الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-29-2010, 11:28 AM
المشاركة 23
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي قصة النكسة ( لماذا كانت هزيمة يونيو .. لازمة )
لكن من المستحيل أن يكون هذا كله في سبيل الله , والعقيدة نفسها مختلة ,
ووالله لو أن الناصريين يحبون عبد الناصر حقا ,
لرجموا هيكل بالحجارة على ما فعله بعبد الناصر ,
فليت أنه اكتفي بأن يضيع عبد الناصر في الدنيا بل ضيعه في الآخرة أيضا لو كان صادقا في الرواية التي يرويها عن عبد الناصر في كتابه ( الطريق إلى رمضان ) ,
أورد هيكل الحوار الآتى بينه وبين عبد الناصر قبيل وفاة هذا الأخير بأيام ! [1] :
( وسكت عبد الناصر قليلا ثم سألنى سؤالا غريبا عدت إليه فيما بعد : هل أنت مؤمن
فقلت : أجل بالقطع أنا مؤمن
فسأل قائلا : إذن قل لى ماذا بعد الموت ؟!
فقلت : ذلك سؤال بالغ الصعوبة { !! علامة التعجب من عندى .. والتقيل ورا }
وقلت : أعتقد أن الجنة والنار هما هنا فوق الأرض .. وربما كان القصد من ذكرهما هو الرمز للخير والشر وفى إمكاننا نحن بأنفسنا أن نجعل من حياتنا جنة أو نارا .. بعد الموت ربما كانت النهاية
فقال عبد الناصر : أتعنى أن يفعل خيرا في الأرض لا يدخل الجنة
قلت : لا أدرى { !!! أيضا علامات التعجب من عندى } وإنما أظن أن الجنة والنار رموز
قال : ذلك يعنى أننا بالموت ننتهى .. وهذا كل شيئ
قلت : هذا كل شيئ { شفتوا الحلاوة يا جدعان !! }
فقال : هذا ليس مطمئنا ..
وبعد هذا الحديث بثلاثة أيام كان عبد الناصر قد انتقل إلى رحاب الله )
{ انتهى كلام هيكل بحروفه }

هل رأيتم الكارثة !
لو مات عبد الناصر وهو مقتنع بما أدخله هيكل في عقله بأيامه الأخيرة فسيكون مع فرعون رأسا برأس !
أى أن هيكل لم يكتف بأن هو الذى اخترع لعبد الناصر دين الناصرية وروجه له , وصاغ له كتابه الميثاق وغيره , بل تعدى الأمر حدا أن أفسد على الرجل معتقده الذى نشأ عليه !
ولست أدرى حقيقة ما هى الحكمة أن يلعب هيكل بعقيدة عبد الناصر على هذا النحو , وما الذى كان يضير هيكل ـ ما دام منكرا للبعث والحساب ـ أن يظل عبد الناصر على عقيدته لأنها ـ حتى بمنطق هيكل ـ إن لم تنفعه فلن تضره !
وما كان هيكل يعتقده ـ نأمل أن يكون قد تراجع ـ هو الإلحاد بعينه , والإلحاد أمر لازم وضرورى لكل أصحاب المنهج الإشتراكى الذى يستلهم الشيوعية ويتعالى على الدين ويحاول إبعاده عن الحياة بوسائل مختلفة ,

