الموضوع: فقه العروض
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-21-2024, 11:50 AM
المشاركة 3
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: فقه العروض
هل القافية هي التي تحدد نوع الضرب، أم العكس؟
العلاقة بين القافية والضرب علاقة أزلية سرمدية، لا تنفك، لآن القافية والضرب لا يقعان إلا في آخر البيت، حتى أن بعضهم كان يسمي الضرب بالقافية، قال ابن رشيق في العمدة: (ومن الناس من جعل القافية آخر جزء من البيت). [مج 1 / 153]. وآخر جزء من البيت هو الضرب. وهذا ليس هكذا دائما، فقد تتساوى حروف القافية والضرب، وقد تختلف.*

وإذا اختار الشاعر النظم على صورة معينة من البحر، فهنا الضرب سيتحكم في نوع القافية، فمثلا لو اختار الشاعر النظم على الضرب السالم من الطويل:
فعولن مفاعيلن فعولن (مفاعيلن)
فالقافية ستكون: (عِيْلُنْ /ه/ه) وهي متواترة.
وإذا اختار من الطويل الضرب المقبوض:
فعولن مفاعيلن فعولن (مفاعلن)
فالقافية ستكون: (فاعِلن /ه//ه) وهي متداركة.
وإذا اختار من الطويل الضرب المحذوف:
فعولن مفاعيلن فعولن (فعولن)
فالقافية هي: (عولنْ /ه/ه) وهي متواترة كقافية الضرب السالم.

أمَّا لو فكَّر الشاعر في كلمة القافية، قبل اختيار صورة الضرب في البحر، فإن القافية ستتحكم في صورة الضرب، كأن يطلب منك شخصٌ ما أن تكتب قصيدة من البحر الكامل، و كلمات القوافي من مثل: (هواه، ثراه) كقول الشاعر مصطفى بَلِيْلَة:
رُوْحِي وما مَلَكَتْ يَدايَ فِدَاهُ = وطَنِي الحَبيبُ وهَلْ أحِبُّ سِوَاهُ
وَطَنِي الذي قدْ عِشْتُ تحتَ سمائهِ = وهُوَ الَّذي قَدْ عِشْتُ فوقَ ثَراهُ
مُنْذُ الطُّفولةِ قَدْ عَشِقْتُ رُبُوْعَهُ = إنِّي أحِبُّ سُهُولَهُ ورُبَاهُ
فالقافية كما في البيت الأخير: (بَاهو /ه/ه) متواترة، وسيكون ضربها تام مقطوع( متفاعلْ).


وأسميت الضرب الذي يجمع تحته عدة أنواع من القوافي بالضرب الفَحْلِ، مجازا، تشبيها له بالفحل من الناس والدواب، الذي يكون له عدة زوجات. والضرب الفحلُ كما في ضرب الرجز، وسنأخذ أمثلة على ذلك، كقول الحطيئة:
فالشعرُ صعبٌ وطويلٌ سُلـَّمُهْ
إذا ارتقى فيهِ الذي لا يَعْلمُهْ
زلـّتْ بهِ إلى الحضيض ِقـَدَمُهْ
فقافية البيت الأول هي: (سُلْلَمَهْ /ه//ه) وهي من المتدارك، والضرب سالم.
وقافية البيت الثاني: (يَعْلَمهْ) مثل سابقتها من المتدارك، والضرب سالم أيضا.
أمَّا قافية البيت الثالث: (ضِيْضَ قِدَمُهْ /ه////ه) فهي من المتكاوس، لأن الضرب مخبول.
وكقول القائل:
إِنَّ أخاكَ الحَقّ مَن كانَ مَعَكْ
وَمَن يَضِرُّ نَفسَهُ لِيَنْفَعَكْ
وَمَن إِذا ريبَ الزَمانُ صَدَعَكْ
شَتَّتَ فيكَ شَملَهُ لِيَجْمَعَكْ
وَإِن غَدَوتَ ظالِماً غَدا مَعَكْ
قافية البيت الأول هي: (كانَمَعَكْ /ه///ه) وهي متراكبة، والضرب فيها مطوٍ (مفتعلن).
وقافية البيت الثاني هي: (يَنْفَعَكْ /ه//ه) وهي متداركة، والضرب فيها مخبون(متفعلن).
وقافية البيت الثالث هي: (مانُ صَدَعَكْ/ه////ه) متكاوسة، والضرب (فعلتن) مخبول، مخبون ومطوٍ.
وقافية البيت الرابع هي: (يَجْمَعَكْ/ه//ه) وهي متداركة، والضرب فيها مخبون (متفعلن).
وقافية البيت الخامس هي: (دا مَعَكْ/ه///ه) وهي متداركة، والضرب فيها مخبون (متفعلن).

