عرض مشاركة واحدة
قديم 10-23-2010, 07:13 AM
المشاركة 82
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
عنوان الزاد
( صفاء القلب )
إن هذا الرواية المنقولة عن الإمام الصادق ( عليهِ السلام ) تستحق أن تكتب بالنور ..
( إن القلب إذا صفا ، ضاقت به الأرض حتى يسمو ) .
أولاً :
ما معنى القلب إذا صفا ؟..
إن القلب مجمع لأمور ثلاثة :
1 - العقائد :
القلب مستقر العقيدة ، فهي لا ترى .. بخلاف الصوم والحج والصلاة ، فالإنسان في الحج يضع ثوبي الإحرام على بدنه ، ويطوف ويسعى ويصلي .. إذن ، أعمال الأبدان واضحة ، أما أعمال القلوب فهي غير واضحة .. فالذي يكون كافرا ثم يصير مؤمنا بالله - عز وجل - عندما يدخل الإيمان قلبه الباطني ؛ عندئذ يصلي ويصوم .. هذا الإيمان أين دخل ، في أي زاوية من وجوده ، نحن لا نعلم أين ذلك القلب ؟!..
2 - المشاعر :
أي الحب والبغض ، والفرح والحزن ، وغير ذلك من المشاعر ، هذه مكانها القلب ..
فالذي يحب ، يحب بقلبه ، والإنسان بإمكانه أن يتظاهر بالحب ، وقلبه لا يحب ..
والذي يبغض ، يبغض بقلبه .. وكذلك يفرح ويحزن بقلبه .
3 - الخيالات والأوهام :
لا هي عقائد ؛ لأنها أوهام وخيالات تمر على الذهن مرورا ، ولا هو حب وبغض ..
الإنسان قبل النوم تهجم عليه الأفكار ، لذلك البعض يتناول الحبوب المنومةر، لأنه لا يتحمل شوارد الخواطر المزعجة .
إذن القلب فيه :
عقائد ، ومشاعر ، وأوهام وخيالات ..
إذا صفا ؛ أي صفا من الشوائب في هذه المجالات الثلاث .
العقائد :
العقيدة عقيدة حقة ، ولا نعني بالعقيدة الحقة إلا الإيمان بالله عز وجل ..
ومن عدله بعث الأنبياء ( عليهم السلام )، والنبي إذا ذهب عن الأمة ، لا بد له من وصي .. فموسى ( عليه ِ السلام ) غاب عن قومه أربعين ليلة ، فاستخلف أخاه هارون عليهم ،
{ وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } .
المشاعر :
أن لا يجعل الإنسان في قلبه حبا ، غير حب الله - عز وجل - ..
يقول الإمام الصادق ( عليه ِ السلام )
( القلب حرم الله، فلا تسكن حرم الله غير الله ) ..
قد يقول قائل :
ولكن نحن مأمورون بحب الأولاد .. إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قبل حسينا وضمه إليه ، وجعل يشمه ، وعنده رجل من الأنصار ، فقال الأنصاري :
إن لي ابنا قد بلغ ما قبلته قط !..
فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - :
( أرأيت إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك ، فما ذنبي ) ؟!..
فإذن ، كيف نجمع بين حب الأولاد ، وحب الزوجة ، وحب الله عز وجل ؟..
الجواب :
هذا يسمى بالحب الطولي ، لا بالحب العرضي ..
أي نحن نحب الأولاد ؛ لأن الله - عز وجل - أمرنا بحبهم .. والدليل على ذلك : أننا نربي الولد ، ونعطيه كل اهتمامنا ، وإذا بلغ أشده وأصبح في مرحلة النضج ، وانحرف عن طاعة الله - عز وجل - نطرده ..
نوح ( عليه َالسلام ) عندما رأى ولده يغرق ؛ تركه
{ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } ..
وبالتالي ، فإن هذا الحب حب طولي ، مادام الولد على طريق الاستقامة نحبه ..
وهذا الحب حب مقدس !..
ثانياً :
لماذا تضيق الأرض بالإنسان ؟..
إن هناك طائفتين يعيشون في ضيق ، هما :
الطائفة الأولى :
إنسان يعيش في وطنه ، ولكنه يعاني من عدة أمور ، منها : الديون الكثيرة ، والزوجة المشاكسة ، والأولاد المتمردون .. فهذا يضيق به البلد ، ولهذا إذا وجد مجالا ، فإنه يذهب إلى بلد آخر .
الطائفة الثانية :
إنسان وضعه جيد في وطنه ، ولكنه في الصيف ذهب إلى دولة أخرى ، فرأى طبيعة أجمل ، وزوجة أجمل ، ووظيفة أفضل .. أيضا هذا تضيق به الأرض ، ويتمنى ساعة الذهاب إلى تلك الدولة .
فإذن ، إن الناس في الدنيا على قسمين :
قسم تضيق بهم الأرض بما هم فيه من مشاكل .. وقسم من المؤمنين استذوق حلاوة العالم الآخر ، هذا الإنسان لماذا يتمنى الموت ؟..
وهل يتمنى البقاء على هذه الأرض؟..
إن المؤمن تضيق به الأرض ، ليس من باب المشاكل ، وليس من باب المرض النفسي ؛ بل لأنه يرى أن ما بعد الموت أفضل وأجمل !..
ثالثاً :
ما معنى سمو الروح ؟..
إن القلب إذا صفا سما ، فما هذا السمو الآخر في نهاية الرواية : ( حتى يسمو ) ؟..
السمو هنا ؛ أي أن يصل الإنسان إلى درجة القلب السليم .. والقلب السليم بالمعنى الدقيق :
هو ذلك القلب الذي يلقى الله - عز وجل - وليس فيه أحد سواه ..
فالإنسان الذي لا يرى في الوجود مؤثراً إلا هو ؛ لا بد أن تكون عيشته من أرقى صور المعيشة في الوجود !.. وكل قلب فيه شرك أو شك ؛ فهو ساقط ..
وهذا معنى لا إله إلا الله ؛ أي لا مؤثر في الوجود إلا الله عز وجل .
23
10
2010