الموضوع: أنت طالق...!!
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-27-2014, 11:24 AM
المشاركة 59
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
استخدام تكنيك الفلاش باك وهل نجحت القاصة في هذاالاستخدام؟

- المعروف ان احداث القصة القصيرة يجب ان تتمحور حول نقطة زمنية محددة وغير ممتدة ولذلك ارى بان الفلاش باك هو حتما تكنيك يساعد في التحايل الفني على زمن النص ويخدم هذا الغرض ...
والغاية منه هو جعل كل الازمان الممتدة والتي مهما طال امتدادها...تساند وتخدم زمن القصة الذي يجب ان يكون محدودا في القصة القصيرة كما هو معروف...
واتصور ان القاصة هنا احسنت استخدام هذا التكنيك، فهي تبدأ القصة بمشهد تدور احداثه في الزمن الحاضر:

"حملت حقائبها المثقلة بأوجاع السنين، وراحت تدقُ أبواب الرّجاء، وتنفضُ عنها غبار الحسرة جاهدة، بعدما شَربت نخب طلاقها، ووشمت حُروف اسمها في لائحة المطلقات، وهي توزع خطواتها على شارع المجهول، وقد استفردت بمخيلتها الهشة غربان الحيرة، تنعب في قفارها، فطفقت تتفحص معالم الحاضر، لوحة قديمة جرّدت من الألوان، بعد ما نسفتها أفواه الزمن الواسعة، وتُقلَب حجارة الواقع...كأنما تبحث خلف جمودها عن ثورة عشق كتمت أنفاسها، وتاه صهيلها عند منعطفات الهوان.!"

- ونعرف من خلال هذا المشهد ان الحديث يدور عن بطلة اوقع عليها زوجها الطلاق وبدأت تتحرك ان كان ذلك معنويا او افتراضيا او واقعيا.. ثم تعود بنا القاصة من خلال تكنيك الفلاشباك لتروي لنا ما الذي جرى وكيف تطورت الاحداث خلال السنوات الممتدة الى ثلاث سنوات من الزواج وقبل ذلك زمن جرى فيها ان تعرفت على نبيل وتظل هذه الاحداث تساند بعضها بعضا الى ان نصل الى النتيجة التي وردت في المشهد الاول

"كان لايزال ربيع عمرها يدرج على سلالم النضوج الأنثوي، تلك الفاتنة، عندما تقاطرشهد السعادة من أنفاسها الملتهبة شوقا للقاء.
نبيل....!عطرُ كلماته ها قد انفتحت قارورته المنسية في ثنايا الذاكرة، واقتحم أسوارها دون استأذان، لتجد نفسها منغرسة به طريقا ترامت مسافاته، ، وتعسَرت قراءة عناوين محطاته.
ها هوذا طيفه ينبعث من ردحات الماضي البعيد، ليغشى عينيها الناعستين، ويهرق الأمل صوب دواخلها المرتعشة، ويذكّرها بالوعد الذي كتب صحيفة بقائه السّرمدي بدماء قلبه النابض حبا وألما:
- رحمة ... مستحيل أن يأخذك غيري....مستحيل...!!"
تلك كانت رواسب زفرات اشتعلت بها نيران غيرة هوجاء، حيال ما اكتشف المتيم أن حبيبته، وضياء عينيه، سينتشلها من بين يديه آخر، وأن لافتات الفراق ستُعلى هاماتها قريبا، في حين تتوارى الأحاسيس النازفة حرقة وولها، وتركل بعيدا أمانيها على رصيف الأوهام، بقدم سلطة والدها، الذي أقسم أن زواجها سيتم ذات ليلة كُسرت فيها آخر الفوانيس للقيا الحبيب، واستبدلت بدخان خانق.
ليلة فيها تبعثرت الرؤى، وتلعثمت خطى المشاعر، وانسدل ستار أسود معلنا عن النهاية، تحت وقع الدفوف، وزغاريد النساء، عندما زرعوها بذرة ورد غريبة بأرض تمادت مساحات جفافها وتعذر عليها استنشاق الهواء عبر مساماتها الضيقة، أين اجتثت جذور كرامتها وألقي بوريقاتها ذاوية في المتاهات
بين عشية وضحاها، أمست تلك الحورية الجميلة خادمة البيت، وجارية السيد العظيم.
شكواها لوالدتها لم تكن لتغير مستحيلا، أو تعبث بالتواءات خط رسمته لحياتها يد الجبروت..!
شريط من الأحداث السوداء توالت حلقات مسلسله، ناشبة أظافرهاعلى شجيرة عمرها الأخضر، وكاتمة على أنفاسها حدّ الهذيان .
- متى؟ كيف؟ هل من سبيل؟ تساءلت بمرارة، ورفعت راية الإحتجاج بصمت، إلى أن أغمي على أفكارها، وأعلنت الإستقالة من عالم الأحياء...!
ثلاث سنوات مضت، تجدولت معاييرها بمسطرة الأنانية، والذكورة الضاربة جذورها في دركات التيه والغطرسة!
والدها الذي استحوذ على تأشيرة التحكم بقراراتها، لأنها ابنته من لحمه ودمه، ومضى يسخّن طبل عجرفته على جمر تأوهاتها ودمع التوسل الملتهب على وجنتيها، وزوجها "الحاج معمر" أحمق،و بخيل ، .قد نُسجت طباعه بغزل القسوة والتعنت...وله من النساء ثلاث...إلى أن سقطت منهارة لا تدرك لأبجديات واقعها الميؤوس منه أدنى التفاتة أو مفهوم صواب..!
وكم ذا تأفف واستشاط غضبا لمنظرها وهي تذوب على فراش المرض كقطعة سكر في بركة ماء، إلى أن تداركته إشراقة شمس دافئة، وهو يلقي بشحنة سخطه اللاذعة في مغاور صدرها، أفعى قاتلة، مربوط بذنبها خيط النجاة:
-"أف... لقد سئمت منك ومن مرضك هذا الذي لا ينتهي أبدا ..أنت طالق...
- طالق .!!؟؟"



