عرض مشاركة واحدة
قديم 12-29-2010, 09:16 PM
المشاركة 5
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
وكان هناك كتاب " لمصر لا لعبد الناصر " وهو الكتاب الذى أفلح فى رد الإتهامات عن عبد الناصر ..
لكنه لم يكفل له البراءة !
لأن هيكل نجح بقدرته الفذة فى استغلال غباء المهاجمين الذين تناولوا سيرة عبد الناصر باتهامات فى الذمة المالية مثلا وهو أبعد ما يكون عن هذا الجانب وغير ذلك من اتهامات ركز عليها هيكل لوضوح افترائها لكنه تفادى التعرض للاتهامات الأصلية بدفاعات من عينة " وأين كان السادات وقتها ألم يكن شريكا فى الحكم ؟! "
وهى عبارة تفلح أمام مناصري السادات لكنها لا تصمد أمام الحق المجرد عندما نسأل بوضوح ـ كما سأل أستاذنا توفيق الحكيم ـ هل حدثت تلك الوقائع أم لم تحدث ؟!
ثالثا ..
كان الفريق المهاجم للعهد الناصري ـ خاصة فريق السادات ـ بادى الغرض فى الهجوم حيث أن هجومهم هذا ليس لوجه الله والوطن إضافة إلى وضوح خضوعه لتوجيه السادات والذى حشد كل ذى قلم حتى فى مجال الرياضة لنقد سلبيات عبد الناصر " منها كتاب لعبد الرحمن فهمى الناقد الرياضي تناول أثر السلطة الناصرية سلبيا على كرة القدم " وهو أمر طبيعى فضراوة الهجوم على عبد الناصر كان من المستحيل قبولها على أنها نتاج لفتح عهد الحرية كما تردد , فذلك القول لا يمكن انطباقه على نظام حكم كان ولا زال يمسك بقبضته مقاليد الأمور , كما كان هذا الإتجاه غافلا عن حقائق كفلت للناصريين حسن الرد وذلك عند تناولهم سيرة الرئيس الراحل بكثير من الافتراءات طالبين فى ذلك أقصي قدر من التشويه بغض النظر عن الحقائق
وهم هنا أشبه بالجيش المسلح بأحدث الأسلحة لكنه كان مفتقدا لحسن التدريب عليها كما كان فاقدا للقيادة الواعية .. فنقد العهد الناصري سلبا كان سيتحقق بمنتهى اليسر لهم لو أنهم ركزوا على ما هو معلوم وقائم من أخطاء .. كما أن السادات للأمانة .. لم يحسن تقدير خصومه كما أنه لم يحسن اختيار رجاله ..

وكان يجدر به ــ وهو السياسي الداهية ــ أن يدرك مدى الفارق الضخم بين محمد حسنين هيكل مثلا وبين موسي صبري .. وهيكل وحده بكل ما له من قدرات خرافية مضافا إليها أن يده كانت فى عمق لعبة السلطة أدرى من غيره بمراحل بما خفي من حقائق استخدمها أحسن استخدام لرد الصاع صاعين لفريق السادات بل والسادات نفسه عندما تناوله هيكل فى كتابه خريف الغضب وشرحه تشريحا ..
كما استعان السادات بمن لا يصلح لنقد عبد الناصر لظروف خاصة به ..
مثل مصطفي أمين والذى ارتكب غلطة عمره عندما شرع فى نشر مذكراته عن فترة السجن التى امتدت من منتصف الستينات إلى عام 1974 م .. وهى المذكرات التى اشتهرت باسم " سنة أولى سجن .. حتى سنة خامسة سجن " وحوت من انتقاد عبد الناصر وهيكل نفسه الشيئ الكثير ..
فصبر هيكل كثيرا حتى كان عام 1985 م خرج برده الصاعق على مصطفي أمين فى كتابه الشهير " بين الصحافة والسياسة " وهو الكتاب الذى فضح قصة مصطفي أمين مع تجربة السجن بسبب التجسس لصالح الولايات المتحدة وحوكم بسببه فى القضية رقم 1 مخابرات عامة ـ 1965 م وهو الأمر الذى أنكره مصطفي أمين على طول الخط وكان من الممكن أن يفلح إنكاره هذا لو لم يستعدى عليه هيكل .. لأن مذكرات مصطفي أمين التى نفت الاتهام وصورته أحد ضحايا النظام كانت ستؤدى ـ مع مناخ العداء الشديد للناصرية ـ إلى طمس الحقائق ..
فجاء هيكل بكتابه الوثيقة " ين الصحافة والسياسة " فاضحا الملفات الخافية بالأحداث والوقائع والأسماء الصريحة على غير العادة فى تلك الكتابات التى يلجأ الكتاب فيها إلى التعمية هربا من الملاحقة القضائية .. إلا أن هيكل روى التفاصيل بوثائق دقيقة كعادته وبأدلة دامغة وكافية .. بل انه صرح فى مقدمة الكتاب أنه تعمد الإسراع برواية القصة حتى ينشرها وأبطالها جميعا على قيد الحياة ويملكون حق الرد إن شاءوا ..
وانتظر هيكل أن يلجأ مصطفي أمين إلى القضاء واستعد لهذا الأمر جيدا ولذلك احتفظ بعدد من الوثائق بحوزته تمهيدا لإظهارها فى المحكمة دليلا على أقواله .. إلا أن مصطفي أمين لم يلجأ للقضاء وفضل السكوت تماما خاصة وأن الإفراج عنه أيام السادات كان إفراجا بتسوية سياسية ومن ضمن دفعة من نزلاء السجون من جواسيس إسرائيل والولايات المتحدة !! وهو الأمر الذى تعمده السادات بغرض السيطرة على مصطفي أمين فيما بعد إذا خطر له التمرد عليه بعد ذلك !

