الموضوع: تحديث الثقافة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
1

المشاهدات
24
 
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


مُهاجر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
560

+التقييم
0.41

تاريخ التسجيل
Feb 2022

الاقامة
مسقط

رقم العضوية
16905
يوم أمس, 09:47 PM
المشاركة 1
يوم أمس, 09:47 PM
المشاركة 1
افتراضي تحديث الثقافة
ما يقع فيه الكثير
من المتحمسين لتغيير المجتمع، وكأنهم يُريدون التغيير بمجرد ضغطة زر من
"الريموت كونترول"!

وهذا ضربٌ من المستحيل، أن يأتي من يقلب ويغيّر ما اعتاد عليه الناس في غمضة عين!

وللأسف الشديد،
حين يأتي من يريد استئصال ما تعارف عليه المجتمع من قيمٍ
وعاداتٍ وتقاليد، متجاهلًا أنها "قدسية" لا يمكن المساس بها!

ومع هذا،
باتت تلك القيم والمبادئ والعادات اليوم مهددةً بالانقراض،
ليبقى بنو الإنسان مكوّنًا "ماديًّا" لا يُلقي للإنسانية بالًا،
أنانيَّ النزعة، غارقًا في أناه!

فمن العادات والتقاليد
ما يُوطّد علاقات الناس، ويجعلهم مزيجًا متجانسًا.

لكن البعض
ينسف إيجابية تلك العادات والتقاليد،
وذاك الأصل الغائر بجذوره في عمق الوجود،

ليجعل من بعض التصرفات والأفعال
التي يقوم بها بعضهم، والتي تُعبّر عن الجهل
الذي يلفظه ويرفضه العقل السوي.

واليوم، بفضل الله،
نجد ذلك النضج الفكري والوعي الفَتِيّ،
حين بدت تلك الإصلاحات، وتلك العمليات التصحيحية،
التي تُسهم في تحجيم وتنشيف منابع الجهل لدى بعض أفراد المجتمع،

ببثّ الوعي بينهم، وتعريفهم بأن بعض السلوكيات والطقوس
ما أنزل الله بها من سلطان، وكثيرٌ ممن اعتنق تلك الأفكار وتبنّاها،
بل وسعى إلى إحيائها في كل مناسبة، قد هجرها وحذّر منها.

وبهذا،
يكون المثقف قد احتوى أفراد المجتمع،
بعد أن نزل إلى الميدان ليُشارك الناس فرحهم،
ويواسيهم في أحزانهم،

لا أن يشنّ عليهم حملات التسفيه والتحقير،
ووصفهم بالتخلّف والجهل القبيح!

وبأن العادات والتقاليد هي من أوقفت
عجلة التطور والتقدّم والتحضّر!

لأن المثقف لا يمكن أن ينال مبتغاه ما لم ينزل إلى الميدان،
ليكون جنبًا إلى جنب مع العامة؛ فبدون ذلك لا ينفع التنظير ولا التسويق،
ولو قضى عمره كله فلن ينال سوى العزلة والكره الدفين.

المصيبة
تكمن حين يظنّ البعض أن الثقافة بشقّها المادي
لا يمكن أن تترسخ في أذهان المجتمع من غير أن تُهمَّش
وتُقزَّم لديه تلك المعاني المعنوية!

لتُصبح العادات والتقاليد والعقائد في نظرهم الحائلَ
أمام الوصول إلى معنى الحضارة والتمدّن والتحضّر.

ومن يتأمل في النهضة الإسلامية،
يجد أنها امتدت إلى القرن الثاني عشر،
وكان القرن الثالث عشر إلى الخامس عشر مرحلة الموازنة،
لتكون القرون التي تلتها مرحلة الانحسار والتجمّد.

ومن هنا يبزغ ذاك السؤال الكبير:
هل كانت تلك القيم والعادات والتقاليد والمبادئ
حائلًا دون بلوغ تلك المرتبة من التقدّم العلمي والمعرفي
طوال تلك القرون، كما يُروّج بعض المحبطين المنهزمين؟!

وفي ظل هذا التهافت الكبير،
لا مناص من خوض غمار الجديد،
وما نحتاجه هو المحافظة على هويتنا الإسلامية،
وما نحمله من قيمٍ ومبادئ، فمَن تمسّك بها وبثّها بين الأنام،
عمّ الخير وانتشر في كل مكان،
كي لا نذوب في ذوات الآخرين الذين نختلف معهم فكرًا وثقافةً ودينًا.

