عرض مشاركة واحدة
قديم 10-24-2013, 11:42 AM
المشاركة 30
عبده فايز الزبيدي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الجذور الفكرية والعقائدية:
يتبين للباحث أن عقيدة الماتريدية فيها حق وباطل؛ فالحق أخذوه عن أهل السنة من الحنفية السلفية (*)، وغيرهم ؛ لأن المستقرىء للتاريخ يجد أن الحنفية بعد الإمام أبي حنيفة رحمه الله تفرقوا فرقاً شتى في وقت مبكر، ولم يَسٍر على سيرة الإمام أبي حنيفة وصاحبيه إلا من وفقه الله عز وجل. وقد كانت الغلبة في ذلك للأحناف المنتسبين للفرق المبتدعة من: جهمية (*)، ومعتزلة (*). ولأن المصادر التاريخية لم تُشِر إلى كيفية تلقي أبي منصور الماتريدي العلم أو من تأثر بهم من العلماء، نستطيع ترجيح الآتي:

ـ تأثُّر أبو منصور الماتريدي مباشرة أو بواسطة شيوخه بعقائد الجهمية (*) من الإرجاء (*) والتعطيل (*)؛ وكذلك المعتزلة (*) والفلاسفة في نفي بعض الصفات وتحريف نصوصها، ونفي العلو والصفات الخبرية ظناً منه أنها عقيدة أهل السنة.

ـ تأثر بابن كلاب ( 240هـ ) أول من ابتدع القول بالكلام النفسي لله عز وجل في بدعته هذه، وأن لم يثبت لهما لقاء، حيث توفي ابن كلاب قبل مولده، بل صرح شيخ الإسلام ابن تيمية أن أبا منصور الماتريدي تابع ابن كلاب في عدة مسائل: الصفات، وما يتعلق بها، كمسألة القرآن هل سبحانه يتكلم بمشيئته وقدرته ؟ ومسألة الاستثناء في الإيمان. ( مجموع الفتاوى 7/433، منهاج السنة 2/362).

الانتشار ومواقع النفوذ:
انتشرت الماتريدية، وكثر أتباعها في بلاد الهند وما جاورها من البلاد الشرقية: كالصين، وبنغلاديش، وباكستان، وأفغانستان. كما انتشرت في بلاد تركيا، والروم، وفارس، وبلاد ما وراء النهر، والمغرب حسب انتشار الحنفية وسلطانهم، وما زال لهم وجود قوي في هذه البلاد، وذلك لأسباب كثيرة منها:

1 ـ المناصرة والتأييد من الملوك والسلاطين لعلماء المذهب، وبخاصة سلاطين الدولة العثمانية.
2 ـ للمدارس الماتريدية دورٌ كبير في نشر العقيدة الماتريدية، وأوضح مثال على ذلك: المدارس الديوبندية بالهند وباكستان وغيرها؛ حيث لا زال يدرَّس فيها كتب الماتريدية في العقيدة على أنها عقيدة أهل السنة والجماعة (*).
3 ـ النشاط البالغ في ميدان التصنيف في علم الكلام (*)، وردهم على الفرق المبتدعة الأخرى، مثل الجهمية (*) الأولي، والمعتزلة، والروافض (*).
4 ـ انتسابهم للإمام أبي حنيفة ومذهبه في الفروع.


يتضح مما سبق:
أن الماتريدية فرقة كلامية نشأت بسمرقند في القرن الرابع الهجري، وتنسب إلى أبي منصور الماتريدي، مستخدمة الأدلة والبراهين العقلية والفلسفية في مواجهة خصومها من المعتزلة، والجهمية وغيرهما من الفرق الباطنية(*)، في محاولة لم يحالفها التوفيق للتوسط بين مذهب أهل السنة والجماعة(*) في الاعتقاد ومذاهب المعتزلة والجهمية وأهل الكلام، فأعْلَوا شأن العقل(*) مقابل النقل، وقالوا ببدعة تقسيم أصول الدين إلى عقليات وسمعيات مما اضطرهم إلى القول بالتأويل(*) والتفويض(*)، وكذا القول بالمجاز في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وعدم الأخذ بأحاديث الآحاد(*)، وبالقول بخلق الكتب ومنها: القرآن الكريم؛ وعلى أن القرآن الكريم كلام الله تعالى النفسي. مما قربَّهم إلى المعتزلة والجهمية في هذا الباب، وإلى المرجئة (*) في أبواب الإيمان، وأهل السنة والجماعة في مسائل: القدر(*)، وأمور الآخرة وأحوال البرزخ، وفي القول في الإمامة، والصحابة رضي الله عنهم. ولما كان مفهومهم للتوحيد أنه يقتصر على: توحيد الخالقية، والربوبية، مما مكن التصوف الفلسفي بالتغلغل في أوساطهم، فغلب على كبار منتسبيهم وقوي بقوة نفوذ وانتشار المذهب (*) ؛ لوجود أكثر من دولة تحميه وتؤيده مثل: الدولة العثمانية ؛ فضلاً عن وجود جامعات ومدارس مشهورة تعمل على نشره، وكان لانتسابهم لمذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع أثره البالغ في انتشار المذهب الماتريدي إلى اليوم. ومع هذا فإن للماتريدية خدمات في الرد على: المعتزلة والباطنية والفلاسفة الملحدين والروافض (*)، ولهم جهود في خدمة كتب الحديث لا تخلو من ملحوظات .

