عرض مشاركة واحدة
قديم 12-29-2010, 08:51 PM
المشاركة 19
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
المعلومة التاسعة


تنتشر فى الثقافة العالمية معلومة أن الصراع النووى بدأ لأول مرة عندما أثمرت أبحاث مشروع مانهاتن بالولايات المتحدة الأمريكية عن إخراج نوعى القنابل النووية الإنشطارى والإندماجى ,
وأن أول تجربة تفجير ذرى تم استخدامها فى هيروشيما ونجازاكى فى النهاية المروعة المعروفة للحرب العالمية الثانية ..
وتنتشر أيضا نسبة الفضل فى ذلك لأبحاث أوبنهايمر وأينشتين اللذان وضع الفكرة والبحث ثم التنفيذ


التصحيح

بداية ,
بدأ البحث خلف الطاقة النووية منذ العشرينيات ولم يضطلع بذلك عالم واحد أو مجموعة معينة من العلماء بل جرت الأبحاث فى أقطار مختلفة وتضافرت الجهود فى عشرات من أنبغ علماء الفيزياء فى العالم وتمت ترجمة الجهود لأول مرة على يد العالم الألمانى ليو زيلرد أحد أوائل الفارين إلى بريطانيا عام 1934 م فرارا من اضطهاد النازية الذى دفع بالعديد من عباقرة الألمان إلى الفرار خارج ألمانيا لبلاد الغرب بأوربا أو الولايات المتحدة
وفى نفس العام برزت فكرة ليو زيلرد حول إمكانية تحرير مصدر طاقة هائل عبر شطر ذرة اليوارانيوم بجسيمات ثقيلة تسمى النيترونات وكان الهدف من الفكرة البحث عن مصدر ثالث غنى للطاقة خلاف الفحم والبترول والكهرباء
وفى نفس العام بدأ العالم الإيطالى إنريكو فيرمى تجاربه الفعلية حول الإنشطار النووى الذى كان فى ذلك الوقت لغزا معقدا لا يستوعبه إلا قلة علماء العصر فى هذا المجال
وفى ظل الظروف البالغة الإضطراب سياسيا عام 1938 م والتى واكبت خروج نوايا أدولف هتلر التوسعية واستيلائه على النمسا وأجزاء من تشيكوسلوفاكيا اتخذت الأبحاث النووية منحنى آخر لا علاقة بتوفير مصدر جديد للطاقة بل كان الهدف هذه المرة هو السلاح النووى والذى كان مجرد خيال علمى حتى هذا العام
وكما كان لعلماء ألمانيا الفضل كله تقريبا فى تحرير الطاقة النووية فلم يكن غريبا أن تكون برلين ونظام هتلر هو أول المتقدمين للبحث خلف السلاح الجديد عبر الأبحاث التى كانت تجرى برعاية هتلر فى معهد كاستر ويلهلم ببرلين ويجريها العالمان أوتو هان وفرانز ستراسمان لمعرفة التأثير الناجم عن إطلاق النيوترونات على عناصر مختلفة بما فيها اليورانيوم
وخرجت نتيجة قذف اليورانيوم غامضة بالنسبة للعالمين حيث اكتشفا اختفاء جزء من كتلة اليورانيوم بعد القذف , وقام العالم هان بإخبار عالمة زميلة له مضطهدة هى ليزا ميتنر فرت إلى الدانمارك لتعمل مع الفيزيائي الكبير نيلزبور بتلك النتيجة لتخرج العالمة بجواب صاعق وهو أن الجزء المختفي من ذرة اليورانيوم تحول إلى طاقة لتنجح أول تجربة عملية فى إطلاق العفريت من القمقم
وفى عام 1939 م
