عرض مشاركة واحدة
قديم 10-18-2010, 10:56 PM
المشاركة 14
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تحية أيتها الأديبة مرة ثانية . .
لقد كنت سعيداً بإعادتك للنص كاملاً
بعد أن حذف جزء منه عن غير قصد. .

وهنا أعدت تضبيطه كاملاً
ولم أستخدم زر ( تعديل المشاركة) خوفاً من تكرار خطأ البارحة :
وبعد النص ، وضعت لك بعض الملاحظات اللغوية . .
آمل أن يعجبك كل شيء :






[ مشاعر موؤودة ]



راشد ، الإنسان الجاد الهادئ ، ذو الأخلاق الجمة


والتعامل اللطيف مع كل البشر ، بدءاً من أسرته وأصدقائه، حتى


زملائه في العمل ، فهو يعمل في المحكمة سكرتيرا لدى كبير القضاة


واليد اليمنى له ..


كان باراً بوالديه وناجحاً في كل مجالات عمله ، ما عدا حياته الأسرية

والعاطفية ، فلم يكن يحظى بشيءٍ من الاستقرار والدفء العائلي ، ومع

ذلك فهو لا يكاد يلحظ من حوله شيئاً مما يعاني، فهو كتوم على


أسراره ولم يشكِ همه لأحد قط ..



لم يعد راشد يطيق الجلوس كثيراً في مكتبه الموجود في بيته!! كثيراً ما جمع

أوراقه وملفاته وخرج بها إلى الصالة ونشرها هناك ، فبعد ترك زوجته


البيت ، وأخذها البنات والولد معهاإلى بيت أهلها بدون رجعة، أصبح



كالمشرد حتى وهو في بيته .. ولم يكن وجود مريم في البيت هو ما يشعره



بوجود كيان له ، بل هو شعور بالأمان لأجل بناته اللاتي لم يزلن في سن



المراهقة !لم يكن يجدر بمريم ترك البيت بهذه السهولة لمجرد أن راشد زل



لسانه ذات يوم بأنه لم يحبها قط،وأن الوداد وصلة الرحم هما أكثر ما



يقيم له وزناً .



زوجته هي ابنة خال أمه , وبحكم عمله في المحكمة الشرعية سكرتيراً



للقاضي الذي يتولى أمور الطلاق والخلع والحضانة،ويرى ما يؤول إليه


حال الأبناء بعد الانفصال، كل هذا يجعله أكثر تحكما بأعصابه وهدوئه !


تذكر كيف حصل ذلك وهي تسرح شعر ابنتهم،حيث قالت مريم موجهة


الكلام لابنتها : سأدعو ربي أن تحظين بزوج يحبك كما أحبني والدك !


كان راشد حينها يسمع الحديث حيث صرخ قائلا : لا.. أريد زوجها أن


يحبها فعلا ..وأن تتعلم كيف تزرع الحب والمودة . .وكيف تقدر من


يقدمها لها سواء كان زوجاً أو أولاداً.. لا أريدها أن تكون نسخة

مكررة منك !!

لم تدعي للحب نفساً ينمو فيه،أو يولد بيننا،كنت بارعة جداً في

تقويضه ومحو أثاره في بيتنا !!


وكأن مريم تبحث عن جنازة تشبع فيها لطماً،وهذا أفضل ما تجيده في

حياتها معه ! لم تكد تمضي ساعة على هذا الحوار الخاطف، حتى كان أحد

إخوتها بسيارته أمام البيت كالعادة تستدعيهم كسيارات المطافئ في كل

جدال بينها وبين راشد !...


تنفس بعمق ورمى الأوراق على الأرض،وذهب إلى المطبخ وأحضر شاياً

أعده سلفاً ..

الفراغ العاطفي والحنان الأسري هو ما يفتقده راشد حتى بوجود مريم !

لم يكن يألو جهداً،ولا يمن بوقته عليها،كثيراً ما نصحها وترجاها وحاول


إصلاحها ! لكن لا حياة لمن تنادي وترجو !


أخذ راشد يفرز أوراقه ويضعها في الملفات ..


أطال النظر في ورقة بيده . . ما هذا ؟


الجازي محمد علي !! من ؟ أمعقول؟


أهذه الجازي أمل الصبا وأحلام اليقظة فيه ؟


يبدو أنها هي الجازي من توقفت مشاعري عن النمو ، بعد تلاشي وجودها

كحقيقة في حياتي !!


قاوم راشد تنهيدة حارة،خرجت من جمرة تحت فؤاده، من سنين مضت،

كانت الجازي بمثابة الحلم المخبوء تحت جوانحه و انتظر


الفرصة للتعبير عنه حين يكون الوقت مناسبا،ولم يعلم حينها أن الفرص


لا تأتي بسهولة،إنها كالطائر في السماء،إذا لم تكن صائداً ماهراً فلن تحصل

عليها ! وهكذا طارت الجازي منه في لحظة غير محسوبة من الزمن،حين سمع والدها يخبر

أباه عن موعد زواجها من ابن صديق له.. بعد أن ألمح لأمه أنه يريدها

زوجة له،إذ لم يتبقَ له سوى سنة دراسية واحدة في معهد القضاء !

