عرض مشاركة واحدة
قديم 04-17-2012, 02:18 PM
المشاركة 13
سها فتال
كاتبة وأديـبـة
  • غير موجود
افتراضي
رفقاً بقلبك يا محبُّ
الدكتور عبد الرحمن العشماوي

قالت: لمثلكَ أنْ يَحُطَّ رِحالاَ ** أنَّى يشاءُ، وأنْ ينالَ وِصَالاَ
ولغُصْنِ حبِّك أنْ يمُدَّ ظِلالَه ** ولنَبْعِ حُبَّك أنْ يكونَ زُلالاَ
ولنار شوقكَ أنْ تلذِّع مُهْجَةً ** جعلتْكَ عند المُدْنَفينَ مثالاَ
لكَ أنْ تغرِّد بالقصائد، كلَّما ** جرَّ الصباحُ رداءَه واختالاَ
لكَ أنْ تَهُزَّ غصونَ شعرك، كلَّما ** زفَّ المساءُ إلى الوجودِ هِلاَلاَ
لكَ أنْ تبوح بما لديكَ، فإنني ** أعطيكَ من بعد المجالِ مَجَالاَ
هَبْني رحلتُ إليكَ رِحْلَةَ مُدْنَفٍ ** وقصدتُ من بعد الجنوبِ شمالاَ
ومضيتُ أجتاز الحواجزَ كلَّها ** وقطعتُ من بعد الجبالِ جبالاَ
أو سِرْتُ من شرق البلاد لغربها ** وطويتُ أوديةً بها وتِلالاَ
هَبْني تجاوزتُ الهضابَ وخُضْتُ في ** لُجَجِ السَّراب على الطريق رمالاَ
وجعلتُ صحراءَ المتاعب واحةً ** أغصانُها نشرتْ عليَّ ظِلالاَ
هَبْني طويتُ الهمَّ بين جوانحي ** وبَنيْتُ فوقَ رُكامِه الآمالا
هَبْني اتَّخذْتُ من القصائد سُلَّماً ** أرقى به قِمَمَاً هناكَ طِوالاَ
هَبْني نظرتُ إلى سمائي نظرةً ** وسألتُ عنكَ الصَّيِّبَ الهطَّالاَ
وسألتُ هبَّاتِ الرِّياح عن اسمها ** عن صوتها المكتومِ حينَ تَعَالَى
وسألتُها من أينَ تبدأ ُسيرَها ** وبأيِّ كفّ تحمل الأثقالاَ
أَتراكَ تَعْذُلُني، إذا أَصبحتُ في ** وَضَح النَّهار أعانقُ الأطلالاَ؟
وإذا قَصَصْتُ ضفائري وجعلتُها ** للخائفاتِ من المحيط حِبالاَ؟
أتُراكَ تَعذلني، إذا سيَّرْتُ في ** بحر القوافي مركباً جوَّالاَ؟
وبه مضيتُ إلى الشواطئ حاملاً ** عَلَمَ الإباءِ أُحاربُ الأنْذالاَ؟
شكراً محدِّثتي، فإني لم أزلْ ** ألقاكِ حُسْناً آسراً وجمالاَ
وأراكِ في عين القصيدةِ صورةً ** كاد الجمَالُ بها ينال كَمَالاَ
لا تَطْلُبي مني المُحَالَ، فإنَّما ** غيري وغيركِ يطلبونَ مُحالاَ
أنا لستُ خِلْواً من همومي، إنَّها ** قد أمطرتْ قلبيْ المُحِبَّ نِبَالاَ
أنا شاعرٌ ما زال يبكي أمةً ** حَفِيتْ، تُلاحقُ بالهوى الدَّجَّالاَ
عُذْراً إذا هَطَلَتْ دموع قصائدي ** تبكي انشغال القومِ والإهمالاَ
تبكي، بكاءَ الشَّهْمِ يُبْصِرُ قومَه ** يستعذبون القَهْرَ والإذْلالاَ
تبكي على أمجاد أُمتنا التي ** لَعِبَ العدوُّ بها وصالَ وجالاَ
عذراً محدِّثتي فَرَوْضي لا يرَى ** بحراً ولا نَهْراً ولا شلاَّلاَ
لمَّا سألتُ الشِّعْرَ عنكِ، رأيتُه ** أرْخَى رُموشَ المقلتينِ وقالاَ
أنا لا أرى إلا التي سكبَتْ على ** وَهَج القصيدةِ دمعَها السيَّالاَ
لما نثرتُ لها حديثَ صبابتي ** أصغتْ ولم تُفْسِدْ عليَّ مقالاَ
فَهِيَ التي جعلتْ لبحريَ شاطئاً ** وَهِيَ التي أَضْفَتْ عليه جَلالاَ
قالتْ، وما كَذَبَتْ، وكم من قائلٍ ** كَذَبَ الحديثَ وزيَّفَ الأقوالا
رفقاً بقلبكَ يا مُحبُّ، فربَّما ** صارتْ تباريحُ الهوى أغلالاَ
ما كلُّ بارقةٍ تراها، نَجْمَةً ** أو كلُّ عُرْجُونٍ يُضيء، هِلالاَ
للمجد قمَّتُه التي لا يرتقي ** شُرُفاتِها مَنْ عانقَ الأوْحالا