عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
1

المشاهدات
959
 
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


مُهاجر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
478

+التقييم
0.37

تاريخ التسجيل
Feb 2022

الاقامة
مسقط

رقم العضوية
16905
08-03-2025, 04:05 PM
المشاركة 1
08-03-2025, 04:05 PM
المشاركة 1
افتراضي رواية الخميائي _ تحت المجهر _
السلام عليكم سادتي الأكارم /
هذه محاولة متواضعة مني للوقوف على بعض فصول الرواية:

ومع استدلالهم واستلهامهم من ذلك الإرث العلمي والحضاري للعرب خاصة، وللعجم عامة من المسلمين،
لا بد أن يُدْخِلوا بعض المغالطات، ليلبسوها طهارةَ تلك الإنجازات التي فتحت أعينَ العالم لما يُسمى العلمَ النظريَّ والتجريبيَّ،
ليضعوا أقدامَهم على طريق العلم، لتكون انطلاقتُهم بذلك النَّفَس الذي تنفَّسَه القدماءُ من علماء العرب والعجم من بُنيان الإسلام.
وإن كانت براءةُ الاكتشافات والاختراعات أدرجوها في قوائم إنجازاتهم!

الرواية في مجملها تعرُجُ على البحث عن الذات، جاعلةً صفحةَ الكون ناطقةً لا يفهمها إلا مَن أصغى لهمساتِه، وفكَّ شفرةَ أسرارِه.
يَنطلق من فكرة بديهية بسيطة، يَنطلق من محيطه الضيق، ليلاقي الفضاءَ الفسيح الذي يضجُّ بالأسرار. يمرُّ على مواقف وشخوص تبيِّن له معالمَ الطريق،
من رؤيا قضَّت مضجعه، إلى أمل يتبلور ليرى فيه مستقبلَه. يَخرُج من حيز الرعي ومناجاة الأغنام التي حَوَى وتعلَّم همسَها وحركتَها،

إلى أن تدرَّج في حَمْل واكتناز مخيلته لمعلومات، فلربما قَصُر عقلُه المنكفئ على ذاته عن استيعاب كُنْهِها. يحدوه الفضولُ لتعلُّم المزيد، فوجد في رصد المعرفة متعةً
تُضفي لحياته طعماً لم يذق حلاوتَه من قبل. أناخ مطيةَ بحثه في أول مراحله عند تلك المنجمة، ليجد عندها التفسيرَ لتلك الرؤيا التي تكررت في منامه مرتين،
ليستصحب معه الفكرةَ التي غُرست في مخيلته عن أولئك الغجر الذين لا يعرفون معنى للحياة غير النصب والاحتيال.

ومع هذا وذاك ساقه الفضولُ لكشف المجهول، مُتناسياً ذلك المخوفَ من النصب والاحتيال. وما طلبت المنجمةُ نصيبَها من ذلك الكنز المدفون
إلا إعادةَ الروح لجسده، حيث جعلت من ذلك فرصةَ الهروب من استقطاع ما لديه من نقود. لينتقل بعد ذلك إلى تجربة أخرى، فيلتقي بذلك العجوز
الذي كان له الأثر البالغ في فتح آفاق تفكيره، بحيث رافقه بحديثه في غالب رحلته، وكأنه ظلُّه الذي لا يفارقه. حيث بيَّن له بعضَ الأمور وأرشده إلى بعض الإشارات،
وإن كان في تبيانها نوعٌ من الغموض، ليجعل له مساحةً يعمل بها عقله، ليصل بنفسه إلى المقصود.

ما زلتُ أبحر في تلك الرواية التي تعجُّ وتضجُّ بالإشارات،
والرموز، والإيحاءات:
نجدُ في طياتها الحكمةَ، العبرةَ، التوجيهَ، الدعوةَ، المراجعةَ.
تنساب بين مساماتها بعضُ المصطلحات أو الأفكار التي تحتاج لتنقيةٍ والوقوف على أعتابها، لكونها تخالف المبادئَ،
وما نؤمن به من ضوابط الشرع من حُرمة. وفي المحصلة:

في طواف ذلك الشاب الباحث عن الكنز الذي "نتجاوزُ" وصفَ ذلك الكنز على أنه كنزٌ ماديٌّ ومجازيٌّ،
ليفتح الأبوابَ بسعيه الحثيث، ليعرف حقيقةَ نفسه وذاته. أخذ الخيطَ الموصلَ للحقيقة من ذلك الملك العجوز.

