الموضوع: الإسلام والعقل
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
9

المشاهدات
5229
 
ايهاب الشباطات
من آل منابر ثقافية

ايهاب الشباطات is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
49

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Jul 2011

الاقامة

رقم العضوية
10156
01-03-2014, 03:08 PM
المشاركة 1
01-03-2014, 03:08 PM
المشاركة 1
افتراضي الإسلام والعقل
قال الفيلسوف وعالم الإجتماع الإنجليزي هربرت سبنسر "هنالك مبدأ وجدَ لعرقلة جميع الحوارات ولصد أي نقاش بنّاء هذا المبدأ هو فكرة التصور المسبق وهي كفيلة بإبقاء البشرية في جهلٍ مُطبق", لدى كل البشر تصورات مُسبقة وهذه التصورات المسبقة ترتبط بها أهواء وعواطف , والعقل البشري يحتوي ألاف وألاف من التصورات المسبقة فعلى سبيل المثال لو كنتَ عطِشاً وجئت لك بكأس ماء بارد ستشربه بالتأكيد , هوى النفس لديك سيكون مع وليس ضد وعاطفتك ستكون إيجابية تجاه ذلك وليست سلبية لكن إذا جئت لك بكأس "وقود نفطي" هل ستشربه ؟ هوى النفس لديك مع أو ضد ؟ عاطفتك سلبية أم إيجابية تجاه ذلك ؟ بالتأكيد لا , لأن لديك تصور مسبق أن "الوقود النفطي" يؤذي إن شربته ولا يروي الظمأ , هذا التصور المسبق مع ألاف من التصورات المسبقة مغروس وتغرس في عقلك منذ طفولتك إلى وفاتك وترتبط بها أهواء وعواطف , والأصل في العقل البشري إن أراد أن يحكم على شيء أو أمر مختلف فيه بين البشر أن يحكم فيه بعقله المجرد من التصورات المسبقة والأهواء والعواطف المرتبطة بها , العقل غير المسيس والمبرمج والمؤدلج. وهذا الكلام ليس فلسفياً ترفياً إنما نعلمه من كتاب الله عز وجل فالكتاب الذي احتوى على "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ" هو نفسه الكتاب الذي احتوى آياتٍ في سورة النساء نزلت في تبرئة يهودي أُتهم زوراً بالسرقة من قِبل أناس مسلمين , فالتصور المسبق والعواطف والأهواء عن اليهود هنا لم يكن لها دور في معرفة الحقيقة في هذه الحادثة ! , وقال تعالى "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا" , قال الخطيب العربي أكثم بن صيفي :"آفة الرأي الهوى" .



قال الشنقيطي في كتابه "آداب البحث والمناظرة" : "واعلم أن علم التصور في الاصطلاح هو (إدراك معنى المفرد من غير تعرض لإثبات شيء له ولا لنفيه عنه ) ,كإدراك معنى اللذة ,والألم , ومعنى المرارة , ومعنى الحلاوة, وإدراك معنى الإنسان ,ومعنى الكاتب ..... والإدراك في الاصطلاح هو:( وصول النفس إلى المعنى بتمامه ) , فإن وصلت إليه لا بتمامه فهو المسمى في الاصطلاح بالشعور " .

وحقيقة أن يأتي شخص ما بحقيقة ما ويرفضها مجتمعه لأنها تخالف التصورات المسبقة التي لديهم معروفة لدى العقل البشري , تطرق إليها القرآن من خلال موقف أقوام الأنبياء منهم لأنهم قالوا أموراً تخالف ما كان عليه أبائهم وتطرق إليها الأدباء والفلاسفة مثل الفيلسوف اليوناني أفلاطون في قصة "الكهف" والأديب العربي جبران خليل جبران في قصة "يوحنا المجنون" وغيرهم كثير ...
ولعل مسألة التصورات المسبقة هي واحدة من أقوى الشبهات الفكرية الجدلية لدى الملحدين وعموم اللادينيين فيقولون لك : الشخص الذي يولد في بيئة كاثوليكية يبقى يردد أن الكاثوليكية هي الحقيقة وهي طريق النجاة من النار...., والشخص الذي يولد في بيئة مسلمة يبقى يردد أن الإسلام هو الحقيقة وهو طريق النجاة من النار ... ولو عكست حال الشخصين لظل كل واحد منهما يردد ما سمعه من بيئته فالمسألة حسب اللادينيين ليست مسألة حقيقة ربانية بل مسألة تصورات مسبقة مبثوثة من البيئة الإجتماعية ترتبط بها أهواء وعواطف ويكون إنتماء الفرد لدينه كإنتماءه للقبيلة.... قال أحد منظري الإلحاد ريتشارد دوكنز في كتابه "وهم الإله" :"إذا كنت تشعر بأنك عالق في الدين الذي تربيت عليه إذن فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف تم ذلك ؟ الجواب نجده عادة في التلقين الذي نتلقاه في مراحل الطفولة . لو أنك متدين فالإحتمال الأكبر أنك على دين أبائك. لو ولدت في آركنساس ستفكر بأن المسيحية هي الدين الحق والإسلام كذبة كبرى وتعلم تماماً بأن العكس هو الصحيح فيما لو كنت مولوداً في أفغانستان . لهذا فأنت ضحية تلقين ديني من مرحلة الطفولة في كل من آركنساس أو أفغانستان ." , وهذه الشبهة هي أطروحة منطقية لو رُميت على أي ديانة غير الإسلام لأسقطتها لكن حين تُرمى على الإسلام فتلك الأطروحة تسقط لأسباب كثيرة منها :


1. وجود مفهوم المنافقين في الإسلام , النفاق الذي يا طالما تحدث عنه القرآن والنبي محمد –صلى الله عليه وسلم- فالمنافق قد يولد من أبوين مؤمنين في بيئة مسلمة وربما يصلي ويصوم ويظل يغني وينشد للإسلام ويقرأ القرآن .... قال عليه الصلاة والسلام: ( ومَثَل ُ المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مُر , ومَثَلُ المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مُر) , والمؤمن قد يولد من أبوين منافقين .... وفي الأسرة الواحدة قد يكون عمرو مؤمناً وشقيقه زيد منافقاً ..., لكن بالنهاية المؤمن يدخل الجنة والمنافق يدخل النار قال تعالى : ( إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) , فمسألة التمسك بالحقيقة والوصول إلى الحق والباطل ومصيرهما في الإسلام لا تكون من خلال برمجة بيئية خارجية تبث تصورات مسبقة معينة ترتبط بها أهواء وعواطف وإنما من خلال إرادة ذاتية داخلية حرة ومستقلة .


2. توافق عقيدة الإسلام مع الإدراك بعيداً عن التصورات المسبقة والبرمجة البيئية فلو عزلت إنساناً منذ ولادته عن إي بيئة بشرية في جزيرة معزولة مثلاً-كحال صاحبنا حي بن يقظان لابن طفيل- وبدأ هذا الإنسان يكبر ويتساءل عن وجوده وسبب خلقه وينظر في المصنوعات من حوله في البحار والأشجار والسماء والنجوم .... فلن يتوصل إلى أن هذه بلا موجد وأنها نتجت من العدم كما يجادل الملحدون عبر استنتاجاتٍ ارتبطت أصلاً بتصوراتٍ مسبقة من البيئات البشرية ولن يتوصل إلى الهندوسية مثلاً بتعقيداتها -يقول نائب رئيس الهند سارفيبالى راداكريشنان " إن الهندوسية لا يمكن تعريفها ، يمكن فقط اختبارها"- , ولن يتوصل إلى معتقد الكاثوليكية وما يشمله من النزول والتجسد والتضحية والصلب وقدسية الصليب مهما تفكر , ولن ولن ..... لن يصل إلا أن هنالك موجداً عظيماً واحداً وراء هذا ثم سيبدأ بالتساؤل عن سبب خلقه ثم سيغرق مرةً أخرى بالتفكر والتدبر... وسيبدأ بالتساؤل عن كيفية شكر هذا الخالق , وهذا هو الإسلام وكل دعوات الرسل من قبله إلى التوحيد ! قال تعالى : "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ " , كان زيد بن عمرو بن نفيل قبل الإسلام قد رفض كل التصورات المسبقة الوثنية –وحساب أهل الفترة الذين لم يبلغهم الرسل على الله – وكان يقول "اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به , ولكني لا أعلم" , قامت إمراة أمريكية بتجربة فريدة من نوعها في أمريكا وكان لديها صبي فقالت في نفسها لن أجبره على دينٍ ما وسأعزله عن أي توجيهٍ ديني و باتت تحضر له كتباً تعريفية للأطفال عن ديانات مختلفة فاختار الطفل الإسلام بمعزلٍ عن أي توجيهٍ خارجي , ويقول علماء الأنثروبولوجيا إن بنية دماغ الإنسان مصنوعة بشكل يؤهلها نحو الإيمان, قال الدكتور جاستون باريت –الباحث في مركز العلم والعقل في جامعة أكسفورد- : "إذا رمينا أطفالاً لوحدهم على جزيرة وتربوا بأنفسهم فسيؤمنون بالله" , قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) , ولعلنا نرى هذا الآن بأعيننا فالذين يبحثون عن الحقيقة في العالم خاصةً في الغرب الذي تسوده عقائد النصرانية والإلحاد يتوجهون إلى الإسلام بمعزلٍ عن التصورات المُسبقة والأهواء والعواطف –فالتصورات المسبقة المبثوثة عبر وسائل توجيه الرأي العام في الغرب عن الإسلام هي سلبية كما يعلم الجميع- ولا يمكن مشابهة من يتركون الإسلام على أيدي المنصرين طمعاً في مكاسب دنيوية في أدغال أفريقيا وغيرها بأولئك بأي حالٍ من الأحوال , وحتى الذين يلحدون في مشارق الأرض ومغاربها فإنما ارتكز إلحادهم على تصورات مسبقة من إنتاجاتٍ بشرية تراكمت عبر قرون إلى جانب صدمات نفسية من مجتمعاتهم البشرية, كانت تلك التوجهات الإلحادية مدعومة أصلاً بتصورات مسبقة من خلال ما يُسمى في الإسلام بالوساوس الشيطانية –هواجس بشرية عند الملحدين- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يَأْتي الشَّيْطانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذا مَنْ خَلَقَ كَذا حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَه )ِ , وبغض النظر من سخرية الملحدين أو تصديق المسلمين لمفهوم الوسوسة الشيطانية فإن ذلك يدحض فكرة التصورات المسبقة التي يروج لها الملحدون ضد الإسلام بل بالعكس هي حجة عليهم أمام الإسلام وليست لهم فهنالك وسواس أو هاجس أو سمه كما شئت يأتي للمسلمين بالإلحاد ولكن لا يوجد وسواس أو هاجس يأتي لغير المسلمين الذين لم يسمعوا يوماً بنبي الإسلام محمد ويقول لهم إن عليكم أن تتبعوا محمد ! .


