عرض مشاركة واحدة
قديم 12-29-2010, 09:15 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
معركة السبعينيات وآثارها على المثقفين

مع إطلالة السبعينيات وبالتحديد مع انفراد السادات بالحكم عقب انتصاره الشهير فى معركة مراكز القوى فى 15 مايو من عام 1971 م ..
دخلت أزمة المثقفين بعدا جديدا ..
ولأنه ومع بداية عهد الثورة صار المثقفون أداة للسلطة بدلا من أن يكونوا مرجعية .. فقد تفجرت معركة عنيفة بين فريقين رئيسيين نتجا من الاتجاهات الأربع السالف ذكرها ..
فقد انطلق الاتجاه الأول المعادى للتجربة الناصرية وتلاميذهم و الذى كان منطويا فى عهدها إلى رفع سقف النقد والتناول للعهد الناصري ودمغه بطابع السواد وذلك بعد أن تشكل نفس الاتجاه إلى فرعين ..
الفرع المناصر للسادات على طول الخط مثل موسي صبري وأنيس منصور ومصطفي أمين والفرع الثانى وكان فرع التيار الإسلامى الذى تنوعت علاقته بالسادات بين مد وجذر وإن كان عداؤه للعهد الناصري ظل قائما طيلة تصادمات معركة المثقفين ثم عادى كلا التيارين بعد ذلك
ويلاحظ فى هذا الإتجاه أنه كان ينتقد ويُسفه الاتجاه الناصري ويناصر فى ذات الوقت الرئيس أنور السادات بأسلوب عقد المفاضلة بينهما , والذى اتسعت هوته كثيرا بخروج السادات من حرب أكتوبر منتصرا ومؤسسا لشرعية جديدة مانعة
والإتجاه الثانى كان اتجاه المدافعة عن تجربة عبد الناصر وبمنتهى القوة والعنف لمواجهة التيار الأول وكان يستند هذا الاتجاه على ركيزة شعبية عبد الناصر فى العالم العربي وبين قطاعات عديدة بالشعب المصري وتزعم هذا التيار محمد حسنين هيكل والذى طاله من نار الإساءة الكثير نظرا لعداوات سابقة وتوازنات حالية بينه وبين نظام السادات وباعتبار هيكل الرجل الثانى بلا منازع فى تجربة عبد الناصر

وقد انضم إلى الإتجاه الأول نوعية المثقفين الذين فقدوا وعيهم حسب شهادتهم فى عصر عبد الناصر واستعادوها مع أيام السادات , غير أن عداء هذا التيار لم يكن مناصرا لتجربة أمام تجربة بل كان مركزا فى تفنيد تجربة عبد الناصر تفنيدا موضوعيا بغض النظر عن الفائدة التى جناها السادات والمدافعون عنه ..
وفيما بعد تسبب الناصريون ــ بعنف تناولهم فى الردود على هذا الإتجاه المحايد نوعا ما ــ إلى زيادة حدته وعداوته كنتيجة طبيعية للإتهامات الشنيعة التى طالتهم وكان أولهم توفيق الحكيم الذى كان نقده لعبد الناصر فى عودة الوعى نقدا رهيبا فى وقعه وأسلوبه لكونه جاء من كاتب بحجم الحكيم معروفة قيمته إضافة إلى أنه لا يمثل أحد ضحايا عبد الناصر ولم ينله من عهده شيئ ولهذا خسر المدافعون عن عبد الناصر معركتهم مع الحكيم كما خسروها مع د. فؤاد زكريا لنفس الأسباب

