منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   ** بين يديّ الرحمن ** - ريما ريماوي (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=9713)

ريما ريماوي 09-03-2012 03:05 PM

** بين يديّ الرحمن ** - ريما ريماوي
 
** بين يديّ الرحمن **

رافعا يديّ الاثنتين إلى السماء: "يا إلهي أنقذنا..."

- يا للمصيبة لقد فقدت السيطرة على الشاحنة...

هتفت مخاطبا الشاب صاحب هذه الشاحنة الضخمة، والذي يجلس قربي...

منذ بضعة دقائق تركت سيارتي في منتصف الشارع الشديد الانحدار، واستلمت قيادة الشاحنة صعودا إلى أعلى التلّة، بقصد تجربتها قبل شرائها، كي نستخدمها في توصيل البضاعة التي يتم تجهيزها في المصنع خاصتنا...

"لقد أوهمني اللعين بأنها بحالة جيدة."

- أستاذ يوجد فيها مشكلة بسيطة فقط ( بالبريك ) ..

"أتقول مشكلة بسيطة؟! قبحك الله، كلها مشاكل يا أخو الــــــــ ... " فكرت في نفسي،

حتى ذراع تغيير السرعة لا يتجاوب بسهولة، آآخ.. لقد توقف المحرك عن الدوران، يا للهول.. رغم أنني أدوس دعسة الكابح إلا أنه لا يتجاوب وتعطل أيضا...

- ما العمل الآن؟ بدأت الشاحنة تتقهقر إلى الخلف بسرعة مخيفة ومتسارعة. مددت يدي الى ذراع الفرامل اليدوية أسحبه فانكسر في يدي خارجا من مكانه، كسيف دون كيشوت من غمده... صرخت:

- ويلاااااااه.. رحنا فيها وانتهى أمرنا.

رميته فزعا وقد اجتاحني شعور عارم بالغضب، التفت باتجاه الشاب أرغب في صفعه.. وإذا به مكوم على أرض الشاحنة يرتعد خوفا... من العبث التحدث معه الآن ...

ما زالت الشاحنة تتراجع بسرعة، يقولون في اللحظات الحرجة يرى الشخص حياته تمر أمامه، أنا لا.. بل انصب كل تفكيري على كيفية إيقاف آلة الموت تلك،

"الله يستر، اللهم أبعد المشاة والسيارات عن طريق هذه المجنونة، يا للهول أسمع بوق سيارة تحاول تنبيهي، عذرا يا صاحبي أنت من عليه الهرب من طريقي."

أخرجت رأسي من النافذة لأرى ما الذي أستطيع فعله.

أحد جانبي الشارع يطل على هاوية، وفي الجانب الآخر محال تجارية أمامها سيارات متوقفة على جانب الرصيف.

- يا الله ارحمنا، ستخرج عناوين الجرائد بخبر حادث مؤسف.

"يجب عليّ السيطرة على الموقف، ها هي سيارتي وابني ينتظرني قربها، ماذا؟ إنه يحمل سيجارة، منذ متى تدخن يا دلّوع أمّك؟ كلاّ.. ليس وقته الآن بل يجب أن أركّز على الطامّة الكبرى الواقع فيها."

نظرت إلى ابني وما زالت الشاحنة تنزل إلى الأسفل، يرمي السيجارة وينظر حائرأ، من الواضح أنه لم يفهم ما يحصل معي: "لن أسمح للموت بأن يتمكن مني، ما زال عندي حساب عسير مع المدخن الصغير".

هنالك فراغ بين السيارات قرب الرصيف.. هذه فرصتي الوحيدة وعليّ أن استغلها، سأدخل الشاحنة عرضيا بينهما باستعمال المقود...

توقفت الشاحنة بين السيارتين بالضبط دون أن تصطدم بأيهما ولكنها اصطدمت بعنف بطرف الرصيف العالي.. المكان الوحيد بالشارع الذي يعلو فيه الرصيف إلى هذا الحد، وكأن العناية الإلهية جهزته لإنقاذنا.

وأخيرا توقفت الشاحنة، دون خسائر.. قفزت منها على الفور غير مصدق أنني نجوت بأعجوبة.