وأجواء الحرب تسيطر على القارة الأوربية قام الفيزيائي الكبير نيلزبور بمناقشة نظرية القذف النووى الإنشطارى بمؤتمر الفيزياء بالولايات المتحدة وعرض نظريته عبر فكرة تطوير التجربة السابقة عن طريق قذف عدد أكبر من ذرة واحدة حيث تصبح التجربة عبارة عن تفاعل تسلسلي متدرج لا نهائي ينتج طاقة خرافية
كان من بين الحاضرين فى المؤتمر العالمان انريكو فيرمى وليو زيلرد الذان فرا إلى الولايات المتحدة وبعدها بأسابيع أعلن العالمان أن نظرية نيلز بور قابلة للتحقق نظريا مع بقاء التنفيذ العملى رهن البحث
بعد تلك الفترة بوقت وجيز اكتشف العلماء نظيرا مشعا لليوارنيوم وهو يو 235 وهو العنصر المناسب لإنشاء مثل هذه التجربة عمليا لتصبح القنبلة الذرية منذ ذلك الوقت واقعا ينتظر التنفيذ
ونظرا لأن النجاحات المتتالية كانت معلنة فقد أصبح هناك سباق بين مختلف الهيئات على تحقيق التجربة لا سيما فى ألمانيا التى كانت قد بدأت الفكرة من الأصل ووضعت أمام عينها استخدام تلك الطاقة كسلاح فتاك
واجتاح هتلر بولندا عام 1939 م وفى وزارة حربه تمضي الجهود لتحقيق هذا السلاح بإشراف فايزر هايزنبرج العالم الألمانى الحائز على نوبل , وذلك فى غياب شبه تام للأطراف الغربية عن نوايا هتلر وتجاربه حيث كان الأمر فى الغرب مقصورا على علماء الفيزياء المتابعين فحسب
وفى الولايات المتحدة حيث يقبع معظم العلماء الألمان اللاجئين من شرور النازية اجتمعت كلمة هؤلاء العلماء على مواصلة التجارب حتى نجحوا فعلا فى تنفيذ سلسلة التفاعلات مما أثبت لهم أن حصول ألمانيا على السلاح الذرى أصبح رهنا بالوقت فحسب ,
وقام العلماء المجتمعون برياسة ألبرت أينشتين أسطورة الفيزياء الألمانى اللاجئ بمخاطبة الرئيس الأمريكى روزفلت وتنبيهه للتجارب الألمانية التى لو نجحت ستقلب موازين القوة فى العالم
ونظرا لوجود توقيع ألبرت أينشتين فى الرسالة استجاب روزفلت على الفور لتتم تشكيل لجنة نووية للبحث فى التنفيذ وفى نفس الوقت كانت بريطانيا عبر العلماء الألمان اللاجئين أيضا فى الإنضمام للسباق الذى كانت ألمانيا تتصدره حتى تلك اللحظة
وجرت التجارب فى الدول الثلاث وكل فريق يسعى لانجاز الحلول فى مشكلات تكوين أول قنبلة نووية وكان التقدم الألمانى واضحا حيث امتلكت ألمانيا مقدارا ضخما من اليوارنيوم وهو المادة الخام لانتاج النظير المشع يورانيوم 235 بعد احتلالها لتشيكوسلوفاكيا التى كانت مناجمها مليئة بهذا العنصر فضلا على المستعمرات البلجيكية التى استولت عليها ألمانيا أيضا وكانت تحتوى مقدارا أضخم من اليوارنيوم
أما المصدر الثانى وهو أكسيد الديتيريوم المعروف باسم الماء الثقيل وهو العنصر اللازم لتحويل اليوارنيوم إلى يوارنيوم 235 فقد حصلت عليه ألمانيا بعد استيلائها على النرويج وسيطرتها على مصنع الطاقة الهيدروكهربية وهو المكان الوحيد بأوربا الذى ينتج الماء الثقيل , لينفتح المجال أمام ألمانيا للحصول على القنبلة الذرية والتى اتضح أنها كانت هى مقصد هتلر الحقيقي من تهديده الغامض فى سنوات الحرب بأنه سيستخدم سلاحا سريا يضمن التفوق لألمانيا ولم يتم الإعلان عن كنه هذا السلاح إلا عند الكشف عن وثائق الحرب العالمية الثانية مؤخرا
