منتديات منابر ثقافية

منتديات منابر ثقافية (http://www.mnaabr.com/vb/index.php)
-   منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية (http://www.mnaabr.com/vb/forumdisplay.php?f=9)
-   -   الكتابة والروح… بين الفكرة والانحراف (http://www.mnaabr.com/vb/showthread.php?t=31735)

مُهاجر 12-21-2025 09:42 AM

الكتابة والروح… بين الفكرة والانحراف
 
[FONT="Arial"]
بالأمس القريب كنت في أحد محلات بلدتي، والذي يجمعنا بمن أبعدتنا عنهم مشاغل الحياة،
التقيت بأحد أصدقاء الدراسة منذ المرحلة الابتدائية، وبعد المناشدة عن العلوم والأخبار،
سألته عن سبب قلة كتاباته، لكونه أديبًا وله عدة منشورات، وله عمود في أحد الصحف المحلية،
وكم أربكني، وقلب في عقلي العديد من التساؤلات بجوابه عن ذلك السؤال!



فقال:
"ابتعدت عن الكتابة لعدة أسباب، منها زواجي وما رافق ذلك من أولاد وكثرة المسؤوليات"،
إلى هنا، الأمر ليس مستغربًا منه.
أما السبب الآخر، وهو الأساس والرئيس،
فقد رأيت في كثرة الكتابة انسياقًا وانجرافًا إلى الانحراف، والبعد عن الجادة والصراط المستقيم،
فكم رأينا وسمعنا عن أديب أريب غاص في وحل التناقضات، فانسلخ من دين الإسلام،
وامتهن حرفة التشكيك ليكون منظّرًا لكل فكر خبيث، ومروجًا لكل طالح مقيت،
لنجد منهم العربيد، ومحتسي النبيذ، ولاثم لثغر حسناء ليُوهم النفس بأنه يعيش عيش السعيد.
من هنا يا صديقي "فلان"، رأيت السلامة ترك ما يقودني إلى الشر المستطير،
فاكتفيت بالمطالعة والبحث عن الجديد.




تمنيت – الكلام لي أنا أخاطب به نفسي – حينها أن أفتح معه نافذة الحوار في أصل ما طرحه،
ولكن حال بيني وبين ما أشتهي ذاك المكان (المحل)، فأرجيت حواري حتى أغنم لقاءً قريبًا.
ومن هنا وددت أن أنثر بعض التساؤلات، على رجاء وأمل أن تسعفوني بجواب عليها:

هل صحيح أن كثرة الكتابة تقود إلى تلك المزالق وإلى ما لا يُحمد عقباه؟

هل يكون للتنشئة الفكرية والثقافية والروحية والعقائدية دور في الحيلولة دون الوقوع في المحظور؟

هل للخواء الروحي دور في الانحراف الفكري والديني؟

وهل للغرور والعجب وحب الظهور ضريبة لمثل ذلك الانفلات؟

"ولكم الاسترسال في الحوار بعيدًا عن الإلزام بالجواب عن تلك التساؤلات، لتكون قواعد أو نقاط نبني عليها الفكرة".




ليس شرطًا ملازمًا أن يكون الشخص يكتب ويقرأ بلا هدف أو مبدأ، ليكون التسويف أو الطلاق مآل الكتابة أو المطالعة، فقد بدأ بالشغف والإدمان في خوض الثقافة، ولكن قد يستجد جديد في معرض السعي يحجمه عن الكتابة والمطالعة،

بصرف النظر عمّا إذا كان ذلك سببًا مقنعًا أم يتجاوز ذلك، ليبقى الأمر مرده إلى حقيقة الشخص نفسه.
أما عن تجربتك، فأراك تخوضين لجج الفكر، كمن انفك من عقال، فلابد للمرء أن يحيط نفسه بسور المحاذير،

فإقحام النفس في مراتع المجازفة له عواقب لا يدركها إلا عندما يجد نفسه في مأزق،
ولعل الخيار حينها لن يكون معروضًا على طاولة الخلاص، فهناك فرق بين الشجاعة والتهور. "وجهة نظر".



وفي خضم ما جاء في طيات مقالي، ذلك الموقف مع صديقي الذي اعتزل الكتابة،
أجد في شخصه ارتدادًا من مجهول قد ماحك طرفه منه، لتكون الفطرة خير ناقوس يقرع جرس الحذر،
أو عايش واقع أحد ممن يقربون منه، فهاله مما شاهده وسمعه.
لتبقى احتمالات عقلية عارية من الأدلة النقلية أو التصريحية، إذا جاز لي الوصف.
وفي المقابل، نجد من أدمن الكتابة، ونشر المقالات التي تدعو إلى الكمالات البشرية،
التي تبدد الشبه التي يسوقها دعاة التجديد الفكري المحارب للتقليد التبعي،



ومن هنا يبرز الجانب الآخر الذي ينسف القطب الأوحد، أو التعليل الأول من العذر الذي ساقه صديقي.
المسألة غير ثابتة، فقد تجري إلى أقصى اليمين لتعود وتغاير الاتجاه،
لتأخذ أقصى الشمال.
ولا يسلم المرء من تلبس العقل بالكثير من الوارد من الأفكار،
التي تبدل قناعات ومبادئ أي إنسان.



كم عايشنا من أناس تحلوا بالخلق الحسن، وغرفوا من نَمِير العلم، وتربوا في كنف أهل العلم والفضل،
ومع هذا انقلبوا عليهم ضِدًّا وندًا، ليخالفوهم في ثوابت ما يؤمنون به!
ولم أجد تفسيرا لفعل أولئك إلا الطمع، والغرور، وحب الظهور، والاستعجال في جني ثمار ما تلقوه من مربّيهم،
ليجعلوا لأنفسهم هالة من التقديس والتبجيل،
وليفتحوا لهم مدرسة تفتقر إلى أدنى أساسيات التعليم،
ومن أدوات الضبطية والقانونية التي بها يكون الاعتراف بمخرجاتها.
فالبعض ينسف مبادئ التدرج في التحصيل الثقافي والعلمي،
ليجعل الاجتهاد فضفاضًا، كل يفصله وفق هواه على مبدأ "هم رجال ونحن رجال"،
"ولهم عقول ولنا عقول"، لتكون الفوضى هي السائدة في الساحة الفكرية والثقافية كما نشاهد اليوم!




ومن هنا نجد ذلك التنطع، والتعصب، وولوج البعض في مجالات وتخصصات،
لا يصلون بها بصلة، ولا يفقهون حيثياتها وأصالها!
ولا يعدو الأمر إلا أن يكون اطلاعًا وثقافة عامة،
وفي الأخير والمحصلة يأتي من ينظر ويتفلسف في بعض الأطروحات،
وهو جاهل جهلاً مركبًا مدقعًا، وفوق هذا يكابر ويناظر!




فإن الكتابة، أيها القارئ، هي مرآة الروح،
ومن غاب عن روحه، انسلخ عن صوابه، وانزلق في متاهة الفكر والهوى،
فالورقة البيضاء لا تُحمّل إلا من يُعرف قيمته،
ولا تُكتب إلا لمن يعي أن الفكر لا يستقيم إلا بميزان العقل، وهدوء النفس، ونقاء السريرة.
فكما للروح قوانينها، للكتابة قواعدها،



ومن فرّط في مراقبة قلبه، ضلّ قلمه، وتشوهت عباراته،
فالكتابة بلا ضبط للروح كالسفينة بلا دفة،
تجرفها الرياح إلى شواطئ مجهولة، لا خير فيها ولا سلام.
والخلاصة، أيها الصديق:
الكتابة للفكر كالزهر للحديقة،
إن غاب الماء الروحي ذبل الزهر وذابت الكلمات،
وإن توافر التوازن بين الروح والعقل،
أشرقت الكلمات، وسادت الحكمة، وارتقت الأرواح.
[/FONT]


الساعة الآن 01:36 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.

Security team