3. سلامة النقل في الإسلام وتفرده في هذا , في أي خبر ٍ يرد إلينا هنالك الحكم النقلي على صحته والحكم العقلي , دعني أضرب مثالاً في قرية ما يأتي عشرة رجال معروفون بالصدق والأمانة ويقولون أن ذئباً أكل خاروفاً من قطيع الخراف التي ترعى خارج القرية , فهل لو كنت فرداً من داخل القرية ستصدق هذا أم لا ؟ الحكم النقلي هنا إيجابي فالرجال الذين نقلوا الخبر ثقات , ويأتي هنا دور الحكم العقلي على الخبر هل من الممكن أن يقوم ذئب بافتراس خاروف ؟ نعم ممكن إذن الخبر في ظاهره صحيح ! , الآن دعنا نفترض لو أن شخصاً واحداً يُعرف بالكذب في القرية وجاء وقال أن عصفوراً قام بافتراس أربعين من الخراف ثم طار هارباً ! ما هو حكمك النقلي والعقلي على الخبر ؟! , حسناً لقد ولدنا في العصر الحديث ونسمع عن رجل يدعى محمد يدعو إلى لا إله إلا الله ....., ونسمع عن دياناتٍ أخرى لها أخبارها وأصحابها أيضاً .... ما الذي يضمن لي ولك أن تلك التي وصلتنا من قرون صحيحة ؟! وهنا أتحدث عن الحكم النقلي فقط من دون الخوض في الحكم العقلي , وخبر الإسلام جاءنا في القرآن والسنة قال الشافعي: (القرآن وعاء والسنة غطاء) , والقرآن تم حفظه بالصدور قبل السطور من عوام المسلمين وعلمائهم جيلاً وراء جيل إلى جيلنا هذا ونرى قُراءً ثقاتاً أخذوا قراءته عن شيوخهم الذين أخبروا أنهم كانوا ثقاتاً عن ..عن ...عن... وهكذا , وكذلك السنة بأسانيدها ومتونها نرى محدثين ثقاتاً في مشارق الأرض ومغاربها أخذوها عن... عن... وهكذا فكان هنالك علم "الجرح والتعديل" في توثيق كل صغيرة وكبيرة عن أي ناقل حديث.... , فلا تشعر في قلبك بشبهة تحريف بزيادة أو نقص أو اختلاق من حيث الحكم النقلي , ومثل هذا الأمر لا تجده في غير الإسلام من الديانات فسلامة النقل مطعون بها في غيره , ولنأخذ الكاثوليكية على سبيل المثال فلم يكن لها أي كتاب حتى القرن الرابع الميلادي وفي 325 ميلادي في مجمع نيقية أنتخبوا أربعة أناجيل من بين عشرات الأناجيل المتضادة مع إحدى وعشرين رسالة من بين رسائل لا تعد ولا تحصى فتم انتخاب ما عُرف لاحقاً بالعهد الجديد من ثلث أعضاء المجمع أما الثلثان الآخران وعلى رأسهم "آريوس" فكانا يقولان بأن المسيح ما هو إلا مخلوق وعبدالله ..... إضافة إلى أن العهد الجديد طرأ عليه تعديلات عبر القرون اللاحقة ..., فأين سلامة النقل في هذا وما هو حكمنا النقلي ؟ , قال ابن خلدون في تاريخه "إن النفس إذا كانت على حال الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تبين صدقه من كذبه، وإذا خامرها تشيع لرأي أو نِحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة، وكان ذلك الميل والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص، فتقع في قبول الكذب ونقله" .


