عرض مشاركة واحدة
قديم 09-03-2010, 07:56 PM
المشاركة 83
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة




نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة






جعل القرآن التنكيس الظاهر في الشيخوخة بياناً

لتنكيس أشمل وأعمق لتراكيب ووظائف الجسم كله

والتدرج في الشيب يجعل ضعف الشيخوخة في تَنَامٍ مع انعدام الأمل في استرداد قوة الشباب وذلك مقابل تدرج الضعف الأول نحو القوة، والتصوير في وصف الشيب بالنيران المشتعلة لبيان استيعابه لأغلب الرأس يفيد أن المقام للمبالغة والاستيعاب؛ وهكذا يجعل نسبة الوهن للعظم كذلك وليست لقصر الوهن عليه، وكأنه قال: ( نال الوهن مني أصلب شيء) فمن باب أولى كل ما دونه صلابة، وبذلك يعم الوصف بالوهن أغلب البدن، فتأمل الدقة في التعبير وغاية البيان باعتماد هذا أسلوب التصويري.

قال المفسرون: قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ..) الآية ( يعني أنه خلقكم ضعفاء، ثم جعلكم أقوياء، ثم جعلكم ضعفاء في حال الشيخوخة)( 14) حيث: ( تتغير الصفات الظاهرة والباطنة)( 15) و( معنى من ضعف: من نطفة ضعيفة، وقيل من ضعف: أي في حال ضعف)( 16) وقوله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبً ): ( أي ضَعُفَ، وأراد أن قوة عظامه قد ذهبت لكبره؛)وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبً ) يعني انتشر الشيب فيه كما ينتشر شعاع النار في الحطب وهذا من أحسن الاستعارات )( 17) ( ولا ترى كلامًا أفصح من هذا)( 18) ( وفيه من فنون البلاغة وكمال الجزالة ما لا يخفى)( 19) ( وتخصيص العظم لأنه دعامة البدن وأصل بنائه ولأنه أصلب ما فيه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن، واشتعل الرأس شيبًا شَبَّهَ الشيب في بياضه وإنارته بشواظ النار وانتشاره وَفُشُوِّه في الشعر باشتعالها، وأسند الاشتعال إلى الرأس الذي هو مكان الشيب مبالغة)( 20) ( والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر ودلائله الظاهرة والباطنة)( 21)

وفي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوآ أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوآ أَجَلاً مُّسَمٌّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون) غافر 67

عَبَّرَ القرآن عن بلوغ الإنسان مرحلة الشباب بلفظ )الأشُدّ ) ويعني هنا غاية القوة، وفي مقام مرحلة الضعف التي تلي حالة الأشد أتى باللفظ ( شيوخًا) المشتق من مادة ( الشيخوخة)، وهو بهذا الترتيب والتمييز بعد حالة ( الأشد) قد وصف مرحلة الشيخوخة ضمنًا بالضعف بالنسبة لمرحلة الشباب أو قمة منحنى القوة بالنسبة للعمر، والقوى تتزايد مع النمو وعند بلوغ الأشد يقف تصاعد المنحنى ويستوي بينما تستمر القدرة العقلية والخبرة في تزايد حتى يكتمل الاستواء عند الأربعين قبل أن يرتد المنحنى وينعكس الاتجاه، وفي قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمً ) القصص 14، وقوله: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَك ) الأحقاف 15؛ أضاف القرآن إلى بلوغ ( الأشد) بلوغ الاكتمال وذلك بلفظ ( الاستواء) وجعل حده ( أربعين) سنة لتحقق الحكم السديد والإمامة في العلم، فكأنه بهذا التقرير قد اختار التعبير بالغالب وهو الأسلوب المعتبر علميٌّا اليوم.



يتبع ~ ~