_…ـ-* الهوة بين المادة والمعنى *-ـ…_ إن هذه الهوة العميقة القائمة بين عالم المادة والمعنى ، يجعل الجمع بينهما من أصعب الأمور . فإذا توجّه العبد إلى أحدهما غاب الآخر عن قلبه ، ومن هنا عُـبّر عنهما ( بالضرتين ) بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، كما ورد في الخبر: ( مَـَثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان ، إن أرضى إحداهما أسخطت الأخرى ) وهذه هي الأزمة الكبرى للسائرين في أول طريق العبودية ، بل إن أصحاب النبي ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ) اشتكوا أيضا من تبدل حالاتهم بالقول : ( إذا دخلنا هذه البيوت ، وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل والمال ، يكاد أن نحول عن الحال التي كنا عليها عندك، فأجابهم النبي ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ) : لو أنكم تدومون على الحال التي تكونون عليها ، وانتم عندي في الحال التي وصفتم أنفسكم بها ، لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء ) والحل الجامع لهذه المفارقة أن ( يتجلّى ) الحضور الإلهي عند العبد إلى درجة قريبة من حضور المحسوسات عنده ، ثم ( تنمية ) هذا الحضور أكثر فأكثر . إلى مرحلة ( اندكاك ) حضور المحسوسات لديه في ذلك الحضور المقدس . فيؤول الأمر إلى أن لا يرى إلا لونا واحدا في عالم الوجود . فيكون كمن مسح لونا باهتا بآخر فاقعٍ ، فلا يكون البريق الخاطف للأنظار إلا للثاني الناسخ لما قبله . وهذه هي الحالة التي يعكسها مضمون ما روي عن أمير المؤمنين عليٍّ ( عليهِ السلام ) : { ما رأيت شيئا ، إلا ورأيت الله قبله وبعده ومعه } . حميد عاشق العراق 3 - 12 - 2012 الاثنين 20 محرم 1434هج