4. لا نجد في عقيدة الإسلام ما يصادم العقل كسائر الديانات , فعندما نقول لا إله إلا الله وليس كمثله شيء ...., فكل هذا لا يتعارض مع العقل ولا يصادمه فلكل موجودٍ لا بد له من موجد ولا ينبغي لذلك الخالق أن يكون كالمخلوق الذي تجري عليه قوانين الطبيعة وسنن الكون فهو رب وخالق تلك القوانين والسنن وموجدها قبل أن توجد فأنى لها أن تجري عليه ! ..... , وفي هذا تكلم العلماء مجالساً وألفوا كتباً منهم ابن تيمية صاحب "درء تعارض العقل والنقل" وغيره كثير ..., قال فيه : "وإن كان يظن طوائف من المتكلمين و المتفلسفة أن الشرع إنما يدل بطريق الخبر الصادق , فدلالته موقوفة على العلم بصدق المخبر , ويجعلون ما يبنى عليه صدق المخبر معقولات محضة – فقد غلطوا في ذلك غلطاً عظيماً , بل ضلوا ضلالاً بعيداً , في ظنهم أن دلالة الكتاب والسنة إنما هي بطريق الخبر المجرد , بل الأمر ما عليه سلف الأمة ,أهل العلم والإيمان, من أن الله سبحانه وتعالى بيّن من الأدلة التي يُحتاج إليها في العلم بذلك ما لا يقدر أحد من هؤلاء قدْرَه , ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخلاصته على أحسن وجه ." , فلا يتعارض العقل البشري-حتى ذلك العقل المشبع بالتصورات المسبقة- مع عقيدة الإسلام بأي حالٍ من الأحوال , أما ما نسمعه ونقرأه من شغب فإنما دار حول أمورٍ من خارج أمور العقيدة , في فروع الفروع وليس في أصلٍ من الأصول , وإن ظهر للعين فساد الفرع مع صلاح الأصل فمن جناية الفعل وسخف العقل الحكم بفسادهما كليمها , إذا كنتَ مزارعاً ولدت وعشت في جزيرةٍ معزولة ولا تعلم إلا أن التفاح لونه أخضر ولديك شجرة تفاح تثمر لك كل عام تفاحاً أخضراً وفي أحد الأعوام لاحظت تفاحة حمراء على أحد أغصانها فماذا ستفعل ؟ هل ستقطع الجذع كاملاً (الأصل) أم الغصن الذي نبتت عليه التفاحة الحمراء (الفرع) أم التفاحة الحمراء(فرع الفرع) ؟ , حسناً بالنسبة لي لن أفعل شيئاً من ذلك سأذهب إلى أقرب مهندس زراعي لأسأله فإن لم يجبني سأسأل غيره من الخبراء فإن لم يجيبوني جميعاً حينها سأفكر في القطع ....., هذا المثال لأمهد لك أنه حتى في فروع الفروع في الإسلام التي يظهر شيءٌ منها مخالفاً للعقل فليس حقيقةً مخالفاً للعقل المجرد من التصورات المسبقة والأهواء والعواطف المرتبطة بها , إنما هو في الأصل يخالف تصورات مسبقة مغروسة في العقل أو هو أمر لم يدركه العقل, فالعقل البشري مهما كان عظيماً فهو محدود القدرات مثله مثل باقي ما يتعلق بالإنسان , تجد إنساناً نسبة ذكائه مئة أو مئة وخمسون ولكن لا تجد إنساناً نسبة ذكائه مليار , تجد إنساناً يستطيع حمل سيارة أو طيارة ولكن لا تجد إنساناً يستطيع حمل الكرة الأرضية , وكل الإنسان بما فيه عقله محدود مهما كان عظيماً , قال الفيلسوف اليوناني أرسطو: "للحكم على شيء خاص لا بد أن يكون الإنسان على علم خاص بذلك الشيء" , ولنضرب مثالاً على أمرٍ يخالف تصورات مسبقة في العقل البشري –لعله واحدٌ من أحب الأمثلة لخصوم الإسلام- جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما : (قدِمَ رهْطٌ من عُرينةَ وعُكْلٍ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم فاجْتَوَوُا المدينة، فشَكَوْا ذلك فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا وَسَمِنُوا) , من هذا الحديث يعنينا كلمة أبوالها وهي جمع كلمة بول ! يعني رسول الإسلام وصف بول الجمل كدواء !!! بدلاً من أن يحذر الناس من شربه !!! ..... وعلماء الإسلام بدلاً من أن ينفوا أن رسولهم قال هذا الكلام يقومون بإثباته قال ابن تيمية : "ولَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً نَجِسَةً لم يُبِحْ لَهُمْ شُرْبَهَا، ولَسْت أَعْلَمُ مُخالِفًا في جَوازِ التَّداوِي بِأَبْوَالِ الإِبِلِ كَما جاءَتِ السُّنَّةُ", هذا ما يخطر في بال العقل البشري الذي لديه تصورات مُسبقة أن البول لأي كائن نجس وسام ومؤذي و ........, حسناً لو لم تسمع في حياتك بالنحل ولا بالعسل وقلت لك اسمع هنالك نوع من الحشرات تقوم بإفراز مادة ما وسأعطيك ألف دولار لكي تأكل ملعقة واحدة من تلك المادة هل ستقبل ؟ , حقيقة الأمر أن التداوي ببول الجمل كان يخالف تصورات مُسبقة في العقل البشري ولا يخالف العقل البشري المجرد من التصورات المسبقة والأهواء والعواطف , ابن سينا أحد عباقرة الطب في التاريخ الإنساني وظل كتابه "القانون في الطب" المرجع الأول في علم الطب لسنوات طويلة في العالم الغربي والشرقي ....., ابن سينا وصف بول الجمل للتداوي في كتابه "القانون في الطب" , قال ابن سينا : "وبول الجمل ينفع في الاستسقاء وصلابة الطحال لا سيما مع لبن اللقاح " , وهنالك كثير من الأبحاث الطبية تتحدث عن فوائد لبول الإبل في العصر الحديث .. وليس موضوعي هنا التغزل ببول الإبل ! ولكن ضرب مثالٍ على أمرٍ من فروع الفروع في الإسلام يخالف التصورات المسبقة في العقل البشري ولا يخالف العقل البشري نفسه ... قال أستاذ البرمجة اللغوية العصبية إبراهيم الفقي : "إن عينيك ليست سوى انعكاس لأفكارك" , وإن كنت أتفهم أن يستشهد صبيان الملحدين بمثل ذلك الحديث على بطلان الإسلام فإنني لا أتفهم إطلاقاً أن يقوم صبيان النصارى بنفس الشيء وفي كتبهم ما يندى له جبين الإنسانية ويحير به عظماء الفلاسفة ! ... , ولنضرب مثالاً على أمرٍ لم يدركه العقل البشري –حتى ذلك العقل المجرد من التصورات المسبقة – قال تعالى : "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" , ومعنى الأمر أن على المرأة المطلقة التي تحيض أن تنتظر عدتها بعد الطلاق بثلاث حيضات ...., وهنا قد تقول لي حسناً هل لك أن تقدم تفسيراً لماذا ليس أربع أو خمس أو حيضتان مثلاً لماذا ثلاث ؟ سأقول لك ببساطة لا أعلم ! هذا أمرٌ لم يصل إليه عقلي بعد للإحاطة بحكمته وإن كنت أعلم الأصل بأن خالقي أعلم مني فلن أنكر حكمه ! ... , ولكنني أعلم في نفس الوقت أن الأمور في فروع الفروع في الإسلام التي لم يصل لها العقل البشري لا تضر البشر ولا تتعارض مع مسيرة الإنسان في هذا الكون قال الفيلسوف المسلم ابن رشد في كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الإتصال" : (إنّ الحكمة هي صاحبة الشّريعة، والأخت الرّضيعة لها، وهما المصطحبتان بالطّبع، المتحابّتان بالجوهر والغريزة ) .