ومن الغريب أن هيكل غضب جدا من السادات عندما أعلن السادات في خطابه يوم 14 سبتمبر 1981 م , أن هيكل رجل ملحد وأنه لا يؤمن بالأديان , وأنه كان يفطر في رمضان علنا ويسخر من الشعائر الدينية !
وعلق هيكل في ( خريف الغضب ) قائلا أن هذه التهمة ألقاها السادات جزافا دون أن يدلل عليها بدليل واحد , ونسي هيكل أنه حتى الإفتراء لابد أن يكون أصل من الواقع حتى يكون قابلا للتصديق ,
ولو لم يكن السادات قد رأى شيئا عليك يشي بذلك لما خطرت بباله فكرة اتهامك بالإلحاد من الأصل ,
هذا فضلا على أن كتاب ( الطريق إلى رمضان ) تم نشره عام 1975 م , وفيه بالطبع هذا الحوار الأخير !
ولو أن العلمانيين والإشتراكيين في عالمنا العربي لا يذكرون عقيدتهم صراحة خوفا من استهجان الناس , إلا أن عقيدتهم الحقيقية تتسرب رغما عنهم من حيث لا يدركون ,
فهذه هى العقيدة التي حكمت هيكل في فترة تنظيره للناصرية , ولهذا نقول أن الناصريين كانوا ـ ولا زالوا ـ ينظرون للإشتراكية والناصرية على أنها دين آخر .. عقيدة أخرى بكل ما في الكلمة من معنى ,
وها قد أفصح عنها هيكل صراحة , بعد أن تلمسناها من خلال استخدامهم لمفردات الدين في وصف علاقتهم بعبد الناصر وبالإشتراكية ,
وما كان هيكل يعتقده هو نفس حال الإشتراكيين ورموز العهد الناصري ,
فلم يكن الأمر مقتصرا على هيكل وحده ,
فلو عدنا لمذكرات حسن الزيات سنجد أن يدمغ معتقدات الإشتراكية والناصرية وشخص عبد الناصر بألفاظ الإعتقاد والإيمان وغيرها , ويعبر عن فترة السادات بفترة الردة !
ولو أننا عدنا لمذكرات مراد غالب وزير الخارجية وسفير مصر الأسبق بموسكو لمدة أربعة عشر عاما , ومهندس العلاقات مع الإتحاد السوفياتى وأحد رموز الناصريين ,
لو عدنا لمذكراته سنجد ما هو أصرح من ذلك , والكارثة أنهم يذكرون هذا الأمر بشكل شبه صريح يشعر المرء معه وكأنهم أخرجوها دون تعمد ,
يتحدث مراد غالب في مذكراته عن المذاهب الجديدة وعن الإشتراكية والشيوعية التي أعجبته أفكارها , لكنه يورد عليها نقدا وحيدا , فتعالوا نتأمل كنه هذا النقد الذى فشلت فيه الإشتراكية في رأى مراد غالب
( كانت هناك فرضية مهمة لم يستطع عقلي أن يسلم بها , وهى أصل الكون المادى فالمادية تفترض وجود المادة ثم تطورها ولكنى كنت أسأل نفسي دائما هذا السؤال :
ومن أوجد هذه الكميات الهائلة التي تكون منها هذا الكون اللامحدود ؟!!
إن المادية تفترض وجودها وتبنى نظريتها عليها ولا تبحث في منشأ وجودها أصلا فهى بالنسبة لى لم تحل قضية الخلق )
ثم يتابع ..
( وحتى الآن فالعلماء يتحدثون عن الإنفجار الكبير الذى حدث لكتلة هائلة من الطاقة أوجدت الكواكب والنجوم وأعتقد أنهم وصلوا إلى أصل الكون ولكنهم لم يفصحوا لنا ..
من الذى أوجد هذه الكتلة الهائلة من المادة .. وأين كانت موجودة وهى نفس المشكلة التي قابلتنى في الحديث عن الماركسية الجدلية والتاريخية )
ثم يورد مراد غالب نقاط القوة والتميز في نظرية الماركسية فيقول :
( ولكنى أعترف بأن كثيرا من أدبيات الماركسية شدتنى إليها خصوصا أنها تعتمد على العلم والإقتصاد ونظريات التطور وكلها عناصر يلمسها الإنسان وليست غيبيات يؤمن بها أو لا يؤمن )
خيبك الله يا دكتور مراد !
تتساءل وأنت الآن في الثمانين من العمر من الذى أوجد الكون ومادته الأولية !
ولا زلت تعجب بنظرية التطور التي سقطت من المعاهد العلمية منذ نصف قرن واعتبرها العلماء سببا في تأخر علم الأحياء لمائة عام !