- فيعود الحديث عن الزمن الحاضر واستمرار لزمن القصة المحدود حيث تخبرنا القاصة بأن البطلة تابعت حركتها الافتراضية والنفسية وتحركت واقعيا بأن ذهبت الى منزل والدتها لتنتهي القصة عندما تصل تلك الفتاة الى احضان امها..

"لم تكن هذه الكلمة ولاريب، إلاَ نسمة من شواطئ الأمل اخترقت جدار العتمة أخيرا، وخلّفت في زواياها المنحنية فوهة،بعثرت من خلالها أشواك المآسي ، ورشّت على عنفوانها الكاسر ترياق الطمأنينة بخاطرها. لم تدر كم من الوقت ارتشفته الدقائق المترامية خلفها، كما حبات خرز ملساء انقطع سلكها فجأة في حضن الزمان."
فتحت والدتها الباب فجأة، وإذا بطبول قلبها المرهف تصخب معلنة عن ميلاد مأساة شبيهة لمآسيها الماضية لتنحشر تحت براثنها من جديد. عندما وقعت أولى نظراتها على صفحة وجهها العابس، المتحسر، لاحت على شفتيها إبتسامة باهتة. حدقت بها طويلا تقرأ سطور التذمر الملونة بالعتاب بين سهام رموشها، ثم باكية إنجذبت نحوها بمغناطيس الأمومة، المنبثق من لدن نفس مزقتها خناجرالألم ، في مجتمع غرست شياطين التخلف أنيابها في ذاكرته المتهدلة، وعششت على أعرافة عناكب الجهالة.

- ربما ان البهرجة اللغوية الفذة والحديث عن حركة نفسية افتراضية كما ورد في المشهد الاول عقد الاسلوب السردي والحبكة لكن اذا اتفقنا ان الغرض من تكنيك الفلاش باك هو جعل زمن القصة محدود وجعل كل الازمان مهما امتدت وانتشرت في مساحتها يخدم زمن القصة فلا شك ان القاصة نجحت في هذا الاستخدام ...وهي استخدمت كلمات محددة تجعل المتلقي يعرف بأنها انتقلت في حديثها من الزمن الحاضر الى الزمن الماضي...ثم استخدمت كلمات اخرى تدل على الزمن الحاضر لتعلن انتهاء الاستخدام لتكنيك الفلاش باك والعودة الى الزمن الحاضر الذي وقعت فيه القصة وهي حادثة الطلاق وما جرى بعدها ، اي ان زمن القصة والذي وقعت فيه احداث الحبكة يمتد من لحظة الطلاق الى لحظة وصول بطلة النص الى منزل والدتها رغم اننا علمنا من خلال التكنيك المذكور كل الاحداث التي اوصلت النص الى تلك النهاية.