عرض مشاركة واحدة
قديم 10-26-2010, 09:42 AM
المشاركة 13
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
أبَنِى أبينا نَحنُ أهلُ مَنَازِلٍ............أبَدًا غُرَابُ البْيَنِ فيها يَنْعَقُ
نَبْكي على الدُنيا وما من معَْشَرٍ.......جَمَعَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَم يَتَفَرَقّوا
أين الاكاسرةُ الجَبابرَة الالىَ.....كنَزَوا الكنوز فما بَقِينَ ولا بَقُوا
مِنْ كلَّ من ضاقَ الفَضَاءُ بجَيْشه...حتى ثوَىَ فَحَوَاهُ لَحْدٌ ضََّيقُ
خُرْسٌ إذا نُودُوا كأن لمْ يَعْلَمُوا...... أنَّ الكلاَمَ لَهُمْ حَلاَلٌ مُطْلقُ
فالموْتُ آتٍ والنّْفُوسُ نَفَائسٌ....... والمُسْتَغِرُّ بما لَدَيهِ الأحمَقٌ
والمَرْءُ يَأمُلُ والحيَاةٌ شهية ......والشَّيْبُ أوْقَرُ والشبيبةٌ أنزَقُ
ولقَدْ بكيتُ عَلَى الشَّبابِ ولِمتَّى ...مُسْوَدَّةٌ ولِمَاء وَجْهِي رَوْنَقُ
حَذَرّا عَلَيْه قبلَ يومِ فِرَاقه ........حتى لَكِدْتُ بماء جَفْنى أشْرَقُ

يقول طه حسين ..هل رأيت ما في هذه الأبيات من حزن؟ ألحظت البيت الأول منها كيف يمثل اطمئنان الشاعر إلى هؤلاء الذين يتحدث إليهم لأنهم بنو أبيه ليسو عجما؟ أرأيت أنه يسجل أن القحطانية أهل منازل ينعب فيها غراب البين أبدا، فالهجرة من طبعهم ، والغربة مفروضة عليهم؟
ثم أرأيت كيف مضى الشاعر في هذه الشكوى مفلسا في سذاجة توشك أن تكون عامية بل هي أشبه بالوعظ منها بالفلسفة؟ ولكن الذي ينبغي أن نفكر فيه هو أن هذه الفلسفة الساذجة أصل لهذه الشجرة التي ستنمو وتمتد أغصانها حتى تملأ شعر المتنبي مواعظ وحكما وأمثلا.
والذي ينبغي أن نفكر فيه أيضا هو أننا نكاد نحس في هذه الأبيات بدء التفكير الفلسفي الحزين عند هذا الفتى، وأن هذا التفكير الفلسفي إنما يأتي من رجوع الفتى إلى نفسه أولا والى قومه ثانيا. فهو يرى نفسه غريبا مشردا، سيء الحال ، وهو يرى قومه بعد ذلك غرباء مشردين، قد تسلط عليهم من كان ينبغي أن يتسلطوا هم عليهم، واستأثر بالأمر دونهم من كان ينبغي ألا يكون له من الأمر شيء، والطباق كما ترى في هذه الأبيات، هو القوام الفني لشعر الشاعر لا يعدل عنه ولا يكاد يعدل به أداة فنية أخرى.

وأنظر إلى آخر هذه الأبيات، والى بكاء الشاعر على الشباب، وهو في ريعان الشباب، والى تعليل الشاعر لبكائه هذا على شباب لم يفارقه، بل لم يكد يستقبله بالخوف من مفارقته التي ليس منها بد.