مراجع للتوسع:
أ ـ كتب المذهب:
ـ كتاب التوحيد، أبو منصور الماتريدي.
ـ تأويلات أهل السنة، أبو منصور الماتريدي.
ـ تبصرة الأدلة، أبو المعين النسفي.
ـ بحر الكلام في علم التوحيد، أبو المعين النسفي.
ـ شرح العقائد النسفية، لنجم الدين عمر النسفي / التفنازاني.
ـ المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، ابن الهمام مع شرحه المسامرة لابن أبي شريف، شرح قاسم بن قطلويغا.
ـ رسالة التوحيد، الشيخ محمد عبده.
ـ رسالة في الخلافات بين الأشعرية والماتريدية والمعتزلة، مستحي زاده عبد الله بن عثمان.
ـ مقالات الكوثري ومعها مقدمة البنوري الديوبندي، لأحمد خيري.
ـ تاريخ الدعوة الإسلامية وتطورها في شبه القارة الهندية، د. محيى الدين الألوائي.
ـ العلماء العُزاب، الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.
ـ الأجوبة الفاضلة، للكنوي، تعليقات الشيخ عبد الفتاح أبي غدة.
ـ عقيدة الإسلام والإمام الماتريدي، د. أبو الخير محمد أيوب البنغلاديشي.
ـ الفتاوى الرشيدية، للشيخ رشيد أحمد الكنكوهي الديوبندي.

ب ـ كتب ومراجع لغير المذاهب:
ـ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، أبو القاسم هبة الله بن الحسن ابن منصور الطبري اللالكائي.
ـ الأسماء والصفات، البيهقي.
ـ الإيمان، [مجموع الفتاوى: 7/4 ـ 421] شيخ الإسلام ابن تيمية.
ـ الإكليل في المتشابه والتأويل [مجموع الفتاوى: 13/270 ـ 314] شيخ الإسلام ابن تيمية.
ـ درء تعارض العقل والنقل، شيخ الإسلام ابن تيمية ـ تحقيق د. رشاد محمد سالم.
ـ اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، ابن قيم الجوزية، تحقيق د. عبد الله المعتق.
ـ ذم التأويل، ابن قدامة المقدسي.
ـ التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، عبد الرحمن بن يحيى اليماني المعلمي.
ـ البريلوية عقائد وتاريخ، إحسان إلهي ظهير.
ـ الماتريدية، رسالة ماجستير، أحمد بن عوض الله اللهيبي الحربي.
ـ الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، رسالة ماجستير، لشمس الأفغاني السلفي.
ـ منهج الماتريدية في العقيدة، د. محمد بن عبد الرحمن الخميس.
ـ مناهج الأدلة في عقائد الملة، ابن رشد الحفيد [أبو الوليد الأصفر محمد ابن أحمد الفلسفي].
ـ براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة، د. أبو زيد بكر بن عبد الله أبو زيد.
ـ مقدمة شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ـ محمد ناصر الدين الألباني.
ـ الاستقامة، شيخ الإسلام ابن تيمية.
ـ الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه ـ محمد آمان بن علي الجامي.

----------------------------------------------------
(1) نسبة الكتاب إلى الماتريدي فيها نظر لأن المصادر التي ترجمت للماتريدي أو التي تهتم بكتب المؤلفين لم تشر إليه، وقد نفي نسبة هذا الكتاب إليه العديد من المستشرقين والعلماء منهم "وينسنك" في كتابه "عقيدة المسلمين" ص 122، 123، وكذلك الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية ص 175، 176، وذكر الكوثري الماتريدي في مقدمة كتابه العالم والمتعلم إن عدة نسخ للكتاب مخطوطة موجودة بدار الكتب المصرية فيها التصريح بنسبته إلى أبي الليث نصر بن محمد بن أحمد الفقيه السمرقندي، ويدل على ذلك ما ورد في ص 25 من الكتاب نفسه يقول المؤلف قال الفقيه أبو الليث [ رحمه الله ].

(2) أول من قال بهذا القول هو: إسماعيل بن علية (ت 218هـ) قال عنه الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال: "جهمي هالك كان يناظر في خلق القرآن" (1/20) ناظره الإمام الشافعي وقال فيه: "هو ضال".

(3) فعلى سبيل المثال نجد أن الإمام أبا جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي إمام الحنفية في وقته (229 أو 239 ـ 321هـ) صاحب العقيدة الطحاوية عقيدته سنية سلفية في الجملة.
ـ بينما راوي كتاب "الفقه الأكبر" عن أبي حنيفة أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي الجهمي المرجىء، (199هـ) ولا يخفي تأثيره على الحنفية بسبب روايته للكتاب.
ـ القاضي إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة من رؤوس فتنة القول بخلق القرآن ودعاتها، وكان ينسب هذا القول إلى أبيه وجده الإمام أبي حنيفة كذاباً وزوراً.
ـ بشر بن غياث المريسي الحنفي الجهمي المرجىء (228هـ) إمام المريسية من فرق المرجئة ورافع لواء الجهمية بعد الجهم بن صفوان، وكان أبوه يهوديًّا وكفَّره عدد من أئمة السنة.
ـ القاضي أحمد بن أبي داود الحنفي المعتزلي (240هـ) رأس فتنة خلق القرآن وتلميذ بشر المريسي.

وسائلٍ عَنْ أبي بكرٍ فقلتُ لهُ:
بعدَ النَّبيينَ لا تعدلْ به أحَدا
في جنَّةِ الخُلدِ صِديقٌ مَعَ ابنتهِ
واللهِ قَدْ خَلَدتْ واللهِ قَدْ خَلَدَا