ففي المثالين السابقين، رأينا كيف يتحكم الضرب الواحد في نوع القافية، فتأتي قوافيه مختلفة؛ لاختلاف صوره بسبب التغيّرات التي تصيبه.

ولا اغفلُ المعنى، فالمعنى هو الذي يجعل الشاعر المقتدر يختار ألفاظا يستحسنها بعينها ، لأنها تزيد المعنى جمالا وجلالا في أذن وقلب السامع، فتقع منهما موقع الرضا، وإن زاحف في أضرب القصيدة، وإن نوَّع في القوافي، فالألفاظ ظروف المعاني، والمعاني لألئ الألفاظ.
والحاصل: إن إرادة الشاعر هي التي تحدد العلاقة بين قافيته واضربها في القصيدة، في سبيل الوصول للمعاني.



..................
* من تساوي حروف الضرب والقافية، قول إبراهيم يحيى جعفري (شادي الساحل)، من البسيط التام، مقطوع الضرب:
لَنْ أكتبَ الشِّعْرَ بعَدَ اليومِ في شغفٍ = قَدْ ماتَ مَنْ ألْهَمَ الإحساسَ أبياتي
لَنْـ أكتبَشْـ/ شِعْرَبعْـ/ دَلْيُوَمِفي/ شَغَفِنْ = قَدْماتَـ ـمَنْ/ ألْهَمَلْـ/ إحْسَاسَأبْـ/ ـياتي
(/ه/ه//ه) (/ه//ه) (/ه/ه//ه) (///ه) = (/ه/ه//ه) (///ه) (/ه/ه//ه) (/ه/ه)
مسْتَفْعِلُنْ/ فَاعِلُنْ/ مسْتَفْعِلُنْ/ فَعِلُنْ = مسْتَفْعِلُنْ/ فَعِلُن/ مسْتَفْعِلُنْ/ فَعْلُن
فحروف القافية: (يَاتِيْ /ه/ه)، تساوي حروف تفعيلة الضرب : (فَعْلُنْ /ه/ه).
وتكون قافية الضرب التام المقطوع من البسيط دائماً مردوفة.
وقد تختلف عدد حروف القافية عن حروف تفعيلة الضرب، كقول القائل من مجزوء البسيط:
ما هَيَّجَ الشّوقَ مِنْ أطلالٍ = أضْحَتْ قفاراً كَوَحْيَ الواحي
مَاهَيْيَجَشْـ/ ـشُوْقَمِنْ/ أطْلالِنْ = أضْحَتْ قفا/ رَنْكَوَحْـ/ يِلْوَاحي
مستفعلن/ فاعِلن/ مستفعلْ = مستفعلنْ/ فعِلنْ/ مسـتفعلْ
وتكتب (مستفعلْ) مفعولن، تحسينا للفظ، هكذا:
مستفعلن/ فاعِلن/ مفْعُولُنْ = مستفعلنْ/ فعِلنْ/ مفْعُولُنْ
فالقافية هي (واحي /ه/ه)، والضرب هو (مفعولن /ه/ه/ه) فجاءت حروف الضرب أكثر من حروف القافية.

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا