الموضوع
:
*لاجِئُونَ في بَلَدِي*
عرض مشاركة واحدة
احصائيات
الردود
0
المشاهدات
44
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
المشاركات
1,921
+
التقييم
0.31
تاريخ التسجيل
Feb 2009
الاقامة
رقم العضوية
6386
يوم أمس, 10:12 PM
المشاركة
1
يوم أمس, 10:12 PM
المشاركة
1
Tweet
*لاجِئُونَ في بَلَدِي*
*لاجِئُونَ في بَلَدِي*
جَلَسَ أَبُو حَازِمْ يَتَجَاذَبُ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ مَعَ زَوْجَتِهِ عَنِ الْحُرُوبِ وَالْمَصَائِبِ الَّتِي تُصِيبُ النَّاسَ الأبْرِيَاءَ مِنْ أَطْفَالٍ وَنِسَاءٍ وَشُيُوخ، وَكَيْفَ يَضْطَرُّ هَؤُلَاءِ أَنْ يَتْرُكُوا بُيُوتَهُمْ وَبَلَدَهُمْ سَعْياً وَرَاءَ حِمَايَةِ أرْوَاحِهُمْ من القَصْفِ المُدَمِّرِ والظُلْمِ الذِي مَا لَهُ حُدُودْ.
وَلَمْ يَتنبَّهَا بأنَّ وَلَدَهُمْ حَازِمْ الذِي يَبْلُغُ الْحَادِيَةَ عَشرَةَ مِنْ عُمُرِهِ كَانَ يَجْلِسُ وَرَاءَهُمْ، وقَدْ سَمِعَ حَدِيثَهُمْ كُلَّه، ورَأى مَعَهُمْ عَلى الْتِلْفَازِ صُوَرَاً وأَفْلَامَاً تُوجِعُ القَلْب.
وَخِلَالَ مُتَابَعَتِهِمْ نَشْرَةَ الْأَخْبَارِ الرَّئِيسِيَّةِ، اِنْتَبَهَ حَازِمْ لِظُهُورِ عَلَمِ بَلَدِهِ في التِّلْفَازْ، فِي الْمَشْهَدِ الْخَلْفِي لِلْخَبَرْ، فَصَاحَ:
*وَالِدِي هَذَا عَلَمُنَا.
*نَعَمْ، فَهَذَا الْخَبَرُ تَمَّ تَصْويرُهُ قَريباً من هُنَا، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْمُخَيَّمِ الذي أَنْشَأَتْهُ حُكُومَتُنَا لِإيوَاءِ الْلَاجِئِينْ، بَعْدَ أنِ اشْتَدَّتْ عَليهمُ الْحَرْبُ في بَلَدِهِمْ، وَاضْطَرُّوا مُجْبَرِينَ لِمُغَادَرَتِهَا، خَوْفاً على أطْفَالِهِمْ، وَحِفَاظاً على أَرْوَاحِهِمْ، وَهُوَ يَحْتَوِي عَلَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ آلافِ عِائِلَة.
*قريباً من هُنَا!، أينَ تَمَامَاً، لمْ أكنْ أعلمُ ذلكْ.
*إنَّهُ في أطْرَافِ الْمَدينة، ويَسْتَغْرِقُ الْوُصُولُ إليه بِالسَّيَارَةِ حَوَالي الثَّلاثينَ دَقِيقَة.
قام حَازِمْ لِيَتَنَاوَلَ عَشَاءَه، ثُمَّ اسْتَكْمَلَ وَاجِبَاتِهِ الْمَدْرَسِيَّة، وَتَوَجَّهَ إلى غُرْفَتِهِ لِيَنَام، وَفي تِلْكَ الْأُمْسِيَّة، كانَ الْبَرْدُ شَدِيدَاً، غَطَّى حَازِمْ نَفْسَهُ بِعِدَّةِ أَغْطِيَةٍ سَمِيكَةٍ وَضَعَهَا فَوْقَ بَعْضِهَا الْبَعْضْ، حَتَّى يَنَالَ شَيْئَاً مِنَ الدِّفْءِ، وَلَكِنَّ قِصَّةَ الْمُخَيَّمِ لَمْ تَغِبْ عَنْ بَالِهِ لَحْظَةً وَاحِدَة.
مَرَّّتْ دَقَائِقُ مَعْدُودَة، وَخَطَرَ عَلَى بَالِ حَازِمْ صُورَةُ أَطْفَالِ الْمُخَيَّمِ، وَكَيْفَ يَصْنَعُونَ في مِثْلِ هَذِهِ الْلَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ، فَانْتَفَضَ مِنْ مَكْمَنِهِ تَحْتَ الْغِطَاءِ الدَّافئ، وَبِلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ وَاقِفَاً خَارِجَ سَرِيرِهِ، وَقَدْ سَيْطَرَتْ عَلَى تَفْكِيرِهِ فِكْرَةٌ وَاحِدَة، مَا هُوَ شُعُورُ هَؤُلاءِ الْأَطْفَالِ وَأَهَالِيهِمْ في هَذَا الْجَوِّ شَدِيدِ الْبُرُودَة، كَيْفَ سَيَأْكُلُونَ وَكَيْفَ سَيَنَامُونْ.