أما اليسار فقد انقسم على نفسه فبعضهم انضم إلى مهاجمة التيار الناصري تبعا لرؤية الدكتور فؤاد زكريا عن الأثر السلبي الذى عاناه اليسار من تجربة الناصرية ومنهم من انضم إلى فريق الدفاع نظرا لأن عصر عبد الناصر وإن كان محتويا على اضطهاد للتيار اليسارى إلا أنه كان اشتراكيا على أية حال وهو ما لم يتوافر بعصر السادات الذى اتخذ السبيل المضاد لليسار بكل قوة ..
فمناصرة اليسار لعبد الناصر هنا لم تنبع عن اقتناع بقدر ما كانت تعبيرا عن مخالفة للتيارات السياسية المناوئة
وهكذا تفجر الصراع بين التيارين على مدى سنوات السادات وما بعدها بقليل من عام 1971 م وحتى عام 1985 م وهو العام الذى شهد ضربة هيكل القاضية لمصطفي أمين عندما طرح كتابه " بين الصحافة والسياسة " وكان هذا الكتاب هو آخر طلقة فى الحرب الذى تباينت نتيجة معاركها بين التيارين نصرا وهزيمة
أما الهزيمة الساحقة فقد كانت من نصيب الثقافة والمثقفين بأكملهم على نحو ما سنرى

فبالنظر إلى تلك المعركة المؤسفة بكل المقاييس سنكتشف التالي من النتائج
أولا ..
كانت المعركة بين فريقين من جيل الأساتذة بمعاونة تلاميذهم من الجيل التالى لهم والذى يُعد آخر جيل ارتبط بمن قبله فى الأفكار فنقطة الفصل هنا حدثت كنتيجة مباشرة للمعركة التى اشتعلت بين الكبار من الجانبين باتهامات فادحة هدمت المثل العليا لدى جميع الأجيال التالية لهم وبالتالى خلت الساحة من المعلم الرشيد والتلميذ العارف لفضل أستاذه
ثانيا ..
كان هَمُ الفريق المدافع عن عبد الناصر هو الرقي بصورته فوق أى محاولة للنقد مهما كانت بساطتها .. وجاء الدفاع فى بعض الأحيان أو معظمها فاقدا لكل منطق بالرغم من عظمة الأقلام التى ترد وتكتب .. ومنها رد هيكل فى مقالاته المختلفة فى الجرائد العربية والعالمية وفى إصداراته المختلفة فى تلك الفترة ومنها كتابه " الطريق إلى رمضان " الذى احتوى على غير قليل من التعرض لمدى ما بذله عبد الناصر بعد النكسة من جهود لاستعادة قدرات الجيش المصري وقال فيما قاله أن السادات كان له فضل القرار للمعركة بينما الصانع الحقيقي لمعجزة أكتوبر هو الجندى المصري !!
وهى كلمة حق نعم .. لكن مرادها كان باطلا للأسف لأن تلك النظرية لم يأخذ بها الأستاذ عندما تحدث عن عبد الناصر ودوره السابق على المعركة
فقال عن عبد الناصر أنه أسس الجيش من جديد وتم وضع الخطة جرانيت 1 فى عهده وهى الخطة التى تطورت فيما بعد إلى جرانيت 2 والتى خاضت بها مصر المعركة .. وهو الخبر الذى ثبت عدم دقته فيما بعد , بشهادة الفريق الشاذلى رئيس أركان الحرب فى أكتوبر عندما قرر أنه لم يتسلم من الفريق فوزى وزير الدفاع فى أول أيام السادات أى نوع من أنواع الخطط بأى مسمى , وخطة حرب أكتوبر كاملة نفذتها القيادات التى تولت مع الفريق صادق بعد ذلك[1]
كما تعرض الكتاب لمدى عظمة جنازة عبد الناصر وأثرها على الأحداث !!
وما إلى ذلك من محاولات فرض صورة الرئيس الراحل فرضا بأكثر مما يقتضيه الواقع فى مشهد المعركة مما بدا للجميع أنه تأكيد لنظرية أن الهزيمة يتيمة والنصر له ألف أب !!


الهوامش :
[1] ـ الفريق الشاذلى ( شاهد على العصر ) ـ قناة الجزيرة