عرض مشاركة واحدة
قديم 04-23-2013, 10:40 AM
المشاركة 32
احمد ابراهيم
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قلنا ان العقل هو الروح الالهى المنفوخ فى البنية البشرية ، و ان النفخ يعنى الاستيلاء الارادى القاهر على العناصر ، و الأحياء .. و هو فى مرحلة الأحياء ، إنما كان بإغراء العداوة بين الأحياء فيما بينهم ، و بينهم و بين جميع العناصر التى تزخر بها البيئة الطبيعية التى يعيشون فيها ..

و هذا التعميم يخضع لبعض الاستثناء .. فان هناك بعض القوى ، و بعض العناصر ، أمكن وضعها فى جانب الصداقة ، و مع ذلك فان جانبها لم يكن مأمونا ، كل الأمان ، و الخوف من تصرفاتها وبداوتها ، لم يزل موجودا ، مما جعل الخوف هو العنصر الغالب فى مشاعر الأحياء ..

و فى الحق ، ان الخوف "القهر" هو الذى استل المادة العضوية من المادة غير العضوية ، فبرزت بذلك الحياة .. ثم ان الخوف هو السوط الذى حشد الأحياء فى زحمة سباق التطور .. فالحياة مولودة فى مهد الخوف، و مكتنفة بالخوف فى جميع مدارجها ..

و لو لا بوارق الأمان ، الفينة بعد الفينة ، و لو لا غواشى الغفلة ، فى اغلب الأحيان ، لاجتاح الخوف الحياة ، و لقطع نياطها .. و لا يزال الخوف ، إلى الآن ، هو الأصل فى سوق الحياة إلى كمالها .. فمن قهر العناصر برزت الحياة .. و من قهر الحياة برزت العقول .. و من جراء القهر ولد الخوف .. و من جراء الخوف ولدت الحياة ، و سارت محفوزة فى المرتقى ، سمتا فوق سمت ، إلى ان بلغت مرتبة ظهور العقل البشرى فى أعلى الحيوانات ..

و هى لا تزال تطرد ، تطلب كمالات العقل و القلب . و هذا النفخ مستمر ، و هو سرمدى ، و يأخذ فى اللطف كلما برزت لطائف الحياة من كثائفها ، و كان لها السلطان .. و سيجئ يوما يبدل الله فيه الخوف آمنا ، و الحرب سلاما ، و العداوة محبة .. ( ما يفعل الله بعذابكم ، ان شكرتم و أمنتم ؟ و كان الله شاكرا عليما ؟ ) .

اين نفخ الروح الالهى ؟ هل النفخ فى الأجساد ؟ أم هل نفخ فى العقول ؟ .. لا هنا و لا هناك . فليس الجسد مكان النفخ ، و إنما هو نتيجة النفخ !! .. و مثل ذلك يقال عن العقل .. فليس الدماغ ، و هو العضو الذى يعمل فيه العقل مكان النفخ ، و إنما هو نتيجة النفخ .. فالنفخ متقدم عليهما ، كما يتقدم السبب النتيجة .. فأين كان النفخ إذن ؟ .

الجواب ، فى القلب !! و ما هو القلب ؟

هو ذات الحى !! هو الحى بالأصالة ، حين لا يكون الجسد ، و لا الدماغ حيين إلا بالحوالة .. هو الحى الذى أعطى الجسد و الدماغ الحياة ، و هو ليس خادمهما ، و إنما سيدهما .. و قد أخطا علم الطب الحديث ، علم وظائف الأعضاء ، حين ظنه مجرد مضخة للدم .. و الأمر كما هو عليه فى الدين .. ففى الحديث "إلا ان فى الجسد مضغة ، إذا صلحت صلح سائر الجسد ، و إذا فسدت فسد سائره ، إلا و هى القلب " ..

و ليس المقصود هنا الفساد الحسى الذى ينتج عنه الموت الحسى ، و إنما المقصود الفساد المعنوى الذى ينتج عنه الموت المعنوى - الكفر - .

و فى القران التركيز كله على القلب ، و لا يجئ ذكر العقل - الدماغ و الجسد - إلا فى المكان الثاني .. قال تعالى ( ان فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع ، و هو شهيد ) ..

فالذكرى فى المكان الأول لصاحب القلب الذكى ، "لمن كان له قلب" و جاء به على التنكير ليفيد التعظيم ، فان لم يكن ، فلصاحب العقل الواعي "أو ألقى السمع ، و هو شهيد" .. "ألقى السمع" يعنى اعار الأذن ، و تلك إشارة للعضو المحسوس ، و هى من ثم إشارة للجسد .. "و هو شهيد" يعنى غير شارد الذهن وقت الاستماع ، و تلك إشارة إلى حصر القوى التى تعمل فى الدماغ - العقل - . فالجسد بيت القلب ، و هو من ثم صنوه و زوجه ، و هو المعنى بقوله تعالى ( سبحان الذى خلق الأزواج كلها ، مما تنبت الأرض ، و من انفسهم ، و مما لا يعلمون ) ..

فالإشارة فى "من انفسهم" إلى القلب و الجسد .. و فى حين ان الجسد بيت القلب ، فان القلب بيت الرب .. والعقل و هو أمير الحواس ، إنما هو ديدبان القلب ، و حارسه الأمين ، يؤذنه بقرب الخطر ، و يدفع عنه الخطر حيث أمكن ..

فالكعبة فى مكة هى بيت الله ، فى ظاهر الشرع .. و القلب فى الصدر ، هو الحرم الأمن ، هو بيت الله فى الحقيقة .. "ما وسعنى أرضى و لا سمائى ، إنما وسعنى قلب عبدى المؤمن" ..

و السعة هنا ليست سعة مكان ، إنما سعة علم و معرفة !! .

ما هو العقل الباطن ؟ هو القلب ، و هو قوة الإدراك الوترى ..
ما هو العقل الواعي ؟ هو العقل ، و هو قوة الإدراك الشفعى ..

كيف نشا العقل الواعي ؟

يتبع