الموضوع
:
حكايات من ضيعتنا /قراءة طارق الاحمدي
عرض مشاركة واحدة
08-07-2010, 08:16 PM
المشاركة
3
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
تاريخ الإنضمام :
Apr 2007
رقم العضوية :
3325
المشاركات:
853
رد: حكايات من ضيعتنا
3- بساتين ضيعتنا صيفا
ترسم ريم بدرالدين مدخلا واضحا وصريحا لقصتها,بعد أن تؤثث
الطريق لنا للانطلاق معها في هذه الرحلة, فتؤكد لنا أن قريتها " ليست أجملهن" و
"
ليست أكبرهن" و " ليست الوحيدة
"...
وهذا نوع من التأثيث المبدئي للقصة يظهر مصداقية الكاتبة
في السرد ,حيث راوحت بين حقيقة القرية ومشاعرها الخاصة نحوها, فهي " الأجمل
"
برأيها, وهي " ترى العالم من خلالها
".
وتبدأ الرحلة
.
من أين تبدأ الرحلة؟
تنطلق من تأطير مميز للحظة, ووصف مسهب لطبيعة
المكان
.
والجدير بالنظر أن الكاتبة رغم أنها تنوي التحدث عن الضيعة
صيفا, إلا أنها لا تنسى السير بنا رويدا رويدا حتى لا نقع مباشرة على الغاية فتنتفي
معظم تفاصيل القصة
.
البساتين ليست أثاثا, إنها امتداد للحياة, والحياة
لا تنتهي, بل تتجدد في كل فصل, وهنا استطاعت الكاتبة أن تضع اصبعها على هذه الحقيقة
فتدرجت بنا من فصل الشتاء, فصل السبات والنوم, ولتبرز لنا تميز ضيعتها فقد أخبرتنا
أن " بساتين قريتي حافلة عامرة في كل الفصول
".
عجبا
...
كيف تبقى البساتين نابضة بالحياة في فصل
الشتاء؟
وتجيبنا ريم بدرالدين
:
"
حتى في فصل الاختباء والتواري..العواصف والأمطار هناك
تحت التربة حياة سرية نشيطة
:
كيف يا ريم تحدثينا عن حياة في فصل
الموات؟
ولا تتردد الكاتبة في
الإجابة
:
"
لو قيّض لك أن تضع أذنك على التربة لربما سمعت أصواتا
وطقطقة واهتزازات
".
انظر معي كيف تتلاعب الكاتبة هنا بالكلمة لتنقلنا من حيث
لا نشعر بهوة الانتقال إلى فصل آخر في ضيعتها
.
إنه فصل الربيع
.
فبعد " أن تتغلغل" مياه الأمطار "في عمق الأرض" سيكون هناك
"
إيذان بمقدم من لا يحتاج إذنا" "إنه الربيع
" .
والربيع هو زمن الميلاد والانعتاق نحو
الحياة
.
ولأن الكاتبة تمتلك القدرة على النسج فقد اختارت الوقت
المناسب الذي تظهر فيه شخصيات قصتها, وكأنهم كانوا في سبات مع
الضيعة
.
ومتى " يأتي مع الربيع .... زهرة المشمش وزهرة الدراق
وزهرة التفاح" "يفرح الجميع
".
فرحة بالمولود الجديد ,أزهار المشمش التي تحمل في أحشائها
الثمرة, الرابط بين أهل الضيعة والحياة
.
وماذا بقي الآن؟
أظن أن الكاتبة قد وفّقت حين أخذتنا معها في هذه
الرحلة
.
نعم لم تنشر جميع أوراقها بل احتفظت بالأهم لحين موسم
القطاف
.
إنه فصل الصيف
.
ولكي لا تربكنا بين الفصول فقد انتقلت مباشرة إلى ما
تريدنا أن عرفه, فنجدها وكأنها تعتذر للربيع لأنها لن تتوقف عنده كثيرا فـ " هذا
التداخل بين الربيع والصيف لا يترك مجالا لتفكر أيهما تحب
أكثر
".
"
ويبدأ أوان القطاف
" .
وهنا ندخل مع الكاتبة فصلا آخر يمتزج فيه الإنسان
بالطبيعة, ويأتي دوره ليجني تعبه مع الأرض,فينطلق موسم الجني فتعجّ البساتين
"
بالعمال والعاملات يقطفون الثمرة اللذيذة
".
ويمتزج العرق مع تربة الأرض وغلال الأشجار فنتخيل لوحة
زاهية لفنان انطباعي يعمل ريشته في كل ماهو جميل وكل ماهو
زاه
.
ثم تدخل الكاتبة عنصر الخصوصية حين تنتقي لنا بعض الشخوص
الفاعلين في البستان لتصفهم لنا, ونحن من خلالهم نتعرف على جميع
الأهل
.
العم أبو خالد رمز المتجذر في أرضه , والعم أبو علي رمز
الكرم والعطاء, والعم أبوعلي الذي زاد فقسم حقله وترك ممشى ترابي لـ " يحلو
للمتنزهين من أهل المدينة أن يحطوا رحالهم
".
هذا كله في بساتين
الضيعة
.
ورغم أن الكاتبة تعشق قريتها إلا أنها لم تصل حد النرجسية
بل استطاعت أن تبرز لنا جانبا آخر من الجمال, ولكن هذه المرة للقرية
المجاورة
.
كيف ذلك؟
كيف تستطيع أن تنتقل من وصف قريتها إلى وصف القرية
المجاورة؟
هنا أوجدت حبكة ذكية فقد هامت مع صديقات لها حتى وصلن حدود
القرية المجاورة , وهناك وجدوا مفاجأة
.
كنّ في بساتين المشمش حيث اللون الذهبي وإذ بهنّ يكتشفن
اللون الأحمر, لون الفراولة
.
ماذا تقصد الكاتبة
بهذا؟
إنها تعلمنا أن قريتها والقرى الملاصقة تتميز كل منها
بمنتوجها الخاص..بعبارة أخرى أن الأرض خصبة وأن العطاء
كثير
.
وكما بدأت الكاتبة برحلة هادئة أنهتها بعودة أجمل على عربة
العم " أبو ابراهيم"التي تركتها تنظر بكل هدوء إلى جمال الطبيعة وتسترجع " أرواح كل
من عشق هذا الجمال
".
وتختم ريم بدرالدين بـ "موسيقى الصمت الجميل" ويالها من
موسيقى ويا لها من خاتمة رائعة كانت الأجمل حين توقفت الكلمات , توقف الحرف, توقف
الحديث, وأصبح " الكلام نافلة
" ..
وماهو الفرض إذن؟
"
الفرض هو الصمت
".
الصمت الذي ستختزن من خلاله صور أخرى ربما تكون أجمل
وأعمق
.
وربما تكون أكثر ذوبانا في " شتاء
ضيعتنا
".
رد مع الإقتباس