ولكن كيف كانت الهزيمة الساحقة من نصيب المثقفين والثقافة على خلفية تلك الحرب المستعرة ..
أظن أن الصورة وضحت بما مضي من تحليل وظهر أن المثل العليا من قمم المفكرين سقطت من عيون المستقبلين من الأجيال الجديدة نظرا لما رأوه من تبادل اتهامات بلغت حد الخيانة والعمالة إضافة إلى انشغال أهل الفكر بتلك المعركة مهملين فى طريقهم ممارسة مهمتهم الأساسية فى تربية الرأى العام وتبصيره بوقائع تاريخه .. وخرج التاريخ بالغ التشوه نتيجة لأغراض القائمين على كتابته ..
فتلك الفترة من منتصف الخمسينيات إلى منتصف السبعينيات بالتحديد سال فيها مداد يكفي عشرة عهود وكل ما كتب كان متناطحا ومتصارعا بالرغم من تعرضه لفترة واحدة " حوالى أربعين كتابا بين الدفاع والهجوم عن عبد الناصر فضلا على عشرات المقالات والأبحاث "
فضلا على أن تلك الحرب العنيفة لم تكن تهدف من ورائها إلى شيئ من الحق ..
فمن دافع عن العبد الناصر لم يصبر لكى يواجه مسئوليته فى دفاعه هذا والذى تسبب فى تلوين وتجميل الحقائق بأصباغ خادعة أعطت انطباعا مؤكدا عن زيف العهد كله ومن ثم تركت الأجيال الجديدة العهد برجاله وخرج المثقفون بلا مرجعية وبلا انتماء ..
ومن ناصر السادات لم يجعل الحق عند منتهى بصره بقدر ما ركز بصره على توازنات ومكاسب وأهواء وتصفية خصومات ..
وسبب التأثير الشامل لتلك المعركة على الثقافة والمثقفين برغم أنها كانت صراعا سياسيا فى المقام الأول .. أن الأساتذة الذين خاضوا تلك التجارب واختلفت آرائهم حولها كانوا أعمدة الفكر والثقافة فى جميع ألوانها سياسيا وأدبيا واجتماعيا ..
وبانهيار الأخلاق الفادح عقب النكسة .. وازدياد الانهيار عقب الانفتاح الاقتصادي فى السبعينيات خرجت أجيال المثقفين كافرة بكل ما سبقها ومن سبقها وتقلب شباب المثقفين بين متجنسين بالطابع الغربي وبين مؤمنين بأنفسهم رافضين لما قبلهم ..
فظهرت الإتجاهات الشاذة فى الأدب والفكر والفنون تارة تحت مسمى الحداثة وتارة تحت مسمى اللامعقولية وما إلى ذلك من خطوط موضة ثقافية إذا جاز التعبير تتغير وتتبدل بتعاقب الفصول !!

وازدادت غربة الثقافة عن المثقفين لا سيما وأن كل جاد فى هذا المجال آثر الابتعاد عن الساحة المليئة بالغث دون الثمين مع انهيار المستوى واضمحلاله إلى درجة لا تنبئ بأى خير وأصبحت أغلب الأعمال التى ترى الإهتمام بين شيئين كلاهما من فلسفة المخالف لأجل الشهرة باعتداء على المقدسات أو بالتناول الجنسي الفاضح ليتكرر الجدل والمراء عن التناقض المدعى به بين القواعد والحرية فى الأعمال الفكرية ..
وزادت الصورة فى قتامتها بفعل تدخل السلطة التقليدى فى الإتجاه الثقافي لتضمن للثقافة دورا محددا لا تتجاوزه درءً للصداع المتوقع منهم إذا تم دعم الثقافة بالشكل الذى يكفل ظهور مواهبها بمظهر المؤدى لدور أساسي فى المجتمع !!
فأين يا ترى السبيل الحقيقي للثقافة والمثقفين فى تلك الأيام المشوهة الألوان .. وهل هناك أمل نتمسك به ليعود للثقافة بعضا من رونقها القديم والارتفاع بالمسيرة الوطنية إلى أفق طال انتظارها ؟!
دعونا نحاول