عرض مشاركة واحدة
قديم 10-10-2010, 09:55 AM
المشاركة 12
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
العـــبــور


أجد نفسي مرغما دائم الإستشهاد بشطرة من بيت شعر عربي حكيم تقول
( فالحق .. ما شهدت به الأعداء ) ..
لسنا نحن الذين سطرنا بقلم الإنبهار هذا الإنجاز العسكري الغير مسبوق في العصر الحديث , بل كان أول المنبهرين والمعترفين هم قادة العدو أنفسهم وحلفائه ثم كافة المعاهد العسكرية المحايدة التي تناولت معارك حرب أكتوبر بنظرياتها الجديدة التي أرساها شبابنا فوق الجسور في الفترة من يوم 6 إلى 25 أكتوبر 1973 م ,
وهذه الحقيقة الهامة هى التي يجب أن تظل بمخيلة أى شاب عربي وهو يتأمل أى محاولة لتقليل هذا الإنجاز أو تدمير روحه المعنوية في أعماقه بحجة أنه تاريخ غير قابل للتكرار !



فإنجاز يوم السادس من أكتوبر الذى وافق العاشر من شهر رمضان المبارك لم يتحقق في ذات اليوم بل تحقق منذ نكسة يونيو وفى اليوم التالى لها مباشرة عندما أعلنت العزيمة نيتها لكسر الهزيمة ,
وتفجرت معارك حرب الإستنزاف وقبلها البطولات الفردية التي لم تجعل العدو يهنأ بخدعة انتصاره ولو ليوم واحد ,
أى أن العزيمة أعلنت عن نفسها في ظروف كانت أشد مرارة من واقعنا الحالى بمراحل ومع ذلك تمكن هذا الإيمان الذى لا يلين من كسر ثقافة الهزيمة والإستسلام ودفع الحرارة إلى العروق لتجرى فيها دماء المعركة من جديد ,



وعندما نتأمل تصريحات العدو عن تحصيناته ـ والتى كانت بالفعل كما يُـقال معجزة عسكرية ـ ونتذكر كم أنهم في الغرب دائما يتميزون بالواقعية بعكس حالنا نحن ـ كما يتهمونا دائما ـ حالمون ورومانسيون ,
عندها ندرك حقيقة الفارق الشاسع الذى صنعه عنصر الإيمان بالله تعالى في أعماقنا عندما لانت الحصون وذابت الدروع في يوم من أيام الله بلا شك
قال الجنرال موشي ديان عن خط بارليف قبل تحطيمه في حرب رمضان [1]
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
( إن عمليات العبور ـ إن حدثت ـ فلن تؤثر في قبضة إسرائيل الفولاذية عليه وستفشل أى محاولة للهجوم على هذا الخط المستحيل تدميره والذي صرفنا في تحصيناته مبالغ طائلة .. إننا أقوياء بشكل يكفل لنا البقاء به هكذا إلى الأبد )
وقالت جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية ..
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
( إن خط بارليف هو رمز الذكاء والعبقرية الإسرائيلية , وأى محاولة للتفكير في اقتحامه هى إهانة لهذا الذكاء ! )
بينما قال الجنرال حاييم بارليف مبتكر الخط ..
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
( سيظل خط بارليف هو الحاجز المستحيل الذى يقف أمام أى حماقة مصرية لاختراقه )
وقال توماس تشيهام أحد كبار المراسلين الحربيين ..
( لقد جعل خط بارليف سيناء عمليا تابعة للجانب الإسرائيلي )



