عرض مشاركة واحدة
قديم 03-28-2016, 11:38 AM
المشاركة 16
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


(11)


(الجزء التالي من ملفات بني الأصفر السرية)
قبل قرن من الأن..
كان السيد فريمان من المؤسسين الأوائل لحضارة الشعب الأصفر..
إنه ذلك المزيج الفريد الذي لا يتكرر كثيراً.. إنه ذلك العسكري والسياسي والعالم ورجل الدين الواعظ ..
كان فريمان طموحاً ..كان فريمان عبقرياً .. وكان فريمان صبوراً..
كان يطمح في سيادة الجنس الأصفر ..عالم واحد.. حكومة واحدة..
اقتصاد واحد ..ثقافة واحدة .. دين واحد ..
كان عبقرياً لأنه فهم أن العالم لن يتحد تحت راية بني جنسه إلا بعد هزات واضطرابات عنيفة يركع بعدها العالم للنظام الجديد ..كان يفهم أن العالم لن يتحد إلا بعد ان يتمزق ويأكل الأخ لحم أخيه ..
وكل هذا لن يكون ولن يحدث وهناك شعب يقظ يقف دائماً حجر عثرة في سبيل طموحاته .. الشعب الأسمر ..
كان صبوراً .. لذا فقد عكف سنوات عديدة فقد فيها عدد لا بأس به من الشعر وشاب ما تبقى منه حتى أحكم مخططاته نظرياً وبدأ تنفيذها عملياً .. طبعاً بعد أخذ موافقة سلطة شعبه التي تتبنى أمثاله من العباقرة الواعدين ..
كان فريمان يهوى قراءة الروايات الخيالية وقد أثرت فيه رواية قرئها
يوماً ما عن مسافر الزمن ..الذي ذهب للمستقبل حيث صار الناس طبقتين .. طبقة مرفهة هشة تحيا على السطح وطبقة تحت باطن الأرض تتغذى على سكان السطح .. شغلت تلك الفكرة باله لسنوات وسنوات ..ما الذي يمنع حدوث ذلك بالفعل في المستقبل ..؟
ثم ابتاع قصة جديدة عن مصاصي الدماء فراقت له جداً .. تخيل لو كان يملك جيشاً من هؤلاء .. لن يحتاجوا لتموين ولا لسلاح .. تموينهم دماء الأعداء وسلاحهم الأنياب الحادة التي تنغرس في الأعناق ..
وابتسم في مقت ..وبدأ ينسج في خياله الفكرة التي سيعمل عليها شعبه جيل بعد جيل ..وكانت البداية في معمله الخاص.

***

( الجزء التالي من ملفات الظلاميين السرية)
قبل قرن من الأن.. على أرض الشعب الأسمر نشأ الشاب حسن انبلا أحد مواطني شعبنا الأسمر.. مواطناً متواضع الحال(وهناك من يشكك في أصوله أيضاً ) لكنه كان يحمل طموحات غير متواضعة بالمرة..
نشأ حسن أنبلا وسط الدراويش وهم طائفة من الممخرقين الصوفية حيث يرتمي المريد بين يدي سيده العارف كالميت بين يدي مغسله..
كان هذا يعجب أنبلا جداً وكان يطمح في أن يكون يوماً ما عارفاً يرتمي المريدين تحت قدميه لكنه كان يرى دائماً أن هناك شيء ما غير مكتمل في كل هذا .. هذه الطاعة العمياء من المريدين لا تستغل كما ينبغي لها أن تستغل ..
رجل يبحث عن السلطة .. والمجد .. المجد للشعب الأسمر .. لكن تحت راية حسن أنبلا وإلا فهو العار والشنار على هذا الشعب الطيب أن يطلب المجد تحت راية أخرى.
وطبعاً كان هذا سبباً في معارضة واسعة لأنبلا من شيخه العارف
ومن بعض رفاقه العقلاء الذين يشمون رائحة الكوارث قبل أن تقع ..
وكان هذا سبباً في حقد أنبلا على كل المثبطين.. حتى أنه تمنى يوماً أن يأكل حنجرة شيخه العارف ويشرب من دماء رفاقه ..هؤلاء هم الخونة الحقيقيون لفكرته الوليدة وهؤلاء سيدفعون الثمن يوماً وسيكون الثمن غاليا .
هناك من يجزم أن أنبلا لم يفكر في تأسيس جماعته بمعزل عن دسائس خارجية .. بل البعض يقول أن جماعة أنبلا خطط لها قبل ميلاد أنبلا نفسه .. لكننا سنرصد لكم اللقاء الأول .. بين الدرويش الشاب وعارف أخر لكنه من نوع فريد ..
ها هو ذا الفتى اليانع المفعم بالأطماع - والمحبط كذلك - يتسكع في قاع المدينة وسط الخرائب باحثاً عن شيء ما لا يدري كنهه ..
هنا لمح ذلك الظل القادم من الجهة الأخرى.. سرت في جسده رعدة وهو يرمق صاحب الظل المرعب ..
ـ " من أنت ..؟ شيطان ؟ "
همس صاحب الظل بصوت عميق :
ـ " ربما .. "
ومال عليه صاحب الظل المدثر بالسواد .. وأكمل :
ـ " وربما أسوأ .."
صاح في ريبة :
ـ " أنت من بني الأصفر ..؟ "
ـ " بلى يا أنبلا .."
ـ " وتعرف اسمي ..! "
ـ " أمثالك هم محط اهتمام شعبنا يا أنبلا .. أنت عبقري أخر يتوارى
وسط قمامة شعبكم .."
شاعت على وجهه ابتسامة جشعة .. كان ذكياً لا يضيع الوقت في ذعر لا معنى له .. لقد عانى بما فيه الكفاية ولم يعد هناك ما يثير ذعره
ـ " لم يعد لدي ما أخسره .."
ـ " الخسران ..كلمة لا وجود لها في قاموس شعبنا .. معنا ستكون إنسان جديد يا أنبلا .. فقط انضم للمعسكر الذي سينتصر .. "
ـ " ماذا تريدون ..؟ "
ابتسم فريمان وفرد كفه فإذا بها قارورة بها سائل أسود .. وقال بصوت كالفحيح :
ـ " روحك يا أنبلا .."
كان فريمان معجباً أيضاً بقصة فاوست الذي باع روحه للشيطان ..
وكان أنبلا فاوست أخر باع روحه لشيطان من شياطين الأنس .. فلم يتردد في قبول دعوة فريمان وكان مذاق القارورة مراً كالحنظل لكنه لم يعبأ .. لقد تذوق ما هو أشنع .. طلب منه فريمان أن يتردد عليه في نفس المكان ولا يتصرف من دماغه لو طرأت عليه أي تغيرات ..
تصور أنبلا أن تلك التغيرات ستكون قوة عاتية .. بدنية أو ذهنيه
لكن شيئاً من هذا لم يحدث .. فقط بدأ يعشق الظلام وينفر من الطعام العادي مع شبق عجيب لشيء لم يخطر له على بال .. الدماء .. مشهد الدماء وهي تقتر من الذبيحة المعلقة عند الجزار كان يثير جنونه .. شعر بالخوف ولم يفهم .. وحينما ذهب حسب الموعد للقاء فريمان فهم .. كان فريمان يحمل له طعامه الجديد ..
ـ " طعامك من اليوم هو الدماء .. ومسكنك هو الظلام .. أنت الأول لكنك لست الأخير .."
ـ " لقد صنعت مني مسخاً .."
ـ " لقد حققت لك حلمك .. ألم تتمنى يوماً شرب دماء أعدائك .."
هنا تذكر .. وجه العارف والرفاق الذين عادوا فكرته وثبطوه ..
وبرقت عيناه في جشع .. ونهم .. قال له فريمان مستدركاً :
ـ " لكن تذكر أن أمرك لن ينهض إلا بالخفاء .. والطاعة .."
قالها وهو يشعل سيجاره ويدخنها بعمق متأملاً صنيعته .. هنا لاحظ الاضطراب الذي انتاب أنبلا ..
ـ " ماذا دهاك ..؟"
ـ " لا أدري أشعر باضطراب شديد تجاه النار .."
أخ!.. عيوب الصنعه .. لابد من وجود أثر جانبي.. هكذا علمته التجارب . قال له في تؤدة :
ـ " لا تظهر خوفك من النيران أمام أحد.. النيران نقطة ضعف بني جنسك ."
كان يكره ذلك.. ولا يفهمه.. ولم يعد الرجوع للوراء ممكناً..
أطرق للأرض وقال من بين أسنانه :
ـ " أريد أن أجرب موهبتي الجديدة .."
ـ " فقط لا تترك شهوداً .."
جثث عديدة وجدت لرفاق الأمس خالية من الدماء .. ولم يفهم أحد سبب ذلك .. ثقافة مصاصي الدماء لم تكن منتشرة في اوساط شعبنا خصوصاً في أوساط الدراويش .. لذا عزى ذلك البعض أنه مرض ما أو طاعون يترك الجثة خالية من الدماء .. لكن أحدهم لم يربط بين ذلك وبين الشاب أنبلا خصوصاً أن كل من ماتوا كانوا معارضين لفكرته ولم يبق إلا من يؤيدها .. العارف فهم هذا في اللحظة الأخيرة وقرر أن يصارح أنبلا بذلك لكن هذا كما ذكرنا كان في اللحظة الأخيرة ..
ساعتها فهم العارف .. ودماء الحياة تتسرب منه.. فهم .. والذعر يطل من عينيه .. فهم .. والأرض تميد من تحته .. فهم .. لكنه تمكن من قول شيء ما بصوت واهن :
ـ " أنت الشيطان.."
ترك أنبلا عنقه قليلا ليتمكن من الكلام.. قال كلمة واحدة مقتضبة :
ـ " ربما ."
ثم عاد إلى عنقه ليكمل مهمته الأثيرة ...

***

(الجزء التالي من الملفات السرية لسلطة الشعب الأسمر)
استطاع أنبلا أن يجلب المزيد من المتعاونين لتنظيمه الجديد .. فقد علمه فريمان كيف يباشر ضم أعضاء جدد بنفسه .. كان أنبلا يختار العضو الجديد بعناية ولا يجعله يتناول السائل الأسود إلا بعد تمحيص شديد .. بعدها يدلي بالقسم الخاص قبل قبوله كعضو في أخوية أنبلا
أسس أنبلا جماعته التي كانت تعرف باسمه في ذلك الوقت لا على أنهم مجرد مجموعة من الدراويش في التكايا .. لكن على أنهم تنظيم عسكري هرمي صارم بالمعنى الحرفي للكلمة ..
تنظيم من مصاصي الدماء عاشقي الظلام .. لكن لهم غرض فريد .. السيطرة .. والسيطرة الكاملة .. على القلوب وعلى المفاهيم ..الحق لن يعرف إلا من طريق واحد ألا وهو طريق ..أنبلا..
الظلام هو الأصل .. وهو الحق الذي لا مراء فيه .. والصدام مع سلطة شعبنا كان أمراً حتميا ً.. وهل صنع الظلاميين إلا من أجل ذلك ..
بدأ رجال السلطة يلاحظون زيادة الضحايا من أبناء شعبنا حينما يجن الليل .. العديد من الجثث الخالية من الدماء وجدت في الشوارع الخلفية وظل الفاعل مجهول .. ثم وجدت جثة أحد كبار المسئولين لشعبنا خالية من الدماء في حجرة مكتبه .. هنا جن جنون السلطة .. الأمر أشبه باغتيال سياسي .. منصب الرجل الامني بالغ الحساسية لكن الذي اثار الشكوك أنه كان يهاجم دائماً جماعة أنبلا ويتهمهم بأنهم تنظيم عسكري في دثار من الدروشة .. بدأت الشكوك تحوم حول أنبلا ورجاله وفي النهاية تمكن رجال السلطة من تحديد الجاني هذه المرة .. وبالفعل وقع عدد من خفافيش أنبلا في قبضة رجال السلطة رغم استعمال التنظيم للمكر والدهاء والخفاء في اقتناص الفرائس من الشعب .. واعترفوا تحت الضغط .. جماعة أنبلا الظلامية وراء كل الأحداث .. الغريب أن من اعترف منهم كان يتكلم بتلقائية وكأن امتصاص دماء الناس حق مكفول وواجب محتوم .. كان الإنكار لكل ما ارتكب من جرائم هو شعار الظلاميين وفي الصباح أعلن أنبلا أن هؤلاء ليسوا منه وليس منهم ..! بل هم خارجون عن سيطرته..
ـ "نحن مجرد مجموعة من الدراويش! "
لقد صنع فريمان كابوساً يؤرق منام شعبنا في كل ليلة .. تحسس عنقك يا أخي فهل هذه الليلة ليلتك ..؟ الذعر والرعب .. كانا شعار المرحلة
و بدأت عمليات الدراويش منذ ذلك الحين تأخذ منحى سياسي ..
وبدأت أنظار الشعب تتجه بالبغض لتلك الطائفة التي يرتكب أفرادها الجرائم بالليل ويتبرأ زعيمها منهم بالنهار.. حتى أنبلا بدأ يشعر بالقلق
تجاه أبنائه الذين صنعهم بيديه.. لقد صنع وحوشاً يصعب السيطرة عليهم
وفي لحظات بعينها كان يقف بينه وبين نفسه ويتذكر اليوم الذي انقلب فيه على شيخه العارف.. مازال مذاق الدم الصدئ عالق بلسانه كالأشواك..
ترى هل سيأتي اليوم الذي سيعضه فيه أحد كلابه التي سمنها؟
" السنا على الحق؟ "
" ألم تعلمنا أن الظلام هو الأصل؟ "
" لماذا تحول بيننا وبين الهدف الذي جمعتنا من أجله.."
أين أنت يا فريمان؟.. هكذا تساءل وهو يتراجع بظهره أمام هجمة الأسئلة الحانقة.. لن يعطيهم ظهره.. هذا ليس مضمون العواقب..
هل حدث ما حدث في ذلك اليوم أم بعده؟.. لا نعرف تحديداً.. المهم أن جثة أنبلا الخالية من الدماء كانت حديث الساعة.. لم يحزن أبناء شعبنا على رحيل ذلك الكابوس.. فقد نال جزائه الأوفى على يد أبنائه..
لكن الأبناء كان لديهم رأي أخر.. أنبلا قتله رجال السلطة.. أنبلا شهيد الفكرة التي ذرعها في عقول طائفته.. وجثته الخالية من الدماء تمويه عبقري من سلطة شعبنا لصرف التهمة إلى أبنائه!..
رحل أنبلا ولم ترحل معه فكرته ولا من يدعمها ..
تم حظر التنظيم وقبض على العديد من أبناء أنبلا .. لكن الباقون لجأوا إلى الأقبية والمغارات .. ومن يومها سماهم شعبنا بالظلاميين .. تعاقبت عدة قيادات بعد أنبلا وحملت أعباء التنظيم بعد المؤسس .. وطبعاً كانت على علاقة ما بفريمان .. وبعد رحيل فريمان لم تنقطع العلاقات بين بني الأصفر والظلاميين .. فريمان ترك المخطط لمن يتولاه من بعده وهكذا يترك كل خلف الملف كاملاً لمن وراءه .. والأيام تمضي وتطوي معها الحقائق وتلقي على الأذهان غبار النسيان ..
نسى شعبنا من هم الظلاميين .. وانقرضت أجيال عاصرت المأساة وظهرت أجيال لا تعرف عن الظلاميين إلا مجرد الاسم .. فقط رجال السلطة هم من حملوا عبء مكافحة الظلاميين.
هنا يأتي الجزء الثاني من المخطط الشيطاني .. تعكير صفو العلاقة بين شعبنا وسلطته..
كل يوم يمر كان يباعد الفجوة بين رجال السلطة وأبناء الشعب الطيب المطحون .. ويقربهم من الكلاب المسعورة المتربصة تحت الأرض..
ومن هنا استطاع الظلاميين الظهور من جديد كفصيل مضطهد من فصائل شعبنا المطحون .. ووجد من يصدقه ويتعاطف معه .. ويتظاهر من أجله مدافعاً عن حقه في الخروج للنور ..
ووجدوا كذلك مصدراً جيداً للطعام !

***

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام..
حتى الظلام.. هناك أجمل فهو يحتضن الكنانة..