عرض مشاركة واحدة
قديم 08-03-2025, 04:09 PM
المشاركة 2
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • موجود
افتراضي رد: رواية الخميائي _ تحت المجهر _
وفي ذلك الفصل، والحديث عن تلك الرحلة التي كانت وجهتها الصحراء القاحلة،
كنتُ بين الماضين والممتطين لتلك الركاب،
أتنقل بفكري أعيش المشهد،
وكم شدني ذلك النداء من قبل الدليل وقائد المسير،

حيث طلب منهم القسمَ كلٌّ بما يؤمن به،
أكان بالله رب العالمين، أكان المسيح،
أكان بوذا، أكانت الطبيعة، وما تعدد من ذلك وما تنوعت الانتماءات والاعتقادات،

حينها رأيتُ في ذلك تجرداً وتجريداً
من كل الألقاب العلمية،
والألقاب الاجتماعية ليتساوى الجميع،

أخذتُ من ذلك عبرةً بأن تلك المكتسبات ما هي إلا عارضةٌ زائلةٌ والأصل هو الباقي،
ليكون قوامُ الإنسان ما يؤمن به من مبادئ، وما يتبناه من أخلاق، لتكون له خيرَ زاد،

وفي الطريق وفي تلك الصحراء لا يُسمع إلا صفيرُ الريح، ولا يُشاهد إلا صحراءٌ في مداها سرابٌ،
انتقالٌ من ضجيج وصياح أطفال ومزاح وشجار، ما هي إلا لحظةٌ عابرةٌ وكأنهم دخلوا حياةَ الموات والبرزخ فلا تسمع لهم همساً!
يترقبون ما ينتظرهم من أخطار، وأيديهم على صدورهم يتمتمون ويلهجون بالدعاء، وما أن وصلوا تلك الواحةَ إلا وقد خرجوا من عالم الأرواح،
ليعبروا عالمَ الأشهاد، حينها تنفسوا الصعداء،

"من هنا علينا تذكرُ ذلك اليوم الذي نُفرد فيه، وتنتزع منا الألقابُ والمسميات،
ويتخلى عنا أقربُ الناس إلينا، ولا يكون لنا شفيعٌ وأنيسٌ غيرُ صالح الأعمال".

من تلك الصحراء القاحلة وذلك الصمت الرهيب الذي يشبه صمتَ أصحاب القبور،
إلى الرجوع لعالم الشهود حيث اللقاءُ الهادرُ الذي سكنَّ تلك الهواجسَ،
وبدد تلك المخاوفَ من فاجعات المفاجآت في وسط تلك الرمال،

حينها كان الفضولُ يحرك كوامنَ ذلك الإنجليزي الذي يمني نفسه بلقاء ذلك الخيميائي لينهل من علومه،
كلٌّ قد اشتغل بما جاء من أجله من تَّبَضُّعٍ، ومنهم من لاقى أهله وأصحابه، وصاحبنا اكتفى بالبحث مع ذلك الإنجليزي عن طريدته ومبتغاه،
ولنا أن نعيش مع ذلك الوصف الذي وصف به النسوةَ من جلباب وتلك العادات والتقاليد والمعاملات،
وعرَّج على وجوب احترام ما يؤمنون به من عادات، ومع هذا عندما اجتمع بطلُ القصة بفاطمة،
جرى على لسانها ذلك التذمرُ والضيقُ من تلك العادات التي أتعبت كواهلَهم ليجعل من تلك العادات نوعاً من الكبت،
والتسلط والإكراه الذي فُرِض عليهم عنوةً!

بعيداً عن الخوض في الاحتمالات ونبش ما تخفيه وتواريه الكلمات، نجد ذلك اللقاءَ لقاءَ بطلِ القصة مع تلك الفتاة،
الذي أنساه مبتغاه وهدفه، وذلك الحب الذي تجاهل الدين، وتسوَّر حدودَ المحظورات من الفوارق الطبقية،
والمجتمعية، ليكون الحب هو العنوانَ والصخرةَ التي تحطم كلَّ التباينات والاختلافات،
بصرف النظر عن كون ذلك من المحرمات وما يدخل في تفاصيل الشرع،

لكوننا نعرج على الرواية، ولا يفوتنا ذلك الوقوف عند ذلك الخضوع،
وذلك الاسترخاء والركون إلى إلقاء عصا الترحال للوصول لذلك المنشود من الكنوز والغنى الموعود،
فقد خمدت جذوةُ الحماسة والإصرار بعدما شاهد واجتمع بالحبيب،
وكأن تلك المعاني المادية تضاءلت وخفت بريقُها أمام تلك المشاعر الجياشة،
التي تملَّكت العقلَ والقلبَ وكلَّ جارحة في ذلك المرء.

ولنا أن نتأمل في ردة فعل تلك الفتاة التي داست على قلبها لتُغَلِّبَ مصلحةَ ذلك المجد، الذي قطع الأميال والفيافي والقفار من أجل إدراك المأمول،
لتكون له سنداً، ورافداً، ومغذياً، ونافخاً في عزائمه الروحَ، من ذلك نستخلص أن ذلك الحب الذي تجرد من جاذبية العاطفة الآنية الحدوث،
التي لا ترى مستقبلَ الأمور هو المرشح والمؤهل ليكون جذورُه في أرض الحب سرمدياً ما بقيت في الجسد الروحُ،
وما كان من ذلك الشاب إلا تجهيزُ متاع سفره بعد أن أخذ تلك الجرعات والمحفزات ليشق طريقَه بأمل وتفاؤل،
فهناك من ينتظر نجاحه ورجوعه.