لكن كما قلنا ..
هذه نتيجة طبيعية للإشتراكية وأخواتها , ولا ينبغي لنا أن تثير دهشتنا ,
فلولا هذا المنطق الإلحادى لما اعتنى القوميون بأنفسهم ورفعة أنفسهم وذواتهم وتحقيق المجد الشخصي حتى لو كان على حساب الأمة العربية بأكملها .. والتى يدعون أنهم قاموا من أجلها !!
لأن منطق الإلحاد لا يري إلا الدنيا , وبالتالى يصبح من قبيل الحماقة أن يسلك الإنسان مسلك الصدق مع النفس ومع الغير وأن يمارس الإخلاص والتجرد والتضحية ,
فهذه المشاعر كلها جزاؤها معقود بالآخرة وحدها , وهؤلاء لا يؤمنون بالبعث أصلا , فليس من حقنا إذا أن نلوم عليهم ما فعلوه بالأمة طيلة ثمانية عشر عاما قاحلة !
لم يكتفوا فقط بصناعة الزيف والتضليل , بل أصروا عليه حتى آخر لحظة من أعمارهم , بل لا زال هيكل لليوم يمارس نفس المنطق الإعلامى الذى أورد فيه الناس مورد التهلكة عندما جعلهم بكتاباته يعيشون الوهم ويجترون الأحلام بعد أن فشل واقعهم المرير في تحقيق أى إنجاز موعود ,
وقد صرح هيكل ـ في معرض حديثه على قناة الجزيرة أثناء شرحه لحرب الإستنزاف ـ أن حرب الإستنزاف هى حرب حقيقية وإنجاز غير مسبوق ولكنها ـ على حد كلامه بحروفه ـ ذات أبطال لم يغنى لهم أحد ولم يتذكرهم أحد !!
ياللمصيبة .. أغانى تانى !!
أو بعد ثمانية عشر عاما من الأغانى والتسبيح بحمد الإنجازات الوهمية , تتحسر على أن الفعل الإيجابي الوحيد الذى تم في عهد عبد الناصر لم يغنى له أحد !
وتفتخر وتعتز لدرجة الإنتفاخ بعمليات المقاومة في الإستنزاف الذى كلفتنا مقابلا ضخما وتحملناه صابرين , وتريد أن تبيع هذا الإنجاز على أنه معادل لانجاز أكتوبر لمجرد أن عبد الناصر كان على قيد الحياة حينها !
من الطبيعى جدا ألا يغنى أحد لحرب الإستنزاف ,
لأنها أقل القليل الذى كان لزاما علينا فعله في مواجهة هزيمة ساحقة أكلت الأخضر واليابس وفضحت الجيش المصري في العالمين , فضلا على أن خسائرنا فيها فاقت خسائر إسرائيل في العدة والخسائر البشرية أيضا
فإذا تغنينا ـ بعد هزيمة يونيو ـ بإغراق مدمرة أو غواصة لجلبنا لأنفسنا سخرية العالم أجمع على هذا الشعب الأحمق الذى فنى جيشه في هزيمة مروعة ثم يطنطن في الإعلام لعمليات محدودة تكفي بالكاد لإعادة الثقة بالنفس !

ومن الطبيعى جدا أن تذوب حرب الإستنزاف عن الذاكرة بعد الإنجاز الرهيب في حرب أكتوبر والذي كان ـ بشهادة الإسرائيليين ـ صورة معكوسة من هزيمة يونيو , ونجح المصريون في عبور الهزيمة قبل أن يعبروا قناة السويس
وبفضل صيحة الله أكبر والإيمان الذى استرده المقاتلون حققوا المعجزات في بدر الصغري وبهروا العالم كله وصارت معاركهم كتبا يتدارسها أباطرة الحرب في العالم
والذين حققوا إنجاز أكتوبر , هم نفس الشباب الذين حققوا إنجاز حرب الإستنزاف ,
وعليه من الطبيعى أن نركز في تذكر حرب أكتوبر ونشيد بها ونغنى لها ونهمل ما قبلها , إذ أن الفاعل واحد في الحالتين ,
ولا يوجد عاقل يقول أن التغنى بتفوق طالب في الإعدادية بمجموع 50 في المائة أفضل من التغنى لهذا الطالب بتفوق أعظم في الثانوية بمجموع مائة في المائة !

لكن السر ينكشف في تغنى هيكل ومطالبته بأن يهتم الناس بحرب الإستنزاف , سببه ـ كما قلنا ـ العقدة النفسية المروعة التي يعيشها الناصريون بسبب حرب أكتوبر ,
فقائدهم ـ الذى غنوا له كل هذه الأغانى ـ لم يحشد جيشه للهجوم إلا على اليمن والسعودية والسودان , ولم يطلق طلقة واحدة تجاه إسرائيل بمبادرة هجومية منه ,
بل كان دائما أبدا مدافعا في مواجهتها ,
والكارثة أنه فشل حتى في الدفاع وبفضيحة مروعة , فانسحب الجيش تحت قيادته في حربين متتاليتين
والجيش المصري ـ تحت قيادة عبد الناصر ـ هو الجيش الوحيد في العالم الذى انسحب من نفس الجبهة في سيناء مرتين , وليته كان انسحابا مشرفا , بل كان هروبا وبأوامر رسمية , فالإنسحاب فن تكتيكى مستقل , أما ما حدث في سيناء في المرتين فهو هروب حيث صدر الأمر بانسحاب كل رجل على مسئوليته!
وفى المرتين ترك سلاحه ـ دون قتال ـ غنيمة سهلة لليهود ,
وكان أيضا هو الجيش الوحيد الذى تم تدمير سلاحه الجوى مرتين من نفس العدو وبنفس الطريقة وعلى الأرض دون أن يقاتل الطيارون أو يمنحوهم الفرصة لذلك وبأوامر من عبد الناصر أيضا كما سنرى ..
وهو الجيش الوحيد الذى تم تدمير سلاحه الجوى في معركة عسكرية ثم ظل نفس قائد السلاح ـ الفريق صدقي محمود ـ في نفس موقعه حتى تم تدمير السلاح مرة أخرى وتحت قيادته في حرب 67 ,
فمن الطبيعى جدا أن تنهش قلوبهم الغيرة من وقوع حرب أكتوبر في عهد خصمهم السادات , بينما مات زعيمهم بدون أى انتصار حقيقي في حياته , وهم يؤمنون بذلك رغم محاولاتهم المستميتة في اختراع الإنتصارات له !
وهيكل يعتبر معركة 56 نصرا كاملا تاما لم يسبق في التاريخ الحديث !!
وكأن مصر وجيشها انتصروا بمفردهم على الدول الثلاث , وكأن القوتين الأعظم لم تتدخلا وتنقذا مصر من براثن العدوان تحقيقا لمصالحهما ؟!
ولست أدرى أى إنتصار هذا الذى يفخر به هيكل وقد جاءه بعلم أمريكى سوفياتى !

