عرض مشاركة واحدة
قديم 12-09-2012, 07:32 PM
المشاركة 21
د نبيل أكبر
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي


سادسا: رواية أن الأمة لا تجتمع على باطل، وسأبين أن هذه الرواية مخالفة للقرآن والأحاديث النبوية وللسنن الكونية.


تأمل أخي قوله تعالى:


أفنجعل المسلمين كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون (36) أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) إن لكم فيه لما تخيرون (ن:38)


طبعا لم يكن عند مشركي مكة أيام نزول السورة أي كتاب فلم يعرف عنهم ذلك. فالكتاب المقصود هو الكتب التي اتخذها الناس حسب مذاهبهم فيختارون منها ما يشاؤون.


ذكرت في إحدى مداخلاتك أن علينا أن نعود إلى أمهات التفاسير وذكرت تفسير الطبري على وجه التحديد.

لا أدري إن كان قد فاتك أن الطبري أورد 800 رواية عن أحد الرواة في تاريخه. لعلمك أخي فهذا المروي عنه من أكبر الكذبة بتاريخ الرواة بشهادة رواة الحديث.

فقال يحي ابن نعيم عنه: فَلْسُ خيرٌ منه. واتهم بالزندقة كما قال ابن حبان.
فهل تريدني أن أعتمد تفسير الطبري (الذي لم يتمكن من إدراك كذب رواته) كمرجع معصوم وأترك القرآن الكريم المحفوظ؟


يأخي الكريم إن في تفسير الطبري ما يخجل الإنسان من قوله بحق نبينا الكريم، فللنتبه ونتفكر قليلا لما نقرأ.


فمثلا وردت رواية في تفسير الطبري والله إني لا أدري بأي الكلمات أصفها لكني أترك الوصف لك. فقد أورد الطبري في تأويل الآية 37 من سورة الأحزاب الكريمة:


وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا (الأحزاب:37)

فأورد الطبري:

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومًا يريده وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف، وهي في حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها في قلب النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فلما وقع ذلك كرِّهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي، قال: ما ذاك، أرابك منها شيء؟ " قال: لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيرًا، فقال له رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أمسك عليك زوجك واتق الله، فذلك قول الله تعالى ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها.


هل تفكرت قليلا في هذا الاتهام الشنيع في حق أخلاق نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام والنية المبيتة التي كان يحملها في قلبه بناء على رواية الطبري؟ هل ترضاه لنفسك أخي قبل أن ترضاه لغيرك وخصوصا لسيد الخلق ذو الخلق العظيم؟

أستغفر الله تعالى وأبرأ أنا من هكذا أقاويل.

فتأكد أخي من حذف هذه الروايات المعيبة من التفاسير "نهائيا" قبل أن تزكيها لغيرك.


وعلى فكرة فقد سألتني في مداخلة سابقة عما لو كنت قد عرضت أفكاري على "العلماء" قبل عرضها للناس. عفوا أخي عفوا، على المفسرين أن يراجعوا كتبهم وينقحوها مما يسيء إلى كلامه تعالى وإلى الأنبياء الكرام قبل أن يراجعوا أقوالي، عليهم قبل محاورتي أن يعيدوا النظر في تفاسيرهم قبل أن يأتوني بأقوال لا يستطيعون الدفاع عنها.



سأتكلم تاليا عن حديث مهم وهو الذي تفضلت بسرده: لا تجتمع أمتي على ضلالة.


هذا الحديث هو مما يستخدم كثيرا إذ به يثبت المرء أنهم دوما ومهما فعل وقال على حق لأنه (وهم الممثل الوحيد للدين) لن يجتمع على ضلالة، هكذا يكون تبسيط الأمور.



ليس لنا أن نفرح بهكذا "تنزيهات" إذ إن لكل فكر ضال ولكل من المذاهب والفرق المتباعدة مهما كان "مبرراته ومسوغاته" التي تبدو لأصحابها "شرعية قانونية" ليثبتوا لأنفسهم أنهم هم وحدهم فقط من يمثل الأمة أو من يمثل الإنسانية. فلكل من الأديان الأخرى ما يشبه هذا المعنى وبذا يتم التفريق بين الناس بشتى أديانهم ومذاهبهم.