أَسْرَعَ حَازِمْ بِدُونِ تَفْكِيرٍ إلى غُرْفَةِ وَالِدَيْه، وَأَيْقَظَهُمَا، وَإِمَارَاتُ الْهَمِّ وَالَاكْتِئَابِ بَادِيَةٌ عَلَيْه:
*أبي..! كَيْفَ يَعِيشُ هَؤُلَاءِ النَّاسِ في الْمُخَيَّمِ في هَذَا الْجَوِّ الْقَارِسْ؟ وَمَاذَا يَفْعَلُ الصِّغَارْ؟ وَكَيْفَ يُؤَمِّنُونَ الطَّعَامَ وَالْمَاءْ؟ أبي.. أُرِيدُ أَنْ أُسَاعِدَهُمْ، مَاذَا أَفْعَلْ؟!!!
*حَسَنَاً.. اِذْهَبْ إلى النَّوِم الْآنْ، وَغَدَاً بَعْدَ عَوْدَتِكَ مِنَ الْمَدْرَسَةِ وَالِانْتِهَاءُ مِنْ وَاجِبَاتِكَ، سَنَتَكَلَّمُ سَوِيَّاً في هَذَا الْمَوْضُوعْ.
عَادَ حَازِمْ إلى النَّوْمِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْتَنِعْ بِكَلَامِ وَالِدِهِ، فَمَوْضُوعُ الطَّعَامِ وِالْبَرْدِ لَا يُمْكِنُ تَأْجِيلُهُ، وَاحْتَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ كَيْفَ يَتَصَرَّفْ، وَفي الْمَدْرَسَةِ لَاحَظَ أَصْدِقَاءُ حَازِمْ بِأَنَّهُ سَاهِمٌ وَحَزِينٌ، وَتَعَابِيرُهُ تَدُلُّ عَلَى الْقَلَقْ.
* حَازِمْ ، مَاذَا بِكَ! لِمَ أَنْتَ مَشْغُولُ الْبَالْ!.
*إِنَّنِي قَلِقٌ وَمَهْمُومٌ جِدَّاً، وَلَا أَدْرِي مَاذَا أَفْعَلْ، كُنْتُ أُفَكِّرُ في مَوْضُوعٍ خَطِيرٍ طِيلَةَ الْلَّيْلْ.
*مَا هُوَ الْمَوْضُوعُ تَمَامَاً يَا حَازِمْ.. أَخْبِرْنَا فَقَدْ نَسْتَطِيعُ مُسَاعَدَتِكْ.
وَالْتَفَّ عَشَرَةٌ مِنَ الْأَصْدِقَاءِ حَوْلَ حَازِمْ ، الذِي حَكَى لَهُمُ الْقِصَّةَ بِكَامِلِهَا، وَكَيْفَ أَنَّهُمْ يَنْعَمُونَ مَعَ إِخْوَتِهِمْ وَوَالِدِيهِمْ بِالدِّفْءِ في بُيُوتَاتٍ كَبِيرَة، وَيَأْكُلُونَ أَطَايِبَ الطَّعَامِ، وَيَلْبَسُونَ أَفْضَلَ الثِّيَابِ، وَغَيْرَ بَعِيدٍ عَنْهُمْ، هُنَالِكَ أُنَاسٌ وَأَطْفَالٌ لَا يَمْتَلِكُونَ شَيْئَاً، وَلَا يَسْتَطِيعُونَ الْعَوْدَةَ إلى بَلَدِهِمُ الَّذِي فَقَدُوا فِيهِ الْأَمَانْ.
أَنْصَتَ الْأَوْلَادُ بِاهْتِمَامٍ إلى كَلَامِ حَازِمْ ، وَحَمَلُوا الْهَمَّ وَالْقَلَقَ مِثْلَهُ.
*وَلَكِنْ مَاذَا عَلَيْنَا بِرَأْيِكَ أَنْ نَفْعَلْ...!
*دَعُونَا نُفَكِّرُ الْآنَ بِشَيْءٍ مُفِيدٍ نَعْرِضُهُ عَلَى أَهَالِينَا عِنْدَ عَوْدَتِنَا إلى مَنَازِلِنَا.