جميلةٌ تلك اللفتةُ عندما ساق تلك التجربةَ مع ذلك الباحث عن الزمردة، وبعد البحث وتحطيم تسعمائةٍ وتسعةٍ وتسعين حجراً،
كان الدرسُ أن الإنسان لا يستسلم، فلربما يكون النجاح في المحاولة التالية. نتوقف ليعاود أنفاسَه ويعيدَ نشاطَه.
ولعل الواحدَ منا يسير في الحياة مُتخبِّطاً خبطَ عشواء، ليس له هدفٌ يعيش من أجله. ولربما حالفنا الحظُّ حين يُساق لنا من ينبِّهنا ويوقفنا مع ذواتنا،
ولعل انفراجةً وافقت ساعةَ راحة البال، لتُغيِّر لنا نمطَ الحياة، لننتقل من رتابتها إلى تجديدها.

يمرُّ الساعي إلى الجديد بما يجعله متناغماً مع الكون، باحثاً عن إكسير هذه الحياة. وبينما هو مُجِدٌّ في طلبه صادقاً ومؤمناً بقضيته،
تُعْتريه الظروفُ وتُغالبه حشرجاتُ النفس حين يخفق القلبُ ويجذبه نحو ما يُسكِّن به همَّه وتُنْعِش روحَه. ولربما كان ذلك مثبِّطاً لعزيمته.
فما كان حبُّه لتلك الفتاة إلا باباً من أبواب البلاء والابتلاء، لتُقاس به درجةُ اليقين بهدفه. تنحرف بوصلةُ المجد، ولعل في ذلك زيادةً وتبياناً بأن الرحلة لم،
ولن تكن مفروشةً بالورود، بل يتلفَّعها الشوك. وكم هو جميل ذلك الانسجامُ والتلاحم حين يغوص الإنسان في ذاته ومكوناته، يستمع لنبض قلبه وجوارحه،
لتكون لغةً تتجاوز المعاجمَ الشارحةَ لمعناها. لوجود ذلك الرابط المتلازم الذي يكون القلبُ مستودعَه، والبصرُ والبصيرةُ اللتانِ تقودان ذلك الإنسان
الذي يُضفي عليه المصداقية.

ولكوننا نحن معشر المسلمين لنا شريعتُنا، وما يضبط حركتَنا وسكونَنا هو البوصلةُ التي عليها نسير، فقد كفانا اللهُ مؤونةَ البحث عن الصانع الأول لكل الخلق.
ما ينقصنا هو تسخيرُ تلك الحصيلة العقدية في عملية التأمل والتدبر في الكون. أما فيما جاء في الرواية، فهو بحثٌ مُضنٍ يستحق العناءَ لبلوغ الحقيقة المطلقة
التي تجمعُ شتاتَ المبعثر في جنبات هذا الكون.

تلك الأسطورة:
هي سرُّ الحياة التي يحيا من أجل تحقيق غايتها ذلك الإنسانُ المدركُ لحقيقتها. تنشأ كحلمٍ وأمنيةٍ يتبعها سعيٌ،
وعملٌ يُحصِّنها يقينٌ، وإيمانٌ يظلِّلها وينافح عنها أملٌ. واللبيبُ من يتدرج في الوصول للغاية الأُولى، بحيث يُجدِّد الأهدافَ.
فالإنسان قد يصل لمبتغاه، حينها تنطفي جذوةُ المبادرة والحراك. ولعل هناك مغالبةً تحول بينه وبين الوصول لهدفه.

من هنا:
كان لزاماً أن يُجدِّد ويضع في الحسبان البدائل. وما نراه اليوم تلك الأمنياتُ التي أُودعت في مستودعات التسويف والإهمال!
ليكون المستحيلُ هو حقيقةُ الحالم الوسنان. ولنا في بطل قصتنا خيرُ مثالٍ في ترحاله وانتقاله من حال إلى حال.
نجد لتحركات بطل الرواية إشاراتٍ يجدها تَطلُّ برأسها بين فينة وأخرى، نافخةً لروح عزيمته إذا ما توارت عنه معالم الطريق.
فالإشارات قد تكون معالم، وقد تكون مؤشراتٍ ومنبِّهات، وقد تكون علاماتٍ وبراهينَ صدقٍ لذاك المقال لذاك الناصح.