لكن هذا الزيف ينكشف عندما نطالب هيكل بشهادة واحد من السياسيين الغربيين ـ نظرا لإعجابه بالغرب ـ يقول أننا انتصرنا على هذه الدول أو على الأقل يقول أن نصر 56 أكمل انتصار في التاريخ الحديث !
بينما يشهد مئات المحللين والدارسين الغربيين أن انتصار أكتوبر كان ـ ولا يزال ـ معجزة منفردة غيرت بعض مفاهيم الحرب العالمية الثانية نفسها !
وقام بها الجيش المصري وحده , في مواجهة أعتى الدول الإستعمارية ,

ولست أدرى ما الذى يبتغيه هيكل من كل هذا بعد كل هذا العمر !
إن الملايين التي ضللتها هالات التعظيم والبيانات المزورة والعظمة الكاذبة , ذنبها في رقبة هيكل الذى صاغ عناصر هذا العهد , ودماء الآلاف من شهداء يونيو الذين ذهبوا هباء , وتركوا جثثهم للكلاب والذئاب في سيناء , واستخدمتهم إسرائيل في تجارة الأعضاء .. يقع وزرها على هيكل وإعلامه الذى خدع عقول هؤلاء الشباب ودفعهم لحتفهم ,
فأى ضمير يحتمل هذا كله ؟!
إن مثلنا الإسلامية العليا ـ التي غابت عن هيكل , علمتنا درسا بليغا ما أحوج الناس إليه الآن
فأحمد بن حنبل رضي الله عنه في محنة خلق القرآن التي اخترعها الخليفة العباسي المأمون , وأمر العلماء وأجبرهم على القول بها وقف خلالها أحمد بن حنبل رافضا الإشتراك فيها ولو قتلوه ,
وقام المأمون بسجن الإمام الجليل وعذبه وضربه بالسياط حتى تفتق لحمه وتناثر عن جسده ,
فلما أشفق عليه بعض سجانيه , قالوا له : أليس لك رخصة في إطاعة الخليفة وأنت مضطر غير باغ
فقال الإمام أحمد للسجان : العالم لا يأخذ بالتقية , ولو أخذ بها فمن يبين الحق من الباطل ,
ثم أمره الإمام أحمد أن ينظر من نافذة السجن ,
فنظر السجان فوجد آلافا مؤلفة من الجماهير تنتظر أن يطل عليهم الإمام ويفتيهم , وعندئذ قال بن حنبل :
أرأيت هؤلاء الذين ينتظرون العلم منى , أقتل نفسي خيرا لى من أضل هؤلاء كلهم ..
فهل رأى الأستاذ هيكل هذه المثل أو سمع بها يا ترى !

وليتأمل القارئ إلى أين وصلت القومية بأصحابها ,
ليدرك كل منصف عاقل كيف أن نكسة يونيو كانت لازمة حتمية الحدوث ,
ويدرك أن وقائع النكسة ويومياتها البائسة ـ التي سنشرحها ـ عبارة عن نتيجة طبيعية لا ينبغي أن تثير الإستغراب أو الدهشة ,
ما دام القائمون علي أمر المسلمين تركوا الإسلام وتشبثوا بغيره



الهوامش :
[1]ـ الطريق إلى رمضان ــ محمد حسنين هيكل ـ دار النهار للنشر والتوزيع