منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر القصص والروايات والمسرح . (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   أقصى الشقاء (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=3584)

محمد محضار 02-10-2011 01:10 PM

أقصى الشقاء
 
في ركن قصي من كوخ حقير بأحد أحياء الصفيح الهامشية اِفترشت صبية مصفرة الوجه ،بقايا حصير قديم وقد غطى جسدها لحاف رث وسخ , كانت عيناها الذابلتان تتراقصان وهما تراقبان الخيالين المنعكسين بفعل ضوء الشمعة الخافت عبر الستارة البيضاء التي تفصل ركنها عن مضجع أمها وزبونها ..كان لهاث هذين الأخيرين وتأوهاتهما يطرق سمعها فتسري في جسدها قشعريرة غريبة وتكتسي سحنتها بمظاهر الحزن والألم ..
كانت يدها الصغيرة تفرغ ما يعتمل في نفسها من حقد , على الحياة بالضغط على حاشية اللحاف , وقدماها النحيفتان تتمددان في عصبية حتى تلامسان ارض الكوخ ...
وشم الذكريات القاسية ما زال حيا يطبق على عقلها وفكرها, ناثرا بذور الشقاء في طريقها , وكأنها لم تخلق أصلا إلا من أجل الشقاء.
رف على شفتيها شبح اِبتسامة حين تذكرت والدها , كان شابا قوي البنية , طيب القلب يحبها ويدللها باستمرار , رغم الفاقة وضيق اليد , فقد كان مجرد حمال بالسويقة يحمل صناديق الخضر على ظهره , وكثيرا ما سمعته يردد:(الحمال مجرد حمار بشري ...)وكانت هي ترد عليه ببراءة الطفولة: سأتعلم يا أبي وأعمل , ثم ترتاح أنت وأمي ..فيجيب :حقق الله أمانيك يا صغيرتي ...
هذه أمور لم تعد تجديها الآن شيئا وأصبحت مجرد ماض لا يغني أو يسمن من جوع, فالوالد رحل عن هذا الوجود وِاختفى تحت التراب والحجارة, ...ذاكرتها تختزن دون شك أحداث مصرعه المفاجئ...فقد نشب ذات مساء بينه وبين جارهم موسى الأقرع صراع دموي عنيف..اِنتهى بموت الاثنين .. كان موتا باردا , وتلك عادة درج عليها بعض المسحوقين ..فهم يَقتلون ويُقتلون( برفع الياء) من أجل أشياء تافهة...
بعد رحيل والدها تغيرت الأمور , وتبدل سلوك أمها , وتصرفاتها وكانت الصفعة الأولى التي وجّهَت لها ..هي حرمانها من متابعة الدراسة..أما الصّفعة الثانية فكانت أشدّ وأقوى ..لقد دخلت أمها عالم الدعارة ...وتحول الكوخ الصغير إلى ماخور فساد يرتاده طلاب اللذة الرخيصة من أبناء الحي ., وفقراء المدينة..
كانت تنظر إلى كل ذلك بعين العاجز الضائع ولا تملك سوى ذرف الدموع السخينة كلما خلت إلى نفسها, فهي الآن تعرف المصير الذي ينتظرها غدا ..أو لم تقل لها أمها : تعلمي يا صبية حتى تعيلينني كما أُعيلك ،يوم أكبرُ..
إذن كل شيء واضح , فليس أمامها سوى اِنتظار اليوم الذي تَرِث فيه عن أمها ايهاب العهر, ويصبح جسدها ملكا مُشَاعا لكل عابث وماجن...
إن أمها مافتئت تذكرها اليوم تلو الآخر بأن السبيل الوحيد للحصول على لقمة العيش هو الذعارة..............
تابت الطفلة الى نفسها وأمسكت عن التفكير ثم جرت الغطاء وانكمشت حول نفسها..لكنها سرعان ما أحست باختناق شديد وتسربت إلى خياشمها رائحة الدخان ...فاسرعت تزيح الغطاء عنها..كانت النار حولها تلتهم حطب الكوخ وأثاثه الوضيع ...وكانت أمها وزبونها يصرخان................

محضار 1979................

طارق الأحمدي 02-10-2011 05:52 PM

يا لها من نهاية غير مرتقبة ...

وكأني بالأقدار أشفقت على تلك الممحونة من فقد أبيها والمطعونة في

براءتها...

أستاذ محمد


قد استطعت أن تخرج بعضا من وحل المستنقع الممتد في خلايا المجتمعات

المهمشة


وكانت ريشتك قادرة على سبر أغوار المساحات الضيقة لبقايا بشر تغاضى

عنهم الراعي وتناساهم ليكونوا عرضة لنهم الذئاب المتربصة
.

وهاهي الأم إيهاب يقرضها الفقر وتنهشها الحاجة وتضيق بها دائرة التيه

فتضرب بجميع القيم على جدران التمرد وتنشر شرفها لأول مار بها ..

لم تعد الأم حرة ... فكيف لا تأكل بثدييها؟............

بل صارت تلك الأم شيطانا يوسوس لطفلتها ...... نفخت في تنور طفولتها

لتنضج باكرا وتحمل المشعل عنها ...

أستاذ : محمد

لقد استوقفتني النهاية وكأني بك قد تعمدتها لتزيد من لهب السؤال فينها...

فهل ستحترق أحلام الأم باحتراقها؟

هل ستنتقل شرارة البغاء للبنت بعد أن أتت النار على جميع زوايا الأمل؟

سيبقى السؤال معلقا وستبقى قلوبنا تدعو لها

سعدت جدا بأسلوبك ...


ودمت بود دائما

سحر الناجي 02-10-2011 09:53 PM




محمد محضار ..
وجه تلك الصغيرة والتي ترامت على رصيف الحرمان تعبآ ..
اقتات عليه الزمن حتى سقط في وعينا شفقة ..
ملامحها البريئة استصرخت كسرة فرح فلم تجني سوى فتات الحزن ..
عابرة إلى حواسنا من ضفة يراعك الذي أمطرها بوحآ ..
تحمل في جيبها بقايا طفولة نهشتها أنياب العذاب ..
وكأنك جسر سيدي .. عبرت بنا إلى حكاية ثلجية الندف ..
جميل وأكثر هذا الحرف ..
سلام على روحك ..

أحمد فؤاد صوفي 02-11-2011 08:24 PM

قصة قاسية جداً . .
وثقيلة جداً على النفس . .

أين ولي الأمر . .
أيننا نحن من حالات كهذه . .
هل العهر سيصبح فريضة على الضعيف الذي لا يجد لقمة العيش . .
أليس لهذا المعدم حق علينا . . أن نطعمه ونؤمن له المسكن ونعلمه الخير . .
القصة هنا مؤلمة . . وتضعنا أمام مسؤوليات إنسانية نكاد ألا نتنبه لها . .

الأديب الكريم محمد محضار المحترم . .
تقبل مني التحية والاحترام . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

محمد محضار 07-22-2011 04:05 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة طارق الأحمدي (المشاركة 60269)
يا لها من نهاية غير مرتقبة ...

وكأني بالأقدار أشفقت على تلك الممحونة من فقد أبيها والمطعونة في

براءتها...

أستاذ محمد

قد استطعت أن تخرج بعضا من وحل المستنقع الممتد في خلايا المجتمعات

المهمشة

وكانت ريشتك قادرة على سبر أغوار المساحات الضيقة لبقايا بشر تغاضى

عنهم الراعي وتناساهم ليكونوا عرضة لنهم الذئاب المتربصة .

وهاهي الأم إيهاب يقرضها الفقر وتنهشها الحاجة وتضيق بها دائرة التيه

فتضرب بجميع القيم على جدران التمرد وتنشر شرفها لأول مار بها ..

لم تعد الأم حرة ... فكيف لا تأكل بثدييها؟............

بل صارت تلك الأم شيطانا يوسوس لطفلتها ...... نفخت في تنور طفولتها

لتنضج باكرا وتحمل المشعل عنها ...

أستاذ : محمد

لقد استوقفتني النهاية وكأني بك قد تعمدتها لتزيد من لهب السؤال فينها...

فهل ستحترق أحلام الأم باحتراقها؟

هل ستنتقل شرارة البغاء للبنت بعد أن أتت النار على جميع زوايا الأمل؟

سيبقى السؤال معلقا وستبقى قلوبنا تدعو لها

سعدت جدا بأسلوبك ...

ودمت بود دائما

عذرا إن تأخرت في الرد على تعليقكم العميق أستاذي الجليل ،لقد كان طرحكم ضافيا ووافيا ، منح نصي المتواضع فرصا متعددة للخروجح من دائرة العتمة إلى دائرة النور

محمد محضار 07-22-2011 04:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر الناجي (المشاركة 60316)


محمد محضار ..
وجه تلك الصغيرة والتي ترامت على رصيف الحرمان تعبآ ..
اقتات عليه الزمن حتى سقط في وعينا شفقة ..
ملامحها البريئة استصرخت كسرة فرح فلم تجني سوى فتات الحزن ..
عابرة إلى حواسنا من ضفة يراعك الذي أمطرها بوحآ ..
تحمل في جيبها بقايا طفولة نهشتها أنياب العذاب ..
وكأنك جسر سيدي .. عبرت بنا إلى حكاية ثلجية الندف ..
جميل وأكثر هذا الحرف ..

سلام على روحك ..

شكرا لك سيدتي الراقيةعلى تعليقك القيم ، الذي يقارب نصي المتواضع ، تعاطفك مع بطلة النص يؤكد شساعة مشاعرك الطيبة ، لكنه الواقع الذي نساهم في استمراره بسلبيتنا وحيادنا

محمد محضار 07-22-2011 04:09 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد فؤاد صوفي (المشاركة 60470)
قصة قاسية جداً . .
وثقيلة جداً على النفس . .

أين ولي الأمر . .
أيننا نحن من حالات كهذه . .
هل العهر سيصبح فريضة على الضعيف الذي لا يجد لقمة العيش . .
أليس لهذا المعدم حق علينا . . أن نطعمه ونؤمن له المسكن ونعلمه الخير . .
القصة هنا مؤلمة . . وتضعنا أمام مسؤوليات إنسانية نكاد ألا نتنبه لها . .

الأديب الكريم محمد محضار المحترم . .
تقبل مني التحية والاحترام . .
دمت بصحة وخير . .

** أحمد فؤاد صوفي **

شكرا لك على تعليقك القيم ، وأعتذر عن تأخري في الرد ،وهذا قد يكون سفها مني أحاسب نفسي عليه ، فاقبل عذري سيدي و اصفح عني ،

ناريمان الشريف 07-22-2011 04:15 PM

قصة واقعية كلها ألم ..
كم أشفقت على تلك الصغيرة التي تواجه كل هذا الوجع ..ومع هذا أراها قادرة على التفكير


بارك الله في قلمك


تحية ... ناريمان


الساعة الآن 02:20 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team