عرض مشاركة واحدة
قديم 09-09-2010, 06:01 PM
المشاركة 189
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الحرمان من النوم:

في مركز لأبحاث النوم تابع لجامعة (لفبره) (Loughborough) (في إنجلترا) قام طبيب يدعى (جيم أورن) بتجربة من شقين في محاولة جديدة لكشف غموض لغز النوم.

في الشق الأول من التجربة قام الطبيب المذكور بدراسة (مراحل النوم) مستعيناً بجهاز (رسام المخ الكهربي) لمعرفة درجات نشاط المخ المختلفة، وشفع ذلك بمتابعة ظواهر فسيولوجية أخرى، تعكس نشاط الأجهزة المختلفة في جسم الإنسان.


وفي الشق الثاني من التجربة، وضع بعض المتطوعين في تجربة فريدة، بحرمانهم من النوم مدة ثلاثة أيام متعاقبة، بهدف معرفة ما إذا كان النوم ضروريٌّا لأداء الوظائف الطبيعية المختلفة كل يوم، أم أنه عادة لا ضرورة لها، وعلى الرغم من أن مثل هذه التجارب أجريت من قبل في مراكز أخرى، إلا أن تكرار التجربة قد يكشف عن شيء جديد.


كانت نتائج الشق الأول من التجربة على النحو التالي:

عندما يأوي الإنسان إلى فراشه للنوم، تبدأ عدة ظواهر فسيولوجية في الوقوع، من ذلك أن درجة حرارة الجسم تأخذ في الانخفاض، كما ينخفض معدل إفراز هرمونات (الغدة الكظرية) (الغدة فوق الكلية) suprarenal gland.

والغدة الكظرية واحدة من الغدد الصماء التي تصب إفرازاتها مباشرة في تيار الدم العام. وهي تفرز هرمون (كورتيزون) (وهرمونات أخرى).


وفي أول النوم، يخامر الإنسان شعور بأنه (يطفو) أو (ينجرف) في تيار ماء. وبعض الناس يصف ذلك بأنه شعور بخفة وزن الجسم. وتعرف هذه المرحلة باسم (المرحلة الأولى) وتتميز بانخفاض ـ أحيانًا يصحبه اضطراب ـ في شدة موجات المخ كما تظهر على جهاز (رسام المخ الكهربي) (ويعرف اختصارًا بالحروف EEG).


وتبدأ (المرحلة الثانية) حين يتغير شكل موجات المخ على جهاز الرسم، ليأخذ طبيعة منتظمة وشكلاً مميزًا، يبدأ بموجات مرتفعة (طويلة أو عالية) تأخذ في الانخفاض تدريجيٌّا. ويتكرر نمط هذه الموجات (أو الرسوم) كل عدة ثوان. ويمكن إيقاظ النائم بسهولة في هذه المرحلة.

أما (المرحلة الثالثة) فتتميز بانخفاض أكبر في نشاط المخ الكهربي، مع انتظام ضربات القلب بمعدل ستين نبضة في الدقيقة, كذلك يكون التنفس بطيئًا ومنتظمًا، كما ينخفض ضغط الدم. وتوصف هذه المرحلة من النوم بأنها (متوسطة العمق).


و(المرحلة الرابعة) أو مرحلة (النوم الحقيقي)، تتميز بالعمق، بحيث لا ينتبه النائم إلى معظم المؤثرات الخارجية، على الرغم من أن المخ يستقبل جميع المنبهات الخارجية بـ (يقظة)! ومن الصعب إيقاظ النائم في هذه المرحلة، فإذا أجبر على الاستيقاظ فإنه يشعر أن جسمه ثقيل، وقد يصاب بصداع وغثيان، على أن قدرة الجسم على التكيف سرعان ما تعيد الأمور إلى نصابها، فيمر كل شيء بسلام!


وبينما (يغوص) النائم إلى (المرحلة الرابعة) فإنه (يطفو) مرة أخرى إلى مرحلة قريبة من (المرحلة الأولى)، تعرف باسم (مرحلة حركة العين السريعة)، وفي هذه المرحلة تقع الأحلام.

وجميع مراحل النوم المذكورة تكوّن ما يسمى (دورة النوم) وتستغرق الدورة الواحدة بين ثمانين إلى مائة وعشرين دقيقة، وتتكرر (دورة النوم) عددًا يتوقف على عدد الساعات التي ينامها الإنسان.


في الشق الثاني من التجربة،
حيث حرم بعض المتطوعين من النوم مدة ثلاثة أيام متتالية، اتضح أن الأشخاص موضع التجربة مروا بدورة النشاط اليومية الطبيعية، فأظهروا فترات نشاط وخمول متعاقبة، ولم يتأثر أداء الوظائف الجسمانية بالحرمان من النوم، بينما تأثر النشاط العقلي بدرجة قليلة مع الأعمال التي تتطلب تفكيرًا منطقيٌّا وقدرًا من الإبداع، أما الأعمال المملة المتكررة، فأظهرت تدهور النشاط العقلي بدرجة كبيرة، وظهر بعض الضعف في أعمال تتطلب مجهودًا عضليٌّا في اليوم الثالث.


ويبدو أن صغار السّنّ أقدر على احتمال الحرمان من النوم بدرجة تفوق احتمال الكبار. فقد استطاعت فتاة في العشرين من عمرها أن تواصل التجربة في اليوم الثالث إلى نهايته، بينما غلب النوم رجلاً في الأربعين من عمره بمجرد انتهاء التجربة!


وبعد الحرمان من النوم، لوحظ أن الأشخاص موضع التجربة ناموا بين أربع عشرة إلى ست عشرة ساعة، وفي هذه الساعات، أنفقوا وقتًا طويلاً في مرحلة الأحلام (مرحلة حركة العين السريعة)، وبعد الاستيقاظ من النوم، ظهرت دلائل اضطراب في وظائف أجهزة الجسم المختلفة، ولم تَعُدْ هاتِهِ الوظائف إلى طبيعتها إلا بعد انقضاء عشرة أيام على انتهاء التجربة!


في تجربة مشابهة أجريت بمعرفة (مركز أبحاث النوم) التابع لجامعة (أوهايو) (في الولايات المتحدة) تم حرمان بعض المتطوعين من النوم لمدة خمسة أيام متتالية. وقد ظهرت على المتطوعين علامات إعياء شديد، وانخفاض حاد في القدرة على التركيز والتفكير، وفي اليوم الخامس كان المتطوعون في حالة عجز شبه كاملة عن الحركة، وانخفضت القدرة على التفكير وصنع القرار إلى أدنى مستوى لها، كما صدرت عنهم (هلوسة) شبيهة بهذيان المحموم!


والخلاصة التي يمكن استنتاجها من هذه التجارب، هي أن النوم ضرورة حياة، وأنه لازم لكي تتمكن الأجهزة المختلفة في الجسم من أداء وظائفها الطبيعية بصورة سليمة، كذلك يتضح أن للأحلام دورًا هامٌّا في تخليص الجسم من التوتر، وفي (تحرير المخ) من ضغوط الأفكار اليومية المتضاربة، يدل على ذلك أن الذين يحرمون من الأحلام أثناء النوم يعانون من توتر متزايد، وسطحية في التفكير نتيجة العجز عن تكوين صورة عقلية متكاملة لمواقف الحياة المعقدة!