ولا يعني ذلك أن نتقوقع أو ننعزل عن الآخرين،
وإنما نسعى لنكون بتلك القيم مستمسكين.

أنا مع
المسير في ركب التقدّم الحضاري،
والأخذ بالجديد، لأن الأمر يتطلّب ذلك.

وإن كنّا نأمل
أن تكون لدينا الإمكانات، وأن تكون لنا مؤسساتنا
ودور بحوثنا، وتلك المراكز البحثية،

لنحافظ من خلالها على هويتنا، وتكون لنا استقلاليتنا،
نأخذ من الآخرين الجديد، ونُكيّفه وفق نظرتنا،
ليكون خالصًا لمن أراد النهل منه.

ختامًا
أود أن أوضح نقطةً تتمثل في ذلك الاعتقاد لدى البعض
بأن الصراع في الرؤية الإسلامية هو صراعٌ بين الكفر والإيمان،
بل هو صراعٌ بين الحق والباطل، والفرق بينهما شاسعٌ جدًّا.

ولنضرب مثالًا:
لو كان الجار المسلم الملتزم على باطل،
وكان الكافر الملحد المخالف على حق،
وجب حينها أن يكون الوقوف مع الحق،
بصرف النظر عن صاحبه.

تلك هي الرؤية الإسلامية
التي تنطلق من قاعدة العدل والمساواة في القانون،
لا كما يتصور البعض أنها بُنيت على الاستئصال والإقصاء ومحاربة المخالف.

فعلى المثقف المسلم
أن يكون داعيةً للمّ الشمل، وبثّ الوعي، وتأصيل المبادئ،
والحثّ عليها، لأنه المسؤول عن استقرار المجتمع.

عن تلك الثقافة
التي يراها البعض الكلّ المركّب الذي يحوي المعرفة والعقائد والقيم والعادات،
التي يكتسبها الفرد في مجتمعه،

ومنهم من يراها
تنظيمًا يكشف عن مظاهر الأفعال والمشاعر،
يُعبّر عنها الفرد عبر اللغة والرمز.

تتعدد التأويلات لمعنى الثقافة،
حتى جعلها بعضهم كائنًا مستقلًا عن الجماعة والأفراد!

والذي يسلو الفؤاد له:
أنها السلوك، ونمط التفكير، وذاك التكامل والتعارف والتوافق
الذي تعارف عليه أفراد المجتمع،
ليكون لهم الهوية التي يُعرفون بها ويتميّزون عن غيرهم.

فلكل أمة
ذلك الحامض النووي الذي لا يُشابهه أيّ حمضٍ آخر،
فاستفردت وانفردت به عن سواها،
وعلى هذا وجب التنبّه له،

لأن من يتجاوزه ويتعدّاه يقع في الإشكال،
إذ تسوّر على المتعارف عليه، فتكون ردة الفعل الرفض والعناد.

لتبقى الثقافة:
ثمرةَ التفاعل بين الأفراد،
فلا يوجد على وجه الأرض مجتمعٌ يخلو من ثقافة.

ومن أجمل تعريفات الثقافة لمحمد عفيفي قوله:

> "كل ما صنعه الإنسان في بيئته خلال تاريخه الطويل في مجتمعٍ معيّن،
ويشمل اللغة والعادات والقيم وآداب السلوك العام،
والأدوات والمعرفة والمستويات الاجتماعية،
والأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والقضائية.
فهي تمثّل التعبير الأصلي عن الخصوصية التاريخية لأمةٍ من الأمم،
وعن نظرتها إلى الكون."



تلك المتغيرات
التي تطرأ على المجتمع، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في الملبس والمأكل،
تبدأ غالبًا من المدن والأماكن المنفتحة،
فيما نُسميه اليوم "العواصم"،
وحين يستقبلها من يعيش في الريف أو المجتمعات المنغلقة،
يراها بداية التحول إلى حياة جديدة قد تهدد بقاء الموروث،

وما هي إلا فترةٌ وجيزة حتى يعتاد عليها أولئك المتوجسون،
فتكون المسألة مسألةَ بثّ الوعي ونشر الجديد،
لتصبح عادةً مألوفةً وكأنها كانت ملازمةً لهم من حيث لا يشعرون.