عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
3874
 
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي


رقية صالح is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,577

+التقييم
0.50

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8808
12-04-2010, 03:14 PM
المشاركة 1
12-04-2010, 03:14 PM
المشاركة 1
افتراضي نسمـة مـن الشمـال:
شمالاً كما يميل القلب .... تميل إلى جانب الطريق
تسبقني بسيّارتها الأنيقة.. تجلس بهدوء ولا تنظر إلى شيء محدد.. تلامس المقود بأطراف أصابعها وتحركها على هوى فيروز.. أحاول مجاراتها في ما تسمع، حيث أنّ الإذاعات جميعها تتحد على أغنيات فيروز كل صباح.. لكنني أبحث عن صوت يطابق صوت الأغنية الصادرة من سيارتها، وذلك الكوبليه الذي يمدني بالحيوية كلما سمعته..
(سلملي عليه سلّم.. إلّو إني بسلّم عليه)..

تقدمت بمحاذاتها ورفعت الصوت.. التفتت إليّ وندت منها ابتسامة عفوية، أصابتني برعشة جميلة مع نسمة هواء هبت من ناحيتها.. التقطت الهاتف وهزّت رأسها بالنفي.. عبّرت عن مشاعر حزن أراه غيّر كثيراً من ملامحها.. رمت الهاتف جانباً وضربت على المقود بعنف.. لمّت شعرها المنسدل على وجهها وظلت مُمسكة به أعلى رأسها.. تجمّد الشارع من خلفها وضجّت الأبواق.. أطلقت شعرها وتنهّدت.. استغربت لما أصابها.. أراهن على أنّها غير مبالية بما أحدثته من ازدحام.. أسكتّت الأغنية وغيّرت الموجة فوراً.. يخرج صوت عنيف لايتلاءم مع نداوة الصباح، ينقطع الصوت مع ضعف الإرسال وتداخل الموجات.

تجدّد الاشتباكات بين الجيش اللبناني ومنظمة (فتح الإسلام) في الشمال.. لا أحد يلحظ بكاءها.. تئن في صمت.. تفتح النافذة.. تهبّ نسمات باردة من الشمال، تداعب خصلات من شعرها.. جمود غريب يكتنفها وهي في حالة من اللاّوعي.. تنظر إلى المرآة. ترفع حاجبها وتنشف ما سال من الكحل قبل أن يصل إلى خدّها.. تحاول تضميد جروح أحسبها لم تبرأ بعد.. تسرع.. تتأوّه، تتجاوز جميع السيّارات وتتفاداها.. تسبق الجميع وتختفي..

بضعة أيام مضت.. والشارع يشكو غيابها.. افتقدت روعة الزحام وهي بجانبي.. بقيت وحيداً أستمتع إلى شدو فيروز وهي تغني عن لبنان هذه المرة.. (بحبك يا لبنان يا وطني)..

مساءً وعلى غير العادة رأيتها تضع وشاحاً بعلم لبنان وتعلّق صليباً وسبحة على مرآتها الأمامية.. رأتني وابتسمت، كانت تدندن بأغنية وتمسك بالمقود كما عهدي بها.. وشعرها الحرّ يتماوج على غير تنسيق.. كان وجهها هادئاً رغم الماكياج وأنفها مدبب كأنف فيروز.. توقفت بجانبها نرتُ إليها طويلاً.. فتحت النافذة وقالت: بكره أوّل يوم في الأسبوع يا ويلنا من الزحمة.. لا أدري لماذا كلّمتني أنا بالذات.. قد تكون اعتادت على رؤيتي..

صحوت في اليوم التالي على يد تهزّني.. كم كنت أمقت هذه اليد لكنني الآن أشعر بالامتنان لها.. قبل أن ينتهي الزحام.. أرتشف الشاي وأخرج على عجل.. حسن أنني أضيط وقتها قبل أن تخوض الفوضى في الزحام.. كعادتها، حذرة تريد الدخول إلى الشارع.. تتأمل وجهها بالمرآة.. تضع أحمر الشفاه وتطابق شفتيها بالألوان.. تحركت جميع السيارات.. غادرت وتركتني مع زحمة الماكينات من حولي..

لاأدري إن كانت طبيعية هذه المرة، أم أنها تهرب من أخبار ستحزنها.. وجهها كان بلا ملامح.. سارحة، تتجاوز كل مألوف وترحل.. تتركني أنتظرها وحيداً رغم السيارات المكتظة.. الشارع من حولي ضجيج لا أسمعه.. لا أسمع سوى الصوت المنبعث من سيارتها لا أرى أحداً سواها.. أتّحد روحيّاً مع أنغام أغنية لفيروز أسمعها لأول مرّة..
(يا ناطرين التلج ما عاد بدكن ترجعوا صرّخ عليهم بالشتي بلكي بيسمعوا)..
كيف ستسمعني؟ لقد غادرت بأميال.. ألمحها وكأنها تجلس بجواري.. تثبت الحزام على صدرها وتعدّل من جلستها.. تبحث بين الإذاعات عن أغنية تفتقدها.. أسألها متى تستقرين.. لا تجيبني.. تستمرّ في البحث.. هي لا تدري متى تستقرّ.. يمرّ الوقت.. أغيّر الموجة، يستمرّ القصف على محيم نهر البارد..

أمنيات تردّدت في خاطري، بعد أن هبّت النسمات عبر نافذتي.. أتمنى عودتها بأسرع وقت كما كانت.. تشحن ذهني أمنيات كثيرة.. أوّلها.. انكسار.. للحاجز المتدلي أمامي.


مُحسن سليمان: مجموعته الأولى (خلف الستائر المعلقة) عام 2004 والتي حازت المركز الثالث من جائزة الشارقة للإبداع العربي. وتمّ إصدارها عن وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع.

(المصدر: كتاب في جريدة – عدد 148 – 1 كانون الأول 2010).


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)