صاحب النَّقْب
كان الأمير الأموي مسلمة بن عبد الملك يُحاصر حصناً عظيماً للروم، واستعصى فتحه على الجيش، فوقف مسلمة وخطب بين الجند قائلا: "أما فيكم أحد يقْدِم فيحدث لنا نقباً في هذا الحصن؟". فتقدم جندي ملثم، وألقى بنفسه على الحصن، واحتمل ما احتمل من أخطار وآلام، حتى أحدث في الحصن نقباً كان سبباً في فتح المسلمين له.
عقب فتح الحصن نادى مسلمة في جنوده قائلاً: "أين صاحب النقب؟" فلم يجبه أحد، فقال مسلمة: "عزمتُ على صاحب النقب أن يأتي للقائي، وقد أمرت الآذن بإدخاله علي ساعة مجيئه".
بعد حين أقبل نحو الآذن شخص ملثم، وقال له: "استأذن لي على الأمير"، فقال له: "أأنت صاحب النقب؟". فأجاب: "أنا أخبركم عنه، وأدلكم عليه"، فأدخله الآذن على مسلمة، فقال الجندي الملثم للقائد: "إن صاحب النقب يشترط عليكم أموراً ثلاثة: ألا تبعثوا باسمه في صحيفة إلى الخليفة، وألا تأمروا له بشيء جزاء ما صنع، وألا تسألوه من هو؟". فقال مسلمة: "له ذلك، فأين هو؟" فأجاب الجندي في تواضع واستحياء: "أنا صاحب النقب أيها الأمير، ثم سارع بالخروج"، فغاب بعد ذلك فلم يُر.
فكان مسلمة بعد ذلك لا يصلي صلاة إلا قال في دعائها: "اللهم اجعلني مع صاحب النقب يوم القيامة".