ومع تقرير اللجنة الذرية البريطانية
أن انتاج القنبلة أصبح ممكنا لألمانيا تدخلت المخابرات البريطانية لتصنع أعظم انتصار لها فى انتصاراتها العديدة بالحرب العالمية الثانية عندما تمكن رجلها الفذ آيان فيلمنج من قيادة عملية انتحارية لتدمير مصنع الماء الثقيل بالنرويج ونجح فعلا فى ايقاف العمل بالمصنع
وتوقفت التجربة الألمانية مؤقتا إلا أن الألمان سرعان ما تمكنوا من إعادة المصنع للعمل وحاولت بريطانيا قصفه من الجو ففشلت هذه المرة , ثم اتخذ هتلر قراره بجلب كل احتياطى الماء الثقيل من النرويج لبرلين لتتدخل المخابرات البريطانية مرة أخرى وقامت بعملية ناجحة تمكنت فيها من إغراق القطار الحامل للماء الثقيل ومعه العبّارة التى كانت تقله
وتراجعت ألمانيا فى السباق ليتقدم الحلفاء عندما انضمت الولايات المتحدة للحرب فعليا بعد قصف أسطولها فى بيرل هابر ووافقت الولايات المتحدة على مشاركة بريطانيا الأبحاث النووية لتتحد جهودهما مع العلماء الألمان فى مختبر لوس ألاموس بالولايات المتحدة لتحقيق نجاح أول تجربة عملية معمليا للقنبلة النووية
وأضاف العلماء بمشروع مانهاتن نجاحا آخر عندما اكتشفوا عنصرا آخر أسهل من اليورانيوم يمكنه الإنشطار وتحقيق نفس النتيجة ليقرر الجنرال ليزلى جرافز القائد العسكري لمشروع مانهاتن تنفيذ الفكرتين الإنشطارية والإندماجية
وتمكن المشروع بقيادة أوبنهايمر من تحقيق أول تفجير ذرى فى نيوميكسيكو ليتم انتاج القنابل الذرية بنوعيها الإندماجي والإنشطارى فى الوقت الذى جاء فيه ترومان إلى البيت الأبيض خلفا لأيزنهاور
وتمكن العسكريون الأمريكيون من إقناع ترومان بفكرة وحشية هى استخدام القنبلة النووية ضد اليابان رغم عدم الحاجة فعليا لذلك إذ أن الحرب انتهت تقريبا بدحر الجيوش الألمانية فى أوربا وفقدان اليابان لكامل أسطولها
وتحقق لهم ما أرادوا وطار سرب خاص من السلاح الجوى الأمريكى نحو هيروشيما وألقي القنبلة الإنشطارية عليها لتنمحى المدينة من الوجود فى لحظة واحدة .
ولم يشبع العسكريون الأمريكيون من التجربة الأولى حيث أرادوا تجربة القنبلة الإندماجية ووافقهم ترومان بالفعل وتم إلقاء القنبلة الإندماجية على نجازاكى وتدخل الحضارة الحالية منعطف الفناء بعد دخول الإتحاد السوفياتى للعبة النووية بعدها بأربعة أعوام فقط عبر عملية روزنبرغ وتبعته بقية الدول الأعضاء فى النادى الأول
ثم جاءت التسعينات حاملة معها رياح التغيير فى سر السلاح النووى حيث أصبحت الإمكانيات والقدرة متاحة لكل أحد وتنتظر فقط القرار السياسي لتصبح أمرا واقعا ببساطة لم تكن متوافرة من قبل


مصادر المعلومة

* سباق التسلح { القنبلة النووية } ـ فيلم وثائقي من إنتاج قناة الجزيرة
* الحرب العالمية الثانية ـ د. محمود صالح منسي
* أسلحة الدمار الشامل ـ د. محمد زكى عويس
* حرب الجواسيس { الجزء الرابع } ـ د. نبيل فاروق