عرض مشاركة واحدة
قديم 10-22-2010, 01:29 AM
المشاركة 43
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وفى أول أيام التطوير وقبل وصول النتائج حدثت مفاجأة غير سارة فى نطاق الجيش الثانى إذ أصيب اللواء سعد مأمون بأزمة قلبية مفاجئة نتيجة المجهود الخرافي المبذول وتولى مكانه اللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجيش الثانى ثم تولى بعده بأيام اللواء عبد المنعم خليل مما كان له أثر سلبي فى كفاءة المتابعة نظرا لخبرة اللواء سعد مأمون فى أوضاع جيشه , ولم يكن هناك بد من تغيير القيادة للحالة الحرجة التى مر بها قائد الجيش واستدعت إخلاءه إلى مستشفي القصاصين ثم إلى مستشفي المعادى العسكري بالقاهرة رغم الإلحاح والإصرار الذى قام به اللواء سعد مأمون حتى لا يتم إخلاؤه ,
وهى فدائية عظيمة ضرب بها هذا القائد مثلا فى الإخلاص والبطولة ,
ويجدر بنا هنا أن نؤكد أن ما تردد حول أسباب الأزمة التى ألمت باللواء سعد مأمون غير صحيح , حيث تناولت بعض الأخبار أنه أصيب بالأزمة نتيجة فشل التطوير وهذا غير صحيح لأن الأزمة واكبته قبل وصول أى نتيجة فعلية لعملية التطوير وهو ما أكده اللواء سعد مأمون نفسه فى رسالته بهذا الشأن للمؤرخ العسكري جمال حماد
هذا فضلا على أن الأمر لم يكن فيه صدمة لهذه الدرجة التى تؤدى لانهيار قائد الجيش ! ولو أننا تأملنا الظروف التى أحاطت بقواد الجيوش والمقاتلين لأدركنا أن احتمالية إصابة أيا منهم بهذه الأعراض أمر طبيعى وغير مستغرب فى جو قتال مستمر لأكثر من عشرة أيام بلا نوم أو راحة تقريبا !

وعودة إلى أجواء القتال ,
فنتيجة للضغط الذى مثلته القوات المصرية ازدادت المعارك ضراوة في الأيام التالية واتسعت مساحة القتال لتشمل مساحة 15 ـ 18 كيلومتر شرقا ,
وفور أن اتخذ العدو الخطوة المطلوبة بتحويل قوته الجوية إلى الجبهة المصرية صدرت أوامر القيادة العامة للقوات بعودة المفارز المتقدمة إلى رءوس الكباري والإستعداد لصد الضربة المضادة المتوقعة من العدو خلال يوم 15 أكتوبر
وشهدت تلك المعركة أعنف معارك الدبابات فى التاريخ الحديث ,
فلم يحدث أن تكاثفت فى معركة واحدة مثل هذه الأعداد الهائلة من الدبابات على الطرفين ولا حتى خلال معارك الحرب العالمية الثانية , ولا حتى فى طريقة قتالها حيث وُجدت بعض الدبابات من الطرفين فى مواجهة مع بعضهما البعض ولا يفصلهما إلا متر أو مترين !
لا سيما وأن نطاق الأرض الذى جرت عليه المعركة كان ضيقا بالنسبة لحشد الدبابات الهائل الذى زاد عن 2000 دبابة من الجانبين فى مراحل متعددة كانت لإسرائيل وحدها 1200دبابة
وانطلقت هذه الدبابات فى مفارز متعددة استهدفت رءوس الكباري خلال 15أكتوبر بغرض تصفيتها والإستيلاء عليها , ومركزا هجماته على الجانب الأيمن للجيش الثانى الميدانى , واستخدم فى هذا الهجوم المروع فيض الدبابات الأمريكية الحديثة والأسلحة الجديدة المضادة للدبابات والمجهزة لمواجهة طريقة الهجوم المصرية فى استخدام المشاة ,
وفشلت جميع محاولات العدو لتصفية رءوس الكباري لترتد جميع قواته بعد أن فشلت فى تحقيق الهدف