في هذه اللحظة،أحس راشد بضعفه وهشاشة قلبه،وحاول بشتى الأفكار

أن يتناسى مشاعره،التي وأدها في صباه،واستطاع كبحها،وهو يخاف

الآن أن تفضحه في كهولته،وتسيطر عليه،بعد أن ضعفت نفسه !! عجباً

أكل ما نكبر نظن أننا ننضج ونعقل،بينما الحقيقة أننا نضعف حتى أمام

أنفسنا!


كانت الوسيلة الوحيدة التي أمام راشد،كي يقاوم بها هوى النفس وأحلام


الماضي،هو أن يتصل بمريم،ويحاول استعادتها،وهذا ما فعله،ولسوء


ما حصل،أنها وإخوتها رفضوا المحاولة،وطالبوا بإتمام الطلاق !


ما أتعسك يا راشد. . فأنت لم تتزوج حمقاء واحدة. . كلا بل تزوجت عائلة كاملة

من الحمقى ! ألم تكن تحسن معاملتها،وتتحمل حماقاتها وصلفها ؟


ألم تكن دموع الرجل،العسيرة،التي تستعصي على أرق الرجال،


تنزل على خدك في ظلمة الليل ووحشة المشاعر منها ؟


ماذا دهاك يا رجل ؟


يبدو أن هاجس وجود البنات معها باستمرار يخيفك يا راشد من أن

يتصفن بصفاتها ..

كان بوده لو يهمس بآذان بناته،بأن الحب إذا لم يكن موجوداً بين الزوجين

فيمكن زراعته وتربيته !إن أسهل المشاعر زرعاً وإنماءً هو شعور المحبة

بين الناس !

..


في هذا المساء،ذهب راشد إلى بيت أم علي،أخته الكبرى،التي هي بمنزلة أمه

وصارحها


برغبته بخطبة الجازي،وأخبرها أنه قد تم طلاقها بعد أن تزوج عليها زوجها

رغبة في الإنجاب،وطلب منها أن ينفصلا، فهو لا يستطيع أن يقوم بفتح بيتين

معاً !

وبعد تحريات قامت بها الأخت،علمت أن الجازي تزوجت فور تمام العدة

لم يكن إخبار راشد بالأمر السهل على أخته،ولكنها بالطبع فعلت !

حين عاد راشد إلى البيت،رمى نفسه بكل أسى وضعف على سريره،ووضع

رأسه على وسادة كادت أن تغوص في رأسه بدل أن تحضنه !


اختلط الأمر على راشد فهو لم يعد يدري هل الوسادة فوق رأسه أم أن رأسه

فوق الوسادة ..



هذه هي حاله


حين يضع رأسه على الوساده ما تلبث تلك


أن تبدأ بنبش أعماقه،حيث يوجد..


ما طمره النسيان!


وما يخفيه الخوف!!


وما يأس الرجاء منه!


شبيهة بعربات القطار


التي أكل عليها الدهر!!


تبدو متماسكة في الظاهر!


ولكل منها حال..


تتداعى فوق رأسه..كصخور منحدرة


من قمة جبل ..


بعضها مؤلم وجارح!


منها ما يثير الغبار!


إحداها..لها دوي..يصم أذنيه!


ويهز كيانه!


يصبح رأسه..كبالون


مملوء بالهواء الساخن


يكاد ينفجر!


ينازع رأسه !


ويضعه تحت الوسادة!!


حينها..يهدأ الضجيج!


وتهدأ.. الحركة..


حين..يصحو..يعاهد نفسه..


أن يضع رأسه تحت الوسادة..


حين يبدأ..مالا يوده!


ليتم..وأده..


في..مهده!!





تعليقات لغوية :
*كلمة تحضي : خطأ فهي من فعل حض-يحض أي شجع شخصاً على فعل شيء ما ،
وأنت تقصدين بالطبع كلمة : تحظين ، من حظي – يحظى أي حصل على ، وبالطبع لا تقارب بين المعنيين .
*لم تدعي للحب نفساً . . إلخ : التعبير لغوياً سليم ، فالفعل: هو يدع للمذكر ، و هي تدع للمؤنث ، و الياء هنا هي ضمير المخاطب المؤنث ، وهي ليست ياءً أصلية ، أي ليست جزءاً من أصل الفعل ، فهي لا تحذف في فعل الأمر .
*لم يكن يألو جهداً : التعبير هنا صحيح ، فالواو في فعل يألو هي واو أصلية ( جزء أصلي من الفعل المعتل الآخر بالواو )، ولكن الفعل هنا غير مجزوم ، أما أداة الجزم لم فهي قد جزمت فعل يكون فقط فحذفت علته فأصبح يكن .
*بالنسبة لجملة : ألم تكن تحسن معاملتها وتتحمل حماقاتها وصلفها : فالقاعدة هنا هي كما يلي : يجوز حذف نون كان إذا كانت في زمن المضارع وكانت في محل جزم وليس بعدها ساكن ، أو ضمير متصل ، وبالتالي تصبح: ألم تكُ ، ولكن هذا التصرف النحوي هو تصرف جائز وليس تصرفاً واجباً ، واستخدامه يعطي رشاقة مطلوبة لفعل يكن .

تحيتي وتقديري . .
دمت وأهلك بكل خير . .


** أحمد فؤاد صوفي **