5 . وجود ألاف العلماء والباحثين في العلوم الطبيعية البحتة والتطبيقية من خلفيات عقدية مختلفة –ملحدون ,يهود, نصارى ...- تركوا معتقداتهم وتوجهوا إلى الإسلام بسبب ما يسمونه هم بالإعجاز العلمي في نصوص الإسلام وبعضهم يقول أن تلك الأمور في نصوص الإسلام اكتشفوها بأنفسهم حديثاً في المختبرات .... ولا نرى هذا في غير الإسلام من الديانات ! , وهنالك كثير من الكتب والندوات عقدت لمناقشة هذا الموضوع..., وبعيداً عن ترهات صبيان غير المسلمين بأنه لا يوجد مثل هذه الأمور وأن ما وجدوه مصادفة وبعيداً أيضاً عن ترهات صبيان المسلمين الذين يقولون أن كل شيء من علوم الغرب مسروقة من الإسلام ..., فإني أنصحك بمتابعتها وقراءتها بموضوعية , ولعل كتاب الجراح الفرنسي موريس بوكاي "التوراة والإنجيل والقرآن والعلم" واحد منها إلى جانب الندوات ومواقع الإعجاز العلمي في الإسلام المعتمدة عبر الإنترنت , ولنضرب مثالاً هنا قوله تعالى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " , لقد احتوت تلك الآيات على مراحل تكوين الجنين ودفعت مع غيرها من الآيات أحد كبار علماء التشريح في العالم البروفيسور كيث مور إلى اعتناق الإسلام . , قال تعالى : "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ" .