وقامت القوات الجوية بدور جبار في تلك العملية حيث شهدت ساحة المعارك أروع إنجازات الطيران المصري خلال فترة عملية التطوير حيث نفذت القوات الجوية 500 طلعة وأسقطت للعدو 17 طائرة خلال معارك 14 أكتوبر الذى تقرر اتخاذه عيدا للقوات الجوية فيما بعد ,

وعند تقييمنا لعملية تطوير الهجوم شرقا ينبغي أن نعرف أولا الهدف الإستراتيجى منها وهو ــ كما يقول اللواء عبد المنعم واصل [1] ـ ليس الهدف الأصلي للخطة فى الوصول للمضايق بل هو تخفيف الضغط عن القوات السورية , ولهذا وفور أن تأكد للقيادة المصرية حدوث ذلك صدرت الأوامر بالتمسك من جديد برءوس الكباري واحتواء الهجمات المضادة ,
ولا شك أن عملية التطوير حازت اعتراض القادة للأسباب الوجيهة المتقدمة إلا أن الخطأ لم يستمر طويلا وتتخذ القيادة قرار استمرار الهجوم بغرض تنفيذ الجزء الثانى من الخطة باحتلال المضايق , بعد أن تداركت نفسها وعادت القوات من جديد فى حماية حائط الصواريخ ونجحت فى صد كافة هجمات العدو وتكبيده خسائر مروعة

إلا أن التأثير السلبي الكبير الذى أحدثته عملية تطوير الهجوم شرقا فى غير وقته المناسب لم يكن فى تنفيذ العملية ذاتها بقدر ما كان فى قرار القيادة دفع الفرقة 4 المدرعة التى كانت خلف الجيش الثالث والفرقة 21 المدرعة التى كانت خلف الجيش الثانى إلى الضفة الشرقية للمشاركة فى عملية تطوير الهجوم ,
فهاتان الفرقتان كانتا هما الضمان الإستراتيجى الموجود خلف الجيشين الميدانيين لمنع أى عملية تسلل يقوم بها العدو , ووجود هاتين الفرقتين ـ بعد أن رصدهما العدو ـ كان هو السبب الرئيسي الذى منع الجيش الإسرائيلي من تنفيذ عملية الإختراق والعبور إلى الضفة الغربية من ثغرة الدفرسوار ,
ومجرد وجودهما فى حد ذاته كان شهادة تفوق للتخطيط المصري بلا جدال حيث توقع القادة بدقة أن النقطة الوحيدة الصالحة للإختراق هى منطقة الفصل بين قوات الجيش الثانى والثالث عند منطقة الدفرسوار , رغم وجود نقاط أخرى عند أطراف القناة ,
وحددت القيادة هذه النقطة كنقطة محتملة يقوم من خلالها العدو بالنفاذ إلى الضفة الغربية وتهديد مؤخرة الجيشين وعمل البلبلة المطلوبة لكى يخفف من ضغط قواتنا عليه فى الشرق فنضطر لسحبها ونتخلى عن كل مكاسب الحرب فى الشرق لكى نواجهه فى الغرب بعد أن نجح فى الإختراق ,
أى أن التخطيط الإسرائيلي كان متوقعا بالكامل لدى القيادة المصرية التى اتخذت التدابير لمنعه بوضع فرقتين مدرعتين عند نقطة المفصل كفيلتان بتدمير أى قوة للعدو تحاول العبور
وفور أن أخطأت القيادة المصرية بسحب الفرقتين ودفعهما للعبور للشرق بغرض المعاونة فى تطوير الهجوم رصدت الأقمار الصناعية هذا التغير الجوهرى ليصدر قرار رئيس الأركان الإسرائيلي بتنفيذ خطة ( الغزالة ) أو ( القلب الشجاع ) كما يسمونها أيضا والتى شارك فيها شارون وكلمان ماجن وإبراهام أدان قواد المدرعات ووضعوا عليها كافة آمالهم فى الحرب لتتحطم تلك الآمال تحطيما على صخرة الدفاع المصري فيما بعد وتفشل إلى الأبد محاولة إسرائيل بتغيير مجرى الحرب كما سنرى



الهوامش :
[1]ـ مذكرات عبد المنعم واصل ـ دار الشروق ـ