عرض مشاركة واحدة
قديم 04-11-2012, 11:15 PM
المشاركة 38
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الدعاء بأن لا يهلك الله هذه الأمة بالجوع.


عن معاذ قال : "صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ، فأحسن فيها الركوع والسجود والقيام ، فذكرت ذلك له ،فقال : هذه صلاة رغبة ورهبة ، سألت ربي فيها ثلاثا فأعطاني اثنتين ، ولم يعطني واحدة ، سألته أن لا يقتل أمتي بسنة جوع فيهلكوا ، فأعطاني ، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم ، فأعطاني ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم ، فمنعني " (1)
وعن حذيفة بن اليمان قال : "غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فلم يخرج حتى ظننا أنه لن يخرج ، فلما خرج سجد سجدة ، فظننا أن نفسه قد قبضت فيها ، فلما رفع رأسه قال : إن ربي تبارك وتعالى استشارني في أمتي : ماذا أفعل بهم ؟ فقلت : ما شئت أي (2) رب هم خلقك وعبادك ، فاستشارني الثانية فقلت له كذلك(3) ، فقال : لا أحزنك في أمتك يا محمد ، وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفا ، مع كل ألف سبعون ألفا ، ليس عليهم حساب ، ثم أرسل إلى فقال : ادع تجب ، وسل تعط ، فقلت لرسوله (4) : أو معطي ربي سؤلي (5) ؟ فقال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك ، ولقد أعطاني ربي عز وجل ولا فخر (6) ، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ، وأنا أمشي حيا صحيحا ، وأعطاني أن لا تجوع أمتي ، ولا تغلب ، وأعطاني الكوثر فهو نهر من الجنة يسيل في حوضي ، وأعطاني العز والنصر، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا، وأعطاني أني أول الأنبياء أدخل الجنة ، وطيب لي ولأمتي الغنيمة ، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ، ولم يجعل علينا من حرج (7)
المعاني : ـ
" صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة " واضح أنها ليست فريضة ، وإنما هي صلاة نافلة ، صلاها وحده صلى الله عليه وسلم .
"فأحسن فيها الركوع والسجود والقيام " أي أنه زاد على المعتاد ، فأطال الركوع والسجود والقيام على غير العادة ، والمعتاد منه صلى الله عليه وسلم حسن الركوع والسجود والقيام ، لكنه في هذه الصلاة كان أحسن ، أي كان أطول وأخشع فيها ، كما جاء في حديث حذيفة " سجد سجدة ، فظننا أنه نفسه قد قبضت فيها" وهذا واضح في أنه أطال كثيرا ، وهذا التطويل مشروع ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وحده .
" صلاة رغبة ورهبة " أي أنه صلى الله عليه وسلم صلى ، وحاله مع الله بين الرجاء والخوف ، يرجو رحمة الله سبحانه ، ويخاف غضبه عز وجل ، كما قال الله سبحانه في حق زكريا عليه السلام وأهله : { أنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } [ سورة الأنبياء : 90 ] .
" سألته ألا يقتل أمتي بسنة جوع " السنة : القحط ، وأضافها إلى الجوع لما بينهما من تلازم ، فكل قحط يورث جوعا .
وحينما يستعيذ صلى الله عليه وسلم من الجوع ، فإنما يستعيذ من الجوع الشديد ، المؤثر على صحة الإنسان وحياته .
وهو هنا يستعيذ بالله من هذا الجوع أن يعم الأمة .
" غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما " أي مكث في بيته ، ولم يخرج لأصحابه ، وظاهره أنه مكث في بيته يتعبد ويدعو الله تعالى .
" سجد سجد " أي صلى صلاة ، من باب تسمية الكل باسم الجزء، سمى الصلاة بأشرف أجزائها ، وهو السجود .
" فظننا أن نفسه قد قبضت فيها " أي أنه صلى الله عليه وسلم قد مات ، وذلك لطول سجوده .
"استشارني في أمتي " هذا بيانه ما بعده ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم " ماذا أفعل بهم " أي أن الله تبارك وتعالى سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماذا أفعل بأمتك ؟ سمى صلى الله عليه وسلم هذا استشارة .
وهذا السؤال من الله لرسوله كله كرم من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ففيه إعلاء لقدره وإسعاد لنفسه ، ومنطلق هذا علم الله بحرص رسوله على رحمة الله تعالى أمة الإسلام
وجه الإعجاز في الحديث
إن الإنسانية وكل المخلوقات تعيش على رزق الله ، فالله سبحانه يهيئ لكل مخلوق رزقه الذي يصلحه :
قال تعالى : { فلينظر الإنسان إلى طعامه * أنا صببنا الماء صبا * ثم شققنا الأرض شقا* فأنبتنا فيها حبا * وعنبا وقضبا * وزيتونا ونخلا * وحدائق غلبا * وفاكهة وأبا * متاعا لكم ولأنعامكم } [ سورة عبس : 24 ـ 32 ] .
وقال سبحانه : { وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون* وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون* ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون* سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون } [ سورة يس : 33 ـ 36 ] .
واضح من هذا أن رزق الإنسان تحدث بسببه عظام الأمور في الكون، فسبحان من خلق المياه في السحاب، وأنزلها في كل موضع بحسب رزق أهله، وسبحان من أنبت النبات وخلق الأشجار، وسبحان من رزقنا من النباتات حبها أو عودها، ومن الأشجار ثمارها وتمرها، وهيأ كل ذلك لنفعنا ، ويسر لنا الحصول عليه ، ويسر لنا الانتفاع به ، سبحانه سبحانه .
وعلى هذا فالواجب على البشرية أن تلتزم بدين الله ، وأن تحيا في طاعة الله سبحانه وتعالى ، فبطاعة الله ندرك نعمة جل علاه .
أما إذا تنكبت البشرية وعصت فقد ينزل بها غضب الله ، وقد تحرم من نعم الله تعالى .
قال سبحانه : { أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون* لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون * إنا لمغرمون * بل نحن محرومون * أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون } [ سورة الواقعة : 63 ـ 70 ] .
فواضح من هذه الآيات أن النعم إنما تدوم بفضل الله وكرمه ، كما قال سبحانه : { لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد } [ سورة إبراهيم : 7 ] أما مع المعصية فقد ينزل بالنعم ما يدمرها ، أو يمنعها .
ومن هنا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه أن لا يهلك أمته بالجوع، إنها قد تقع في زلة تنزل بها غضب الله تعالى ، فتحرم الرزق، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " (1) وقد يصل بها ذلك إلى الهلاك، ولذا ألح صلى الله عليه وسلم على ربه ألا يهلكها بالجوع .
واستجاب الله تبارك وتعلى دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وطمأنه وطمأن الأمة أنه سبحانه لن يهلك هذه الأمة بالجوع .
وعلى طول عمر الأمة يتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، فلم يكن الجوع سببا في هلاكها ولا في ضعفها ، وإنما رزق الله عليها وافر سابغ ، ونعم الله عليها متوالية .
لقد دعا صلى الله عليه وسلم ، وأخبره الله باستجابة دعوته ، وأخبر صلى الله عليه وسلم بذلك ، فتحقق الأمر كما أخبر ، والأمة على مدى العمر الماضي أكثر من ألف وأربعمائة عام ، وهي بحمد الله مشمولة بعناية الله تعالى ، لم ينزل بها الجوع المهلك، وإنما الأرزاق وافرة سابغة ، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم الظاهرة، ومن دلائل نبوته الواضحة ، والحمد لله رب العالمين .