وَانْبَرَى حَازِمْ بِالْقَوْلِ، لَقَدْ خَطَرَتْ بِبَالِي فِكْرَةٌ أَرَاهَا جَيِّدَة، وَأُرِيدُ رَأْيَكُمْ بِهَا، عَدَدُنَا أَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذَاً، سَتَكُونُ خَطَّتُنَا الْأُولَى لِمَسَاءِ يَوْمِنَا هَذَا، أَنْ يَطْلُبْ كُلٌّ مِنَّا مِنْ وَالِدِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ خَمْسِينَ بَطَّانِيَّة، وَسَتَتَّفِقْ أُمَّهَاتُنَا عَلَى تَأْمِينِ خَمِسْمَائَةِ شَطِيرَةِ دَجَاجْ، وَخَمِسْمَائَةِ حَاوِيَةٍ تَحْوِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا طَبَقَاً مِنَ الْحَسَاءِ، وَأَنَا سَأَطْلُبُ مِنْ وَالِدِي أَنْ يُؤَمِّنَ لَنَا سَيَّارَةً كَبِيرَةً تَتَّسِعُ لَنَا جَمِيعَاً، وَنَذْهَبُ لَيْلاً إلى الْمُخَيَّمِ، وَنُوَزِّعُ الْبَطَانِيَّاتِ وَالطَّعَامِ، وَنُشَاهِدُ على الطَّبِيعَةِ احْتِيَاجَاتِ هَؤُلَاءِ الْلَّاجِئِينَ، لِنُؤَمِّنَهَا لَهُمْ يَوْمَاً بَعْدَ يَوْمْ، مَا رَأْيُكُمْ! لَوْ كَانَ هُنَالِكَ رَأْيٌ آخَرَ فَسَنَسْتَمِعَ إِلَيْهِ كُلُّنَا.
وَافَقَ الْجَمِيعُ عَلَى مُقْتَرَحِ حَازِمْ ، وَجَرَى كُلٌّ مِنْهُمْ يَتَّصِلُ بِوَالِدِهِ وَوَالِدَتِهِ لِيَتَأَكَّدُوا مِنْ تَنْفِيذِ الْمَطْلُوبْ، وَاشْتَغَلَتِ الْعَائِلَاتُ في كُلِّ بَيْتٍ كَخَلِيَّةِ النَّحْلِ، لَا تَبَادُلَ لِلْكَلَامِ إِلَّا لِلْضُرُورَة، وَلَكِنَّ السَّعَادَةَ كَانَتْ غَامِرَة.
في بَهِيمَةِ الْلَّيْلْ، اِكْتَمَلَ الْعَمَلُ كُلُّهُ، وَكَانَتِ السَّيَارَةُ الْكَبِيرَةُ بِالِانْتِظَارْ، وَصَارَتْ تَتَنَقَّلُ مِنْ بَيْتٍ إلى بَيْتٍ، لِجَمْعِ الْبَطَّانِيَّاتِ وَالشَّطَائِرِ وَالْحَسَاءْ، وَانْطَلَقَ الْأَوْلَادُ في الْبَرْدِ الْقَارِسِ، إلى وِجْهَتِهِمْ، بِكُلِّ رَغْبَةٍ وَقَنَاعَةٍ وَحَمَاسْ، يُغَلِّفُ ذَلِكَ شُعُورٌ مُهَيْمِنٌ بِالْفَخْرْ.
وَصَلَ الْأَوْلَادُ إلى الْمُخَيَّمِ حَوَالَيْ السَّاعَةِ الْحَادِيَةِ عَشَرَةَ لَيْلاً، وَلَمْ يَسْتَنْزِفُوا وَقْتَاً أَطْوَلَ، بَلْ إِنَّهُمْ بَدَأُوا التَّوْزِيعَ مُبَاشَرَةً، وَلَمْ يَطْلُبُوا مُسَاعَدَةً مِنْ أَحَدْ، بَلْ لَقَدِ اسْتَكْمَلُوا عَمَلَهُمْ خِلَالَ سَاعَتَيْنِ لَا غَيْرْ، وَتَعَرَّفُوا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ مُتَطَلَّبَاتٍ الْلَّاجِئِينَ الضُّرُورِيَّة، وَاتَّجَهُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلى سَيَّارَتِهِمُ الْكَبِيرَة، التي أَقَلَّتْ كُلَّاً مِنْهُمْ إلى بَيْتِهْ.
كَانَ الْجَمِيعُ مُرْهَقَاً، وَلَكِنَّ بَسْمَةَ الْفَخْرِ وَالْعِزَّةِ ارْتَسَمَتْ بِقُوَّةٍ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهْ، وَصَارَتْ مُغَامَرَةُ الْبَارِحَة، حَدِيثَ جَمِيعِ الْتَلَامِيذِ في الْمَدْرَسَة.
في اليَوْمِ التَّالِي، اِجْتَمَعَ الْأَصْدِقَاءُ في الْمَدْرَسَةِ، في حَلَقَةٍ مُوَسَّعَةٍ، وَقَامُوا بِالتَّشَاوُرِ بَيْنَهُمْ وَتَقْيِيمِ مَا فَعَلُوهْ، وَكَانُوا رَاضِينَ تَمَامَ الرِّضَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَتَعَهَّدُوا أَنْ يُكْمِلُوا مَسِيرَتَهُمُ الْتِي بَدَأُوا بِهَا، وَأَلَّا يَتَوَقَّفُوا عَنْهَا أَبَدَاً، وَتَشَجَّعَ كَثِيرٌ مِنْ طُلَّابٍ آخَرِينَ لِيُشَارِكُوا الْأَصْدِقَاءَ مُبَادَرَتَهُمُ النَّبِيلَة.
اللهُمَّ كُنْ مَعَنَا، وَاجْعَلِ الْخَيْرَ طَرِيقَنَا، وَوَفِّقْنَا لِكُلِّ مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينْ.
رد مع الإقتباس