ولنا أن نتخيل ردة الفعل بعد انهيار خط بارليف وسقوطه في أيدى الجيش المصري بعد ست ساعات فحسب وأمام قوات مشاة وصاعقة خالية إلا من الأسلحة الخفيفة والمحمولة وبدون معاونة أى قطعة مدفعية !!
كان الذهول هو القاسم المشترك الأعظم بين الأعداء والأصدقاء على حد سواء ,
فالأصدقاء الذين تمثلوا في الجانب السوفياتى صاحب الخبرات العريقة في الحرب العالمية الثانية كانوا يرون نفس وجهة النظر القائلة باستحالة اقتحام خط بارليف بالمواجهة وحتمية اجتيازه دون مواجهته وإذا كان خيار المواجهة لازما فإن الخط كى يسقط يحتاج إلى قنبلتين ذريتين عياريتين دفعة واحدة ,
وأما الأعداء فقد صمت أغلبهم عن النطق وأما المتكلمون فقد جاءت تصريحاتهم معاكسة تماما لما كانت عليه قبل أيام قليلة من بدء عمليات الحرب
قال رئيس دولة إسرائيل إبراهام كاتزير [2]
( لقد كنا نعيش فى وهم حقيقي ما بين عام 67 و73 وفى نشوة ليس لها أى مبرر واقعى وهذه الحالة النفسية هى المسئولة عن الأخطاء التى فى حرب أكتوبر فى كل المجالات العسكرية والسياسية والإجتماعية وعلينا أن نتعلم بعد هذه الحرب الفظيعة أن نكون أكثر تواضعا وأقل نزوعا إلى المادية )
أما جولدا مائير التى فاخرت بالذكاء الإسرائيلي فقد أرسلت لهنرى كيسنجر وزير الخارجية تحفزه لشحن السلاح ..
( أسرع بالسلاح الآن قبل الساعة القادمة .. لقد وقعت إسرائيل )
أما حاييم بارليف الذى أسس الخط الدفاعى وفاخر به فلم يجد تعقيبا إلا أن قال :
( لقد هاجمونا ونحن فى غفلة تامة )
ولسنا ندرى أى غفلة تلك وأين هو خطه الدفاعى الذى كانت إسرائيل تنام خلفه مطمئنة ؟!
أما الجنرال الإسرائيلي ناركسيس فقد عبر عن مجمل شعورهم فى كلمات جامعة فقال :
( ليس هناك بد من الإعتراف أن المصريين خططوا لقتالهم بمنتهى البراعة , لقد كان التخطيط بارعا والتنفيذ أشد براعة ولقد حاولنا بكل قوة وجهد إعاقة عملية العبور فلم نفلح وتحطمت كل هجماتنا المضادة عليهم حتى فوجئنا صباح السابع من أكتوبر بسبع فرق كاملة على الضفة الغربية كما لو كانوا أشباحا انتقلوا فى غمضة عين ! )
وخرجت مجلة النيوز ويك الأمريكية بعنوان ضخم يقول :
( إن الفجوة التكنولوجية ـ التى كانت تفاخر بها إسرائيل ـ قد لحقتها مصر وسبقتها أيضا )
وظهرت الجيروساليم بوست تطرح أسئلة الشعب اليهودى الذى كان غارقا فى أحلام أمنه فقالت عناوينها :
( ما الذى حدث وأين يكمن الخطأ )
أما جورج ليزلى رئيس المنظمة اليهودية فى ستراسبورج فقال :
( لقد أسفرت الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة عن كارثة كاملة بالنسبة لإسرائيل فنتائج المعارك والإنعكاسات التى ظهرت عنها فى إسرائيل تؤكد أهمية الإنتصارات التى حققتها القوات العربية , تلك الإنتصارات التى أنهت أسطورة الشعور بالتفوق لدى الجيش الإسرائيلي الذى لا يقهر )
ويقول توماس تشيهام المراسل الحربي الذى سبق وأشاد بالقوات الإسرائيلية واستحكاماتها :
( إن الطيران الإسرائيلي لم يتمكن من تحقيق النجاح الذى كان يتوقعه الشعب الإسرائيلي , لقد وضح من خلال سير المعارك أن تلك المزاعم حول قدرة الطيران الإسرائيلي مزاعم بلا أساس )
وعن خط بارليف المنيع يقول المحلل العسكري باولو بترونتى فى مجلة أنابيلا الإيطالية :
( إن خط بارليف الذى شيدته إسرائيل على غرار خط ماجينو الفرنسي سقط تماما كما سقط سابقه قبل 34 عاما لقد فر الجنود الإسرائيليون من هذا الخط أمام القوات المصرية المهاجمة تاركين دروعهم وتحصيناتهم أمام الجحيم الذى تفجر أمامهم فجأة ! )
وقال موشي ديان فى محاضرة ألقاها فى النادى الهندسي فى تل أبيب ونشرتها جريدة هامو دياع فى أول يناير 1974 :
( إننى كوزير للدفاع لم أقدّر كفاءة المقاتل العربي وفعاليته حق قدرها إذا أنها ظهرت بكفاءة عالية جدا أكبر مما قدرتها بيانات ومعلومات المخابرات الإسرائيلية ! )





الهوامش
[1]ـ أبطال الفرقة 19 مشاة ـ الفريق يوسف عفيفي ـ دار الصفوة للنشر والتوزيع
[2]ـ حرب رمضان ـ مصدر سابق