الموضوع
:
صفحتي الهادئة
عرض مشاركة واحدة
07-09-2013, 01:44 PM
المشاركة
24
ياسر علي
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 3
تاريخ الإنضمام :
Dec 2012
رقم العضوية :
11770
المشاركات:
1,595
على السرير أتشوى على عادتي ، لا أنام تحت النجوم ، كلما فعلت يشتد صداع رأسي نهارا و ينزف أنفي رعافا ، الليلة هجيرية الطبع ، أداعب إزارا كانا منعشا في البداية مع توالي الدقائق يكتسب حرارة جسمي إن لم تكن حرارة قلبي ، النوم لا يهتدي إلى جفوني ، صورتها تتراءى أمامي في الظلام ، كلمتها تلسعني " غدا سنرحل باكرا " كيف لي أن أتأقلم مع هذا المعطى الجديد ، كيف أتعايش مع قلبي الذي يسكن وراء البحار ، لماذا لا يفكر قلبي ، أيعرف ماذا يفعل ؟ تراه يتحالف مع الزمان ليهزمني ، لماذا اختار أن يذيقني مرارة الفراق مع العناق الأول لحرارة الحب ؟ آه يا قلبي يا مسكين لم تعرف كم جنيت علي ، وكم حملتني من التعاسة في حياتي .
الثلث الأخير من الليل برزت أماراته نسمة صباحية تلطف جو الغرفة القائض ، تدخل بدون استأذان ، شباب يرسلون رسائل عبر الأثير ، يقدمون عناوينهم الخاصة على المذياع ، الكل يحس بالوحدة والوحشة ، اغتراب يستوطن القلوب ، يبحثون عن دفء مفقود ، عن إنسان لا يشبه الذين ياكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، لا يشبه كل هؤلاء الذين يرتادون المدارس والكليات ، إنسان آخر ، عالم آخر ، ربما كالذين تنقلهم الشاشات ، ربما ملاك يهبط مرفرفا بأجنحته البهية يزرع السعادة في القلوب المنهكة ، إنسان يتفهم ، يعتذر ، يتسامح ... المذيع يبلسم الجراح بالآمال والأنغام والكلام العذب ، وصفة قد تشفي وقد تؤذي .
استيقظت والشمس توسطت السماء ، أبي يرتشف من الشاي حين دخلت الغرفة ، كنت منهكا ، مخنوقا ، تنقبض حركاتي ، أينك يا سيجاترتي ، يجب أن أعانق فيك المجهول ، يجب أن أدمر حزنا يفتك بي ، يجب أن لا أسمع ، يجب أن .. ويجب أن..
ـ هل أنت مريض يا خالد ؟
ـ كلا أنا بخير .
ـ النوم إلى منتصف النهار من علامات العجز والكسل ، نم باكرا ، و استيقظ باكرا ، علاقة الأباء والأبناء تقليدية للغاية ، لا مصاحبة فيها ولا مؤانسة ، الأب يرأى في ابنه طفلا لا ينمو ، لا تتغير حياته ، يريده عجينة لينة بين أنامله ، طاعة عمياء ، سلبية مطلقة ، استعباد ، عندما يشتد عود الابن يبدأ الخلاف ، يسود الخلل العلاقات الأسرية ، لم أعقب على قول والدي ، بقيت صامتا مطأطأ الرأس ، سكوت وصمت رفض لا يعبر عن الرضى .
ـ كنت أنتظرك لتساعدني على شق سواقي الري ، وجني حبات اللوز ، الذي لا يريد العمل في نسيم الصباح يعمل في هجير الزوال ، من يتكاسل في صغره يتهالك في كبره .
في الحقل أصوب ضربات موجعة لأشجار اللوز انتقاما من شيء غير محدد ، الحب يتناثر والأوراق تتطاير ، و وجداني يغلي ، و تسود يومي أفكار ناقمة مماذا؟ لست أدري ، من المجتمع ، من المثل ، من الواقع من ....
هدوء و سكون ليس يبعثره إلا نقيق الضفاضع المسترخية على المياه الراكدة ، ظلام خافت يسدل الوادي ، ركام الدخان يغادر فمي وأنفي كحمم بركان استعاد نشاطه بعد فتور لتتسلق أبراج السماء ثم تتلاشى و تتفتت كأن شيئا لم يقع ، تماما كأحلامي ، بالأمس فقط و في هذه اللحظة بالذات بنيت أحلاما لا تمحى ، وخططا تيقتنت من نجاحها ، لم أكن أعلم أن كل شيء يتحقق سريعا و يهرب سريعا ، لم يبق منها إلا رسالة تسلمتها من يد ليلى وهي تساعد أمي في جمع الحبات المتناثرة ، كلمات حفظتها وما كانت لتطفئ نارا مشتعلة في فؤادي ، بل زادتها توهجا و اتقادا . سمعت ليلى تقول لأمي ، خالي يفكر في بناء بيت هنا في القرية فقد أعجب بجوها ومناظرها وأهلها و هدوئها . فكرة أثلجت صدري و لو للحظة ، آن لنا أن نلتقي لأيام يا عائشة ، لكن متى بعد أن يجف ينبوع حبنا ، بعد انفجار فؤادي و تقوس ظهري ، لا أطيق الصبر ، لكن ما بيدي حيلة .
تراك تحسين الغربة بين أهلك كما أنا ، تراك تحسين جمال العطلة أم ضاقت بك الأرض على شساعتها .
رد مع الإقتباس