فتأمل قوله تعالى:

بل الإنسان على نفسه بصيرة (14) ولو ألقى معاذيره (القيامة:15)


قالمعاذير في الآية هي المسوغات والحجج التي يستعملها الإنسان فردا أو جماعات أو أمما لتبرير أفعاله.


يأخي العزيز عندما تكتب المجتمعات دستورها وتضع الأطر العامة الكبيرة التي تحدد هويتها وجوهر فكرها وعلاقتها بالمجتمعات الأخرى فإن عليها أولا استخدام مفردات ومعاني كلمات الدستور بطريقة لا لبس فيها ولا تأويل. بغير هذا فالمجتمع لا يجني من وراء دستوره المبهم إلا الخلافات والتخبط بين معاني كلمات الدستور.


وما يجري حاليا في دول الربيع العربي من خلافات حول كتابة الدستور دليل حي على ما نقول.


الآن، هل رواية "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وفي روايات أخرى "لا تجتمع أمتي على خطأ" واضحة المعاني والمفردات قوية بحيث تصلح أن تكون بما يشبه الدستور أو تعريف الفكر العام للمجتمعات؟


فهل تستطيع تعريف كلمة "الضلالة" أو كلمة "أمتي" في الرواية؟

هل الضلالة المقصودة هي الإلحاد، أم النفاق، أم الشركيات، أم الموبقات، أم الكبائر، أم المعاصي، أم حتى دون ذلك كترك السنن والمندوبات والعمل بالمكروهات؟


مثلا هل حلق اللحية وسماع الموسيقى من "الضلالات" المقصودة؟ فلو قلت نعم فهات الدليل. وإن قلت لا فعليك أن تثبت ما تقول للكثير من الناس.


وما هي الأمة هنا؟ هل هم أهل القبلة، أم فرقة أو مذهبا من المذاهب، أو مجموعة محددة من الناس؟ ولو كانت مجموعة من الناس فما هو أقل عدد مقبول لأفراد المجموعة؟ بمعني هل لو اجتمع 100 شخص من أمة الإسلام على الحق فهل يمثلون المجموعة المحقة؟
أما لو قلت إن المقصود هو الثلاثة القرون الأولى، فالسؤال إذن ألم تتفرق الأمة من ذلك الوقت؟


فإن لم يكن عندك جواب واضح من القرآن أو من السنة النبوية للسؤالين أعلاه فهل لنا أن نستخدم هذه الرواية ونجعلها مبررا وإثباتا لكل ما نقول ونفعل؟


فأطلب من حضرتك توضيح معنى كلمة "ضلالة" من منظورك. ولعلمك أخي فإن غيرك سيدخل "ترك السنن" في هذه الضلالة إذ أن ترك السنن تعمدا عند البعض يرقى لدرجة الكبائر، وكل له مبرارته وشيوخه "المتخصصين" الذين لن يعدموا الدلائل فالأسلاف كثير، وأرائهم أكثر بكثير.


أم لكم كتاب فيه تدرسون (37) إن لكم فيه لما تخيرون (ن:38)



هذا من جهة. ومن جهة أخرى فهذه الرواية تخالف أحداديث متواترة بل الأهم والأدهى أنها تخالف سنة كونية خالدة:


ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (هود:119)



فلآية واضحة : خلقنا من أجل الاختلاف.


أما عن معارضة الرواية لأحاديث أخرى فأعرض لك حديثين نبويين هنا:


أولا:
أحاديث: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذوة بالقذوة، ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".


فالحديث واضح في بيان اتباعنا سنن وطرق الأمم الأخرى، وبالتحديد اليهود والنصارى. ونعلم يقينا أن الاختلاف والمذهبية كانت من أهم سيمات هذه الأمم ونحن على إثرهم لا محالة،فهل ستثتسني أمتنا من هذا الحديث؟ ألا تجد معارضة واضحة بين الروايتين؟

فلماذا تأخذ براويتك وتترك روايتي؟



ثانيا:
أحاديث: "تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنَّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً".


"لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي".


فالأحاديث واضحة بأن "أمتي ستفترق" وهو ما يعارض روايتك أيضا.


ومن هي هذه الفرقة الناجية برأيك؟ لا شك عندي أخي أنك ستقول "هي ما أنا وسلفي عليه"، لا شك عندي ... لا شك، فكل الأديان تقول ذلك.






يتبع ....