بسم الله الرحمن الرحيم
نُهَيْك بنت مُزاحِم هي واحدة من النساء التابعيات المغمورات ذكرًا في المصادر رغم حضورها في طبقات رواة الحديث والزاهدات في القرن الأول الهجري. قلّة الأخبار عنها لا تعني قلّة أثرها، بل تعكس طبيعة جيلٍ من النساء الصالحات اللواتي عشن بعيدًا عن صخب السياسة والأضواء، وارتبط ذكرهن بالعلم والورع والستر.
كانت نُهَيْك تعيش – على الأرجح – في الكوفة أو ما حولها من العراق، في بيئة عُرفت بكثرة العلماء والرواة والزهاد في عصر التابعين. وقد أدركت عددًا من الصحابة وروت عن بعضهن من أمهات المؤمنين أو الصحابيات، وهذا ما جعلها تُعدّ من التابِعات، لا من الصحابيات. ويُرجّح أنها نشأت في بيت عرف التديّن، لأن حضور المرأة في حلقات العلم والرواية لم يكن أمرًا يسيرًا في ذلك الزمان إلا لمن توفّرت لها بيئة صالحة وداعمة.
جاء ذكر نُهَيْك بنت مُزاحم في بعض كتب الطبقات وكتب التراجم الخاصة بالنساء، بوصفها امرأة صالحة، عابدة، تقيّة، وكان يغلب عليها الزهد وقلة الكلام وكثرة العبادة. ولم تُعرف بكثرة الرواية ولا بطلب الشهرة، وهو ما جعل أخبارها قليلة، لكنها ذُكرت لأنها كانت موثوقة في دينها وأخلاقها، وهي صفة جوهرية عند المحدثين إذا أُخذ عنهم العلم.
ومن الأمور اللافتة حول شخصيتها أنها تمثّل نموذج المرأة المسلمة العابدة في عصر التابعين، ذلك الجيل الذي ركّز على بناء الداخل الإيماني بعد مرحلة الفتوحات والاضطرابات السياسية. لم تكن في ميدان السياسة ولا في ساحة الجدل، وإنما كانت واحدة من أولئك الذين يحفظ بهم الله نور العبادة في زمن الفتن.
ويرى بعض الباحثين أن أمثال نُهَيْك كنّ يُدرّسن النساء في بيوتهن، سواء في الفقه البسيط أو في تفسير الآيات أو في رواية الأحاديث التي يسمعنها من زوجات الصحابة. وهذا الدور كان خفيًا لكنه عظيم الأثر في حفظ الدين داخل المجتمع النسائي في بداية الحضارة الإسلامية.
ورغم نُدرة المعلومات المباشرة عنها، فإن قيمتها التاريخية تكمن في ثلاث نقاط مهمة:
1. تمثل صورة صافية للمرأة العالمة العابدة بعيدًا عن الصراعات
2. دليل على مشاركة النساء المبكرة في نقل العلم وحفظه
3. شاهد على عمق الحياة الروحية في جيل التابعين
إن ذكر نُهَيْك بنت مُزاحم هو تذكير بأن التاريخ لا يصنعه المشهورون فقط، وإنما تحفظه أيضًا تلك الأرواح الخفية التي اختارت طريق العبادة والعلم دون أن تطلب ذكرًا أو مجدًا.
منقول