6. وجود مرجعية واضحة و متكاملة لمعرفة الصواب والخطأ , في عصرٍ ما في إسبارطة كان اللص الذي لا يُلقى القبض عليه يُعتبر بطلاً , وفي عصرٍ ما في أثينا كان الشذوذ الجنسي أمراً عادياً , وفي عصرٍ ما في جزيرة العرب كان وأد البنات أمراً عادياً , هنالك ملايين المسائل التي تمس أمن ومسيرة الإنسانية والتي سنختلف نحن البشر فيها وحينها لا يمكن تمييز الصواب من الخطأ .... هل نعاقب إنساناً قتل آخراً بالخطأ ؟ إذا كان نعم ما هي أفضل عقوبة له ؟ لماذا هذه وليست تلك العقوبة ؟.... هل ينبغي لشابٍ أعزب أن يتزوج إمراة طلقها زوجها ؟ هل شرب الخمر صواب أم خطأ ؟ هل الربا صواب أم خطأ ؟ قليله وكثيره ؟... , إذا كان هنالك إله -أو آلهة- خلق البشر فلا بد أنه يعلم كل شيءٍ عن البشر أكثر من أنفسهم وأنهم بطبيعتهم يميلون للخلاف والاختلاف في آرائهم بما يتعلق بأمنهم الإنساني , فلماذا لم يحدد لهم مرجعية واضحة ومتكاملة لتحديد الصواب والخطأ بما يتعلق بذلك ؟ إننا لا نجد مثل هذه المرجعية من كل الديانات إلا في الإسلام وهي ما تسمى بالشريعة قال تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) , وهي شاملة لكل الجوانب التي تتعلق بالأمن الإنساني , أما ما يثيره البعض من أنها لا تناسب العصر الحديث بما يتعلق بالعقوبات مثل قطع يد السارق فهذا لجهلهم المركب بموضوع العقوبات ولجهلهم بالعصر الحديث ومآسيه فقطع يد السارق إن كان خطأً فينبغي أن تكون آخر هموم الإنسانية في العصر الحديث ....! , ولنأخذ حكم قطع يد السارق مثالاً فحكم قطع يد السارق لا يُطبق إلا بعد سد الذرائع التي قد تدفع إنساناً إلى السرقة فبعد تطبيق العدل في توزيع الثروات وتوفير فرص العمل والرزق وضمان حصانة الفرد الأخلاقية في المجتمع من خلال التربية الشاملة للمجتمع .... عندها فقط يمكن تطبيق حد السرقة بقطع اليد حين يكون السارق غير محتاجٍ للسرقة ومتمرداً على النظام الأخلاقي للمجتمع , فشريعة الإسلام ليس سلة خضار نختار منها ما نشاء ونترك ما نشاء ومن فعل ذلك فهذا ذنبه وليس ذنب الإسلام , والأصل في قسوة تلك العقوبة الزجر والترهيب من فعلها قال الفيلسوف اليوناني أرسطو : " البشر يُحْكَمُون بالخوف أكثر من المهابة" , وإن كانت المسألة مسألة رحمة محضة ! فمن متى كان في العقوبة رحمة محضة !؟ هل في إعدام القاتل بالكرسي الكهربائي في أمريكا رحمة محضة ؟ أم في شنق الخائن في بريطانيا أو الحبس الإنفرادي في فرنسا رحمة محضة ؟ قال أرسطو : " القانون منطق خالٍ من العاطفة" , ولماذا يقوم منتقد العقوبات في الإسلام بقتل ألاف الكائنات الحية لا لشيء سوى ليأكلها ؟! الخاروف مثلاً كائن وديع ومسالم لماذا تحز عنقه وتقطع رأسه لا لشيء سوى لتأكله مع أنه لم يفعل لك شيئاً مع علمك أنه يتألم ويتعذب بذلك ؟ وكذلك سائر الحيوانات ؟ وأيضاً النباتات فالعلم الحديث يثبت أنها تشعر أيضاً وتتألم ؟ أين الرحمة المحضة هنا ؟ ليس لدى الملحد مبررٌ أخلاقي واحد لفعل ذلك وإن كان صادقاً مع نفسه بخصوص الرحمة المحضة فعليه أن يترك نفسه يموت جوعاً , فالاختلاف البيولوجي ليس عذراً أخلاقياً لقتل الآخرين . , قال الأديب الروسي تولستوي : "وأنّ شريعة محمد ستسود العالم لإنسجامها مع العقل والحكمة" .

7. نبوءات الإسلام بأمورٍ غيبية معظمها حدث ويحدث من دون تناقض مع طبيعة الحدث , أما التحجج بالأمور التي لم تحدث بعد فهذا هراء لأن الزمن لم ينتهِ بعد وإذا كان ينبغي للأحداث أن تحدث دفعة واحدة فما قيمة الزمن إذن ! قال إلبرت إينشتاين : " السبب الوحيد لوجود الزمن لكي لا يحدث كل شيء دفعة واحدة" , وإذا كان النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- شخصاً عبقرياً مصاباً بجنون العظمة يسعى لتحقيق المجد الشخصي فلماذا يقوم بإرهاق نفسه بالتحدث عن أمورٍ يقول هو أنها لن تحدث إلا بعد مماته !؟ ولماذا حدثت وتحدث معظم هذه الأمور من دون تناقض مع طبيعة الحدث ؟! , ولنأخذ مثالاً هنا : (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مدينة هرقل تفتح أولا . يعني قسطنطينية ") , القسطنطينية هي إسطنبول في تركيا الآن , فتحها القائد المسلم محمد الفاتح عام 1453 م , النبي محمد مات سنة 632 م , وعندما مات كانت دولته ضعيفة ومحدودة في جزيرة العرب مقارنة مع دول مثل الروم والفرس في المنطقة , لم يكن أكثر المتفائلين بتلك الدولة من خارجها ولا أكثر المتشائمين بدول الروم والفرس من داخلها يتوقع أن تتمدد تلك الدولة على حساب تلك الإمبراطوريات ! , أما مدينة رومية فهي روما عاصمة إيطاليا الآن ولا يمكن التحجج بعدم فتحها لأن الزمن لم ينتهِ لكن في ضوء ما تقوله مؤسسات البحث الغربية بأن أوروبا ستكون إسلامية في القرن الثاني والعشرين الميلادي بسبب تزايد عدد معتنقي الإسلام في أوروبا ونسبة مواليد المسلمين فإن سيطرة المسلمين على روما هو أمر شبه مؤكد , هنالك ألاف النصوص في الإسلام التي تصف واقعنا وماضينا بعد وفاة النبي محمد بشكل مدهش , لا نجد مثل هذا في الديانات الأخرى .

8. محصلة العقول العظمى المتحررة من التصورات المسبقة تتجه نحو الإسلام وليس نحو غيره , إذا كانت هنالك قوى بمقدار ألف "نيوتن" تسحب كرة نحو الأعلى وقوى بمقدار خمسين "نيوتن" تسحبها نحو الأسفل فإن الكرة ستتجه مع محصلة القوى النهائية نحو الأعلى , إن العقول التي برعت في الإنسانيات وخاصة الأدب والفلسفة هي أكثر العقول تحرراً من التصورات المسبقة في مجتمعاتهم وأكثرها قدرةً على النقد والتمحيص والتمرد على المألوف , ولنأخذ مثالاً على تلك العقول في الغرب حيث كانت التصورات المسبقة عن الإسلام سلبية وليست إيجابية , لقد برزت عقول في الإنسانيات في الغرب أغنت المكتبة الإنسانية بنصوص تفتخر الإنسانية بها من أمثال غوته وبوشكين وتولستوي وبرناردشو وتوينبي وهوجو وجارودي .... وغيرهم كثير قالوا في الإسلام ونبيه مدحاً بما لم يقولوه في غيره من العقائد المخالفة لعقائدهم –فقد كانوا على الإلحاد والنصرانية واليهودية- وبعضهم تحول إلى الإسلام وبعضهم لم يفعل وكل أولئك إلى جانب القلة التي هاجمت الإسلام مفهوم التصورات المسبقة حجة عليهم وليست لهم ! , أما القلة التي هاجمت الإسلام فأي باحث يرى عدم نزاهة وموضوعية أصحابها –إلى جانب أن التصورات المسبقة حجة عليهم أساساً – ولنأخذ الفيلسوف الفرنسي فولتير الذي هاجم الإسلام في مسرحيته " حياة محمد" , فلقد استخدم ذلك للكناية عن ممارسات الكنيسة في ذلك الوقت لذلك منعت الكنيسة عرض المسرحية ثم بعد ذلك بسنوات كتب مقالات يمتدح فيها الإسلام ولم يعتذر عن المسرحية في نفس الوقت ! فأين الموضوعية والنزاهة في كل ذلك ! , وجانب آخر مهم فعلماء الإسلام الذين درسوا العقائد المخالفة –الإلحاد والنصرانية واليهودية ...- بكل تفاصيلها لم يتحولوا إليها لكن علماء الديانات الأخرى الذين يدرسون الإسلام فكثير منهم يتحول إليه , عندما يقوم شخص ما بدراسة عقيدة ما فإن التصورات المسبقة التي لديه عن العقيدة تبدأ بالتلاشي –سواء إيجابية أو سلبية- أمام التفاصيل التي يراها أمامه , كثير من علماء المسلمين من أمثال ابن تيمية وابن القيم وابن كثير ... كانوا أعلم بعقائد المخالفين-إلحاد,نصرانية,يهودية,...- من أصحابها لكنهم بقوا على الإسلام لكننا نجد كثيراً من الذين درسوا وتمحصوا في الإسلام من العقائد المخالفة دخلوا فيه – الذين فعلوا ولم يدخلوا فيه فمفهوم التصورات المسبقة حجة عليهم – لا حاجة لضرب أمثلة من قديم التاريخ فالحاضر شاهد على أن كثيراً من القساوسة النصارى الذين يدرسون الإسلام ينتهي بهم المطاف إلى الإسلام لكن العكس ليس صحيحاً , قال تعالى "فإنهم لا يُكذِّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون" .

9. ترسيخ مفهوم الدعوة و الحوار والمواجهة والمناظرة في الإسلام , إذا كان هنالك إله ما –أو آلهة ما- اختار شخصاً أو جهةً ما لتمثيل رسالته بين البشر فلماذا لم يقم بترسيخ دعوة البشر الآخرين في رسالته لكي تقوم بذلك الحجة عليهم ؟ وهذا لا نراه في غير الإسلام قال تعالى : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ " , وقال: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" ,وقال: " قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" , والقرآن نفسه كان يأتي بشبهات للمخالفين ويرد عليها وغير ذلك كثير من النصوص إلى جانب أن النبي محمد كان يواجه غيره من أصحاب الديانات المخالفة بالمناظرة والحوار ونصوص السنة مليئة بمثل تلك المواجهات , وعلماء المسلمين كانوا الطرف المبادر لمواجهة ومناظرة علماء الديانات الأخرى , ولنضرب مثالاً هنا بابا الفاتيكان بينيدكت السادس عشر هاجم الإسلام علانية أمام المئات من وسائل الإعلام سنة 2006 وأتهمه أنه ضد العقل , عندما طلب منه علماء مسلمون المناظرة حول كلامه معه أو أي شخص يمثله من الفاتيكان علانية أمام الإعلام رفض الفاتيكان ذلك , لقد صرح ذلك البابا عندما كان كاردينالاً –رتبة قبل البابوية- أن الكاثوليكية هي السبيل الوحيد للخلاص أي النجاة من النار ودخول الجنة ... , وهنا لا نفهم لماذا لم يواجه أولئك المسلمين بمناظرة فكرية ويقيم عليهم الحجة لإنقاذ أكبر عدد منهم من النار بدلاً من شتم دينهم بعيداً عنهم والتهرب من مناظرتهم لاحقاً ؟! , وعندما يتجلى الحوار والمواجهة فإننا نرى عظمة العقل المسلم على غيره من العقول فأي عقيدة هي قالب فكري يوضع فيها العقل ويتخذ العقل شكل ذلك القالب ,فالملحد يضع عقله في قالب فكري هو عقيدة الإلحاد وكذلك أصحاب سائر العقائد –المسلم ,النصراني ,البوذي,...- تماماً كالماء عندما يوضع في قالب ما فيتخذ شكل ذلك القالب , ولنوضح أكثر , زوجة الرئيس الأمريكي روزفلت كانت إمراةً مثقفة ولديها حكمة ولديها أقوال تشهد على ذلك من أقوالها : " العقول العظيمة تخوض في الأفكار , العقول العادية تخوض في الأحداث , العقول التافهة تخوض في الأشخاص" , وعندما تفكر في هذه المقولة تجدها صحيحة فالعقول التي بقي صيتها في التاريخ من أمثال أرسطو وغيره من العظماء بقوا بسبب طرحهم لأفكار في زمانهم وليس بسبب كلامهم في الأحداث والأشخاص في زمانهم , فالأفكار ثابتة مع تغير الأزمنة والأمكنة أما الأحداث والأشخاص فمتغيرة , عندما نقرأ محاولات غير المسلمين في دحض الإسلام نجدهم يخوضون في الأحداث والأشخاص من غير الخوض في الأفكار في مُجملهم , مضت قرون على الإسلام والفكرة الرئيسية الوحيدة التي قام عليها الإسلام لم يتم دحضها بعد !, "لا إله إلا الله" هي تلك الفكرة وما تشمله من مفهوم التوحيد , قال الفيلسوف الألماني هيغل متحدثاً عن الإسلام –أو ما سماه المحمدية- : " فتكريم الواحد هو غاية المحمدية الوحيدة، والذاتية لا مادة لنشاطها إلا في هذه العبادة، وكذلك مقصد إخضاع العالم للواحد الأحد" , لا بل إن القرآن كله عن التوحيد قال ابن القيم : " فإنّ القرآنَ إمّا خبرٌ عن اللهِ وأسمائِه وصفاتِه وأفعالِه وأقواله، فهو التوحيدُ العلميُّ الخبري , وإمّا دعوةٌ إلى عبادتِه وحدَه لا شريك له وخَلْع ما يُعْبَدُ من دُونِه، فهو التوحيدُ الإرادي الطلبي، وإمّا أمرٌ, ونهيٌ, وإلزامٌ بطاعته و أمرِه ونهيِه، فهو حقوق التوحيد ومكملاته، وإمّا خبرٌ عن أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده ، وإما خبر أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النَكالِ وما يحل بهم في العُقبى من العذاب ، فهو جزاءُ من خَرَج عن حُكمِ التوحيد، فالقرآنُ كلُّه في التوحيد وحقوقه وجزائه .... " , ملايين من الأوراق طُبعت ضد الإسلام وأطنان من الذهب والفضة أُنفقت وكل ذلك لإسقاط أشخاص والخوض في أحداث ! مع عدم الخوض في الفكرة الرئيسية الوحيدة التي قام عليها الإسلام , وهنا نسأل إذا استطعنا إسقاط محمد وأصحابه واندثر الإسلام ثم بعد مليون سنة إنتشرت فكرة "لا إله إلا الله" بما تشمله من مفهوم التوحيد ولم نعلم من نشرها حينها كيف سنواجهها ؟؟؟ , نجد علماء الإسلام عندما يردون على خصومهم يخوضون في الأفكار لإسقاط العقائد المخالفة أما غيرهم فغالباً ما يخوضون في أحداثٍ وأشخاص في الإسلام . ومن المعلوم أن مهاجمة صاحب الحُجة بدلاً من مهاجمة الحجة نفسها دليلٌ على الضعف في النقاش .