ناداني الشاب بعد أن جلس في مقعد السائق وشغّلها:

- هيا اركب يا عمي كي أوصلك إلى سيارتك.

- تبا لك أيها الجاهل انصرف وشاحنتك المهلهلة عن وجهي.

وصلت سيارتي ماشيا متقطع الأنفاس، وكنت طوال الطريق أفكّر في أمر تدخين ابني، وفضّلت عدم إثارته معه الآن فأنا أعرف شباب اليوم العنيد اللامبالي.. لهذا خفت أن لا يأنف من التدخين داخل البيت وقرب أمه المريضة.

أخرجت مشطي الصغير لأرتب شعري المنكوش المنفوش، نظرت في المرآة فأذهلتني رؤية شعري الأسود قد تحول إلى اللون الرمادي ولقد غزا الشيب مفرقي....!

أحمد فضول 09-03-2012 07:00 PM

قصة من الابداع بمكان صورت صراعات الانسان مع أحداث الحياة ومواقفها المفاجئة : صراع نفسي ذاتي في اتخاذ القرار الذي يوصل إلى السلامة بأقل الخسائر وقد تم ، وصراع بين الشخصية الرئيسة ومن حولة كالراكب الذي تقوقع خوفا تحت الكرسي بجانبه ، وهيئة ابنه على قارعة الطريق الذي عرف أنه يدخن للتو وهوفي موقف لايحسد عليه ، والزوجة التي تتصارع والمرض وأن ابنه لن يدخن أمامها ، وصراع الأجيال وسلوكات الأبناء التي لاتطاق بدواعي متطلبات العصر ، والصراع مع المكان وما فيه من سيارات متحركة وأخرى ثابتة والبحث عن مكان مناسب لتوجيه مقود السيارة نحوه ، وصراع مع المكابح التي تعطلت وحتى المكابح اليدوية لم تعد تعمل . كل ذلك في تسلسل سريع للأحداث لم يخلخل المغزى من القصة ، ولغة جاءت طبيعية مما يستخدمه الناس خلال حياتهم اليومية .
في نظري وتقديري المتواضعين أنها قصة كما عكست مهارة السائق للوصول إلى النجاة فإنها أيضا عكست مهارة الكاتبة في نسيج أدبي هادف كل ذلك جاء مرتديا رداء الإيمان من خلال العنوان "بين يدي الرحمان " لأن كل حركة وسكون هي بإردة الواحد الأحد أولا وأخيرا .
سلمت وسلم قلمك المبدع .

جليلة ماجد 09-06-2012 05:28 PM

هي الدنيا ...لحظات .... و تمعِنُ في زِيادة ألمنا في كلّ لحظة ...

ريما ....

لك قُدرة جميلة على سرد التفاصيل ...

و أيضاً قدرتك الجميلة على سرد الواقِع بشكل جديد و ممتع بالفعل

صافي الود

محمد فتحي المقداد 09-06-2012 06:03 PM

أستاذة ريما الريماوي
أسعدك االله
لحظة فارقة في الحياة تستمطر كل المشاعر المكبوتة
وتتيبس الكلمات على اللسان ولا يستطيع النطق ....
يفور الدم في الرأس ..
ولكنها حكمة الله في النجاة لهم من براثن الموت
والصدفة الرصيف العالي وسيكارة الابن الصغير
والمرأة المريضة..
قصة حلوة بفكرتها وربما تحصل للكثير منا في أية
لحظة..
دمت بخير

محمد غالمي 09-07-2012 01:20 AM

الأخت المحترمة ريما.. والحق أنني استمتعت بقراءة ما سردت، معنى ومبنى.. حادثان مؤلمان ثقيلان كثقل الهم على القلب.. تجربة الاقتراب من الموت ورؤيته مكشرا داخل شاحنة فقدت صوابها.. ومنظر الإبن انجرف به سلوكه إلى أسوأ عادة.. حالة نفسية مرتجة، وازاد من ارتجاجها مرأى الشيب يغزو الهامة..
لا هنت ولا هان قلمك السيال أختنا ريما..
محمد غالمي

ريما ريماوي 09-11-2012 10:56 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فضول (المشاركة 126207)
قصة من الابداع بمكان صورت صراعات الانسان مع أحداث الحياة ومواقفها المفاجئة : صراع نفسي ذاتي في اتخاذ القرار الذي يوصل إلى السلامة بأقل الخسائر وقد تم ، وصراع بين الشخصية الرئيسة ومن حولة كالراكب الذي تقوقع خوفا تحت الكرسي بجانبه ، وهيئة ابنه على قارعة الطريق الذي عرف أنه يدخن للتو وهوفي موقف لايحسد عليه ، والزوجة التي تتصارع والمرض وأن ابنه لن يدخن أمامها ، وصراع الأجيال وسلوكات الأبناء التي لاتطاق بدواعي متطلبات العصر ، والصراع مع المكان وما فيه من سيارات متحركة وأخرى ثابتة والبحث عن مكان مناسب لتوجيه مقود السيارة نحوه ، وصراع مع المكابح التي تعطلت وحتى المكابح اليدوية لم تعد تعمل . كل ذلك في تسلسل سريع للأحداث لم يخلخل المغزى من القصة ، ولغة جاءت طبيعية مما يستخدمه الناس خلال حياتهم اليومية .
في نظري وتقديري المتواضعين أنها قصة كما عكست مهارة السائق للوصول إلى النجاة فإنها أيضا عكست مهارة الكاتبة في نسيج أدبي هادف كل ذلك جاء مرتديا رداء الإيمان من خلال العنوان "بين يدي الرحمان " لأن كل حركة وسكون هي بإردة الواحد الأحد أولا وأخيرا .
سلمت وسلم قلمك المبدع .

الأستاذ الغالي أحمد الفضول ...

أعجبني ردك التفصيلي الجميل،

ولكم يسعدني ألق الحضور...

كن بخير وصحة وعافية...

مودتي واحترامي وتقديري.

تحيتي.

ريما ريماوي 09-11-2012 10:59 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جليلة ماجد (المشاركة 126433)
هي الدنيا ...لحظات .... و تمعِنُ في زِيادة ألمنا في كلّ لحظة ...

ريما ....

لك قُدرة جميلة على سرد التفاصيل ...

و أيضاً قدرتك الجميلة على سرد الواقِع بشكل جديد و ممتع بالفعل

صافي الود


الله يسعدك أديبتنا الجميلة جليلة ماجد،

أثمن حضورك الألق الثمين،

وسعدت بإعجابك، دام لك الألق،

محبتي واحترامي وتقديري.

تحيتي.

أحمد فضول 09-11-2012 01:56 PM

الأستاذ الغالي أحمد الفضول ...

أعجبني ردك التفصيلي الجميل،

ولكم يسعدني ألق الحضور...

كن بخير وصحة وعافية...

مودتي واحترامي وتقديري.

تحيتي.

الأديبة ريما :
لقد غمرتيني بلطفك ، وما قمت به من ملحوظات يمليه واجب لا أنكره أبد الدهر نحو أديبة متميزة .
صادق مودتي .

ريما ريماوي 09-11-2012 07:25 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد فتحي المقداد (المشاركة 126439)
أستاذة ريما الريماوي
أسعدك االله
لحظة فارقة في الحياة تستمطر كل المشاعر المكبوتة
وتتيبس الكلمات على اللسان ولا يستطيع النطق ....
يفور الدم في الرأس ..
ولكنها حكمة الله في النجاة لهم من براثن الموت
والصدفة الرصيف العالي وسيكارة الابن الصغير
والمرأة المريضة..
قصة حلوة بفكرتها وربما تحصل للكثير منا في أية
لحظة..
دمت بخير

الاأستاذ المبدع الرائع محمد فتحي المقداد...

لكم أسعدني ردك القيم ... وبالفعل هي حكمة الله،

الرحمن الرحيم لولاه لما كتب له النجاة هكذا بأعجوبة.

ويحلي أيامك يا رب، كن بخير وصحة وعافية، ويطول عمرك.

مودتي واحترامي وتقديري.

تحيتي.


الساعة الآن 06:27 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team