عرض مشاركة واحدة
قديم 07-27-2023, 10:48 PM
المشاركة 3
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: *إلى أين أمضي* - قصة قصيرة

*الفصل الثالث*
*الهـــــروب*
في منطقة على حدود العاصمة ، يقبع مسجد جميل بسيط يعتبر مركزاً للحي الجديد هناك ، وكان إمام المسجد صديقاً قديماً للعجوز وفي مثل سنه ، فقصده وطلب أن يمكث في إحدى غرف المسجد ، يهتم بما يلزم ويرعى رواده ، وشرح له بعيون دامعة ما حل به في السنوات الأخيرة بعد وفاة زوجته ، ورحب به صديقه القديم أيما ترحيب "إنه بيت الله .. والخير من المحسنين عميم .. ولن تحتاج هنا إلى شيء أبداً".
وفي بيت ابنته ، تحين العجوز فرصة الصباح التالي ، وغادر بهدوء تاركاً وراءه قصاصة ورق مكتوب عليها: "لا تنشغلوا علي .. سأكون بخير .. والدكم".
تحسنت حال العجوز ، تعرف على رواد المسجد وخصوصاً من هم من جيله وتحسنت نفسيته ، وصارت له داخل المسجد لقاءات مثمرة ، وعرف بعد ذلك أن هنالك دار للعجزة قريبة من المسجد ، فصار يداوم على زيارة النزلاء ، حتى صار وجوده مألوفاً بينهم ، وصار الكل بانتظاره ، يتابع حوائجهم ويقضي متطلباتهم.
وتدور الأيام وتمضي سريعة ، ثلاث سنوات كاملة على هذه الحال ، عمل في النهار بين المسجد ودار العجزة ، وذكريات لا تنتهي في الليل.
أما الأولاد في قصورهم ، فكان الوضع مختلفاً ، وصحيح أن كل واحد من الأولاد كان متأففاً أن يقيم الوالد عنده ، ولكنهم لم يعملوا لما حصل حساباً ، فقد أصابتهم مغادرة والدهم بهذا الشكل بصدمة غريبة ، وتفلتت السعادة من بين أيديهم ، وما بقيت قيمة أمامهم للجاه والثروة ، وزاد الجفاء بينهم ، وكل يلوم الآخر على ما حصل ، واختلفت كل زوجة مع زوجها ، وأنشبت الكراهية أظافرها وشيئاً فشيئاً تحول تفكيرهم كلهم إلى إصرار أن يجدوا أباهم ويظفروا به ، عسى أن يعودوا إلى سابق عهدهم من الألفة والمحبة ، وأراد كل منهم أن يكون السبّاق إلى إيجاده وإحضاره للإقامة في بيته ، وبدأت الرحلة المحمومة ، رحلة البحث عن العجوز ، بدأوا بالأهل والأقرباء في مدينتهم وما جاورها ، لم يتركوا أحداً يعرفونه أو يظنون أن والدهم كان على علاقة ما معه إلا سألوه ، لم يتركوا جاراً أو قريباً أو موظفاً قديماً إلا زاروه ، ولكن بدون فائدة ، فالعجوز قد اختفى وليس له أثر.
في أحد أيام الجمع ، كان آدم الإبن البكر وقت الصلاة يستمع إلى خطبة الجمعة وفجأة تذكر الشيخ رمضان ، صديق والده منذ زمن بعيد ، واعتاد والده أن يصحبه معه إلى الصلاة عند الشيخ رمضان عندما كان صغيراً ، ولكنه لا يعرف عن الشيخ رمضان إلا اسمه الأول ، ولا يدري كيف سيجده ، فأمعن في التفكير والتخطيط ووصل إلى حل.
في الصباح توجه إلى إدارة المساجد ، وشرح الموقف للمسؤول هناك ، الذي تفهم الموضوع وعمل البحث اللازم واستخرج من السجلات أسماء لعدد من الشيوخ كلهم باسم رمضان ، وحتى يقللوا العدد فقد عمدوا إلى البحث في العمر المناسب ، وتوصلوا بذلك إلى أربعة شيوخ في أربعة مساجد في مناطق مختلفة من المدينة ، وخرج آدم سعيداً يحمل في يده الورقة الكنز ، وهو يشعر في داخله أنه على الطريق الصحيح.
وصار يحدث نفسه ، قد يكون أبي غاضباً علي فماذا أفعل ! ، الأفضل آن أصطحب ابني معي ، هو أول حفيد له ، وقد سميته على اسمه ، و كان عمره لا يجاوز الرابعة حين غادر الوالد والآن هو في السابعة ، لا شك سيستقبلنا الوالد لو اصطحبت ابني معي.

يتبع ...