير سماحة الشيخ عبد الحسين الحويزي وسماحة العلامة المجتهد الشيخ محمد الخطيب والخطيب الكربلائي الشيخ محسن أبو الحب والدكتور العلامة علي محفوظ والخطيب السيد كاظم النقيب وآية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي والخطيب الشيخ هادي الكربلائي العلامة السيد حسين الفالي والكاتب الأستاذ سعيد زميزم والشاعر والكاتب عبود جودي الحلي والشاعر والكاتب محمد زمان الكربلائي والكاتب والإعلامي الأستاذ علي الفتال والكاتب والمؤرخ سلمان هادي آل طعمه ومن المجلات والكتب والصحف التي نشرت عنه الكاتب حسن الفتال (كتاب الدر المنثور في شعر المنظور) واحمد طعان السلامي مجلة الكوثر والكاتب كاظم السيد علي جريدة الفرات ومجلة المنار الكربلائية ومجلة الفجر، وكربلاء المقدسة ومجلة النبأ الكربلائية.
واجرى موقع نون بعض اللقاءات التي تتناولت محطات من حياة الشاعر المنظور، وابتدأنا بنجله الحاج الملا حسين المنظور ليحدثنا عن والده بشكل مفصل..
حدثنا عن ولادة المنظور ومتى بدا يهتم بالشعر؟؟
هو كاظم بن حسون بن عبد عون الشمري، ولد في كربلاء عام 1891 ميلادي، الموافق 1309هـ في محلة باب النجف (خلف تكية العباسية حاليا).
وعاش في ظل والده،

ولما بلغ من العمر 7 سنوات مات والده، وتبنى تربيته ورعايته أخوه الأكبر وخالهُ.
وفي ريعان شبابه أخذ يتردد على المجالس الحسينية، لاسيما في شهر محرم وصفر، وكان يحفظ الشعر ويتطلع في القصائد التي تلقى من قبل الرواديد في ذلك الزمان، وكانت تقتصر على مصيبة ومأساة أهل البيت (عليهم السلام) واستنهاض الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) .
وبانت عليه ملكة الحفظ وهو لا يقرأ ولا يكتب في الوقت الذي لا يوجد فيه مدارس، وأغلب الناس كانوا أميين، وعدد قليل من المشايخ و(الكتاتيب) يعلمون الناس على قراءة القرآن وحفظه، بدءًًا بجزء عمَ وتعلم الشعر على يد أحد هؤلاء المشايخ قراءة جزء عمَ وإكمال قراءة باقي الأجزاء القرآن وكان يحضر في شهر رمضان مجالس تفسير القرآن في الصحن الحسيني الشريف، للعلامة المفسر (السيد حسن الاستربادي الذي كان مختص في تفسير القرآن، وعقد جلسات تحفيظه وتفسير أيام شهر رمضان في الصحن الحسيني الشريف..
وأخذ يقرأ باقي الأجزاء حتى أكمل قراءة القرآن وهو في سن الخامسة والعشرين، دون أن يتقن الكتابة، وكان يستعين بمن حوله للكتابة.
هل أكسبته قراءة القرآن آلية نظم الشعر؟
نعم أكسبته قراءة القرآن في سنه المبكر موهبة فريدة في نظم الشعر بصورة مميزة عن أقرانه في ذلك الوقت، حيث كان الشعر في ذلك الوقت يدور على واقعة الطف ومأساتها، إلا أن المنظور أستطاع أن يأتي بنمط شعري جديد ثوري نابع من صميم العقيدة الإسلامية، والآيات القرآن والأحاديث النبوية وأقوال الأئمة (عليهم السلام) وأستطاع أن يُدخل مفردات جديدة في شعره تمثلت في الشمس والقمر والكواكب، وعن عالم الأرواح والقبر والبرزخ والحساب والشفاعة، مما لم يكن متعارف عليه في وقته عند الشعراء الشعبيين المعاصرين له كالحاج عبود أبو حبال والسيد حسين العلوي والحاج قندي والشيخ عبد الله المعلم والشيخ محمد السراج (أبو خمرة) والشيخ عبد الكريم أبو محفوظ.
لماذا سمي بالمنظور؟
كان في بداية نشأته الشعرية، وبروزه كشاعر تقرأ قصائده على المنابر، وكان معروفاً بأسم "كاظم حسون"، والبعض يناديه بأسم "كاظم الجايجي" لمهنته، وهذا ما ولدَ خلط بينه وبين الكثيرين الذين يحلمون نفس الأسماء ونفس الصفات، مما أضطر شيخ الرادويد في ذلك الوقت الشيخ "حسين فروخي" إلى وضع لقب يميز شاعرنا الكبير به، وفي ذات يوم وفي أثناء صلاته في صحن الإمام الحسين (عليه السلام) بجانب المذبح الشريف، بعد انتهاءه من الصلاة، حيث كان يفكر بضرورة أيجاد لقب للوالد، وهنا سمع صوت يقول: سميناه كاظم المنظور، فأنتبه الشيخ الفروخي إلى مصدر هذا الصوت ولم يجد أحد بجانبه، ومعناه أن الإمام الحسين (عليه السلام) أختار هذا اللقب لشاعرنا، لُيعني أنه منظور من قِبل أهل البيت (عليهم السلام).
بعد ذلك انتقلنا الى الملا وشاعر آل البيت (عليهم السلام) الحاج محمد الرادود ليتحدث عن مهنية وامتياز شاعرنا الكربلائي مستشهدا ذلك من معاصرته إياه ببعض الأحداث والمواقف التي صادفت المنظور في حياته..
مع من تعامل المنظور من الشعراء والرواديد ومن تتلمذ عليه؟
المنظور شاعر كبير قرأ له رواديد كثيرين كالملا المرحوم الشيخ جاسم الگلگاوي، وملا حمزة السماج، وملا حمزة الصغير، والشهيد الملا حسين التريري، وكذلك قرأ من المخضرمين كالرادود محمد حمزة الكربلائي، والحاج باسم الكربلائي، وملا جليل الكربلائي، والملا سيد حسن الكربلائي وغيرهم الكثير..
ومن أجمل قصائده وأشهرها جابر يجابر، الميمون، شوف أمك أبيا حاله، يبن أمي عالتربان والكثير من القصائد التي كتبها في كل أنواع وأصناف بحور الشعر.
فقد عاصر المنظور قسم كبير من الشعراء الكبار أمثال الشاعر والمبدع المرحوم عبود غفلة وهادي القصاب وعبد الأمير الفتلاوي، وكاظم ألبنا والحاج كاظم السلامي والشاعر الرادود عبد الأمير الترجمان وغيرهم آخرين، أما من تتلمذ على المنظور شعراءٌ كبار أمثال الشاعر والرادود مهدي الأموي والشاعر سعيد الهر والشاعر سليم البياتي وغيرهم آخرين ..
المنظور خالط الناس وأحبوه قبل أن يقول الشعر، فهل الظروف هي من جعلت منه ذاك المحبوب أم أخلاقه وشمائله هي التي عَرفت عن شخصيته؟
نقلا عن «قيد الأوابد» إحدى مجموعات الأستاذ حسين علي محفوظ أنه كاظم بن حسون بن عبد عون، ينتسب إلى شمّر، مات أبوه وعمره نحو سبع سنين، وأستمر بالحياة في كربلاء حيث سكن المنظور كربلاء وأنتقل بين محلاتها الشعبية فمن محلة باب النجف انتقل الى محلة باب الخان وسكن قرب حمام العلقمي، ثم أنتقل الى منطقة باب طويريج المسماة بالمگلع، وأستقر بعدها في محلة العباسية الشرقية سنة 1958 قرب مديرية الجنسية حاليا..
عمل في (الجندرمة) خلال الشهور الأخيرة من الحكم العثماني، وكان أحد حراس بوابة كربلاء الشمالية (الطريق من وإلى بغداد) في ثورة العشري1920 ومارس المنظور العديد من المهن، كمهنة النادل (القهوجي)، وكذلك مهنة تصنيع الجص (جصاص) ومن ثم بيع التمور، وبعدها مهنة بيع الأغنام، وكان طيلة ممارسته هذه المهن مولعاً بكتابة الشعر الحسيني.
كيف بدا بكتابة الشعر ومع من بدا ولماذا تميز دون سواه بخصوصية الفرادة بالشعر الحسيني؟
نشاء المنظور وترعرع في كربلاء المقدسة وشرب الأدب الحسيني من أساتذته الذين سبقوه، وابتدأ يقول الشعر وهو يكاد يصافح العشرين، ووضع الهياكل الهندسية والزخارف للقصيدة الحسينية شعرا ولحنا حيث طورها بالشكل الذي نسمعه اليوم رغم وجود كبار الشعراء في تلك المرحلة، وأذاب التقليد بشمس حداثته، فقد تنبه بفطنة بالغة الى حالة رسمها بإتقان، وسعى لإيجاد ضوابط تبرز الحيوية في الروح الإيمانية داخل القصيدة، وتميز المنظور بخَلقِه للصور الفنية ودمج الحضارة بقصائده، فقد أدخل الكاميرا والشاشة والكهرباء وبعض المفردات الغريبة شعراً، وصورها بأبهى الصور..
سرعان ما عرف شاعرنا بخليفة رائد الابوذية الشاعر حسين الكربلائي المتوفى عام 1909 حيث كان دون سن الثامنة عشر، ومن الملفت للنظر، إن المنظور كان أميا لا يجيد القراءة والكتابة، وكان يعتمد على بعض الأصدقاء لإعانته على كتابة قصائده، ومما قيل، أنه لم يلتحق بأية مدرسة، ولم يتدرج بالقراءة والكتابة بل باشر على الفور تعلم القراءة والكتابة وعمره خمس وعشرون سنة إذ قرأ (جزء عمّ ) على احد المعلمين في غضون شهر، وأتيح له في شيخوخته، أن يطور خطه ليدون بعض قصائده، التي لم تكن في الحقيقة سوى مسودات، لا يحسنُ قراءتها، إلا محمد زياد النوري المشتهر بكاتب الوحي، إذ كان يلازم المنظور كالظل ليلتقط ما تجود به شفاه الشاعر من مستهلات ومقاطع شعرية خلال زحام المواكب الحسينية..
وحتى سن الثلاثين تقريبا لم يكن يعرف شاعرنا بالمنظور بل كان معروفا بكاظم الچايچي أو ساقي الشاي المشهور بقدرته على حمل أربعة عشر كوبا بين أصابع كفه الواحدة.
ولعل مهنته تلك أتاحت له معايشة كل شرائح المجتمع وأن يلفت أنظارهم إليه وهو يمارس نظم الشعر خلال تنقله بين المقاهي التي كانت تتنافس على حيازته كنادل يستجيب لظروف العمل المتواصل ليل نهار خلال المناسبات التي يؤم بها زوار الحسين مدينة كربلاء من كل المدن على مدار السنة..
ومما قيل إن المنظور لم يأخذ شيئا ممن سبقوه أو عاصروه جميعا بينما أخذ الجميع كل شيء منه خلال تبلور المنظورات الحسينية.
يقول الحاج أحمد دلاوي من معاصرين الشاعر المنظور: إن شعراء المنبر الحسيني لهم دور بارز وكبير تتفاعل معه الأنام، وتترجمه الشعائر والمجالس الحسينية، وكاظم المنظور الشاعر الحسيني الذي نذر عمره لخدمة الحسين (عليه السلام) ووظف قلمه في عرض واقعة الطف ومصائب آل البيت (عليهم السلام)، وأتقن الشعر الذي شغل الساحة الحسينية لأكثر من ستين عاما، ولكل مبدع في الوجود محطات وأحداث عديدة، والمنظور من الشعراء الذين برزوا في الساحة الحسينية بشكل ملحوظ، وتميز بين أقرانه من الشعراء بهذه الفرادة الكبيرة كشاعر في الأصل أمي لكنه أبدع في نظم الشعر الذي لا زال يذيعه الرواديد على المنابر الحسينية؟
فضلا عن ذلك فالمنظور شاعرٌ بارعٌ وكبير، وقد اتفق أهل صناعة الشعر العامي على انه أميرهم بدون منازع يولونه فائق احترامهم، ويعتمدون عليه، ويستندون إليه في الحكومة والفصل بينهم، وهم يعتزون بشعره الذي سار مسير الشمس